*الذي يتأمل في حكمة مشروعية الشعائر، يجد أن الصلوات الخمس قد توزعت بعناية على مدار اليوم والليلة، كما لو أنها محطات إمداد ترفد كل محطة المؤمن بطاقة إيمانية تكفيه الوصول إلى المحطة التي تليها.. *ثم إن هنالك محطات موسمية كالزكاة والحج والصيام، بحيث أن كل شعيرة ترفد المؤمن بمجموعة محفزات وقيم لإعانته في مسيرته الأبدية إلى الله عز وجل. فلئن كانت الصلاة (تنهى عن الفحشاء والمنكر) وترفد المؤمن بقيم الطهارة والانضباط، ففي المقابل أن الزكاة تجرده من الأنانية وحب الذات حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء، والحج شعيرة جهادية يخرج فيها المؤمن من ماله وأهله ويشهد يوماً كما لو انه صورة مصغرة للمعشر العظيم. *غير أن الصيام (محطة استثنائية) يجب التأمل والتوقف عندها طويلاً، ولقد نسبها الله سبحانه وتعالى لذاته العليا، إذ قال عز وجل في الحديث القدسي (رمضان لي وأنا أجزئ به) اذ تبدلت هنا لغة الأرقام بمكافأة (العتق من النار), (أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)، على أن الصوم هو اختبار حقيقي للإيمان، إذ لا أحد يستطيع أن يراقبك طوال النهار، فإن قمة المصداقية أن تكون أنت الرقيب على نفسك، ويفترض، والحال هذه، إن لا يحتاج المؤمن لرقيب طول حياته ليقف على رأسه ليؤدي واجباته وتتجلى هذه الدلالة في قوله تعالى (لعلكم تتقون)، أي لعلكم تستمرون على حالة التقوى هذه طوال حياتكم. *هو أيضاً بامتياز شهر الإحساس بالفقراء والمعدمين، فأنت تعيش حالة العوز والعدم والفقر بإمساكك عن تناول الطعام والشراب، ثم تذهب مباشرة إلى حالة (الإنفاق المترعة) المتدفقة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في رمضان (أجود بالخير من الريح المرسلة)، ما أحوج بلاد النيل والشمس والفقراء، وهي تعيش حالات عوز وارتفاع في الأسعار وغلاء في الأسواق ما أحوجها إلى قيم التكافل والإنفاق. *صنَّف أهل العلم الصيام إلى ثلاث درجات، صيام العامة الذي يمتنع فيه المسلم فقط عن الطعام والشراب، ثم درجة صيام الخاصة الذي يمتنع فيه المؤمن عن فضول الطعام والشراب والكلام والنوم، ثم الدرجة السياحية ذات الخمسة نجوم، درجة خواص الخواص، وفي هذه الحالة أن شعلة (قلب المؤمن) ليلاً ونهاراً متقدة وواصلة باستمرار مع الله عز وجل.. أن تصوم بقلبك فاختار إلى نفسك، فبقدر عزيمتك وإرادتك تكون تذكرتك ويكون مقعدك. *وأنا شخصياً لا أعرف حرماناً أعظم من حرمان (إهدار فرصة رمضان)، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فيه ليلة من حرم أجرها فقد حرم)، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. *هكذا نصل إلى (محطة الصوم) وكاهلنا مثقل بالآثام والهموم، وأجسادنا متعبة بالأطعمة والأسقام، وهنا فرصة لا تعوض للتخلص من هذه الأحمال والأثقال. *كثيرون هم الذين تختلط عليهم الأوراق والفضائيات عندما يعتقدون أن رمضان هو صيام النهار، النهار لربهم والليل لهم، فرمضان شهر مقدس النافلة فيه بأجر الفريضة والفريضة مضاعفة سبعين ضعفاً أما ثواب الصيام، فهو بغير حساب.. *ليس هذا كل ما هناك، نرجو من الله أن يوفقنا إلى خير الصيام والقيام، وخير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ملاذات آمنه - صحيفة اليوم التالي [email protected]