هل سينجح لقاء الرئيس البشير بلجنة الحوار الوطني «7+7» في نفخ الروح من جديد واستعادة الحياة لعملية الحوار التي ماتت سريرياً بتجميد حزب الأمة القومي وحركة الإصلاح الآن وعدد من الأحزاب الأخرى مشاركتها فيها، لتترافق مع المقاطعة المعلومة من البداية لبعض قوى اليسار؟ كل الذي حدث للحوار من أخطاء الحكومة وسوء تقديراتها في التعامل مع قضية مصيرية، فالتباطؤ الذي وصم به تحرك الحكومة ورغبتها المتكاسلة، كان خصماً على الحماس الذي أبدته جميع الأحزاب ومكونات العمل السياسي في بداية الأمر وقابلت الحسنة بمثلها.. لكن سرعان ما تلبدت السماء بالغيوم وتبدد الأمل في حوار وطني خلاق وفعال يفضي في خاتمة أشواطه إلى توافق كامل حول القضايا الوطنية ويقود لاستقرار وسلام دائم. كل الأحزاب المعارضة والشريكة في الحكم تشكو وبلغة واحدة، من الطريقة التي يُدار بها الحوار وعدم الرغبة في مواصلة الإجراءات التي كانت ستنتج فعلاً سياسياً يغير المشهد العام، وينقل البلاد إلى مربع آخر، ولربما كانت ستكون هناك تحالفات جديدة أو تشكيل توافقي لنمط الحكم، واتفاق وتفاهم حول الانتخابات القادمة مواقيتها ومواعيدها وقانونها. ويتحمَّل كل هذه الشحناء والبغضاء والشقاق السياسي بين الأحزاب والفرقاء في البلاد، من تسبب في تأخير الحوار وسعى بقصد أو دونه إلى وضع العراقيل أمامه وإعاقة مسيرته ومنع قطاره من التحرك، ففي بداية الأمر بعد خطابي الرئيس في نهاية يناير وفاتحة أبريل، تم اتخاذ إجراءات استبشر فيها الناس بإطلاق الحرية السياسية والسماح للأحزاب بعقد ندواتها والإعلان عن الحرية الصحفية، ورفعت بعض القيود المعطلة لسيقان العمل السياسي المفتوح، لكن لم تقوَ الحكومة على تحمل كل الأكلاف المترتبة على ذلك، وأعياها الصبر على رياح الحريات التي هبَّت بقوة، فسارعت إلى ضبط الإيقاع ووضع القيود على الأقدام والمعاصم وكبلت الحماس المتدفق، وضاعت فرص ثمينة لا تعوض. وقد انعكست الأحداث التي جرت خلال الشهرين الماضيين، من اعتقالات وتوقيف لبعض القيادات السياسية وتضييق الحريات الصحفية، على صورة الحوار نفسه، ولم تستطع أية جهة معارضة مؤيدة للحوار ولا مجموعات وطنية حريصة عليه، ولا الحزب الحاكم، إقناع واستقطاب المعارضة المسلحة والحركات المتمردة بجدية المسعى للحوار وإمكانية تحقيق أهدافه. فآلية الحوار نفسها بتكوينها الراهن «7+7» تجد صعوبة بالغة في جر الآخرين في الداخل والخارج إلى بيدر التحاور والموافقة على تكييفاته المنتظرة، وكانت توقعات غالب المعارضين السياسيين والمتمردين من البداية أن أزمة الحوار لا تكمن في حقيقة منطلقاته وأهدافه وإنما في صدقية تطبيقاته، فالطارحون له من جانب الحكومة في كثير من الأحيان هم من يغتالونه ويعيقونه بقصد ودون قصد!! وهناك اتهام ظل يلازم الحزب الحاكم وتركيبة السلطة، وفي تقديرنا أنه اتهام ليس صحيحاً على إطلاقه، بأن هناك جهات ومراكز قوة في الحكومة والحزب، لا تبدي حماساً للحوار الوطني ولا ترى فيه منفعة ولا مصلحة مرسلة، ولذا تعمل على إجهاضه وإحباطه، وهذا الاتهام صار تميمة تعلقها بعض الأحزاب المعارضة على أعناقها وتؤمن به إذا لم يثبت لها عكس ذلك.. ومعقود على لقاء الرئيس بلجنة «7+7» الأمل في إحياء الحوار واستمطار نتائجه المرجوة واستحلاب رغوة لبنه البيضاء. فلقاء الرئيس بلجنة «7+7» يجب أن يجنح مباشرة إلى تأكيدات عملية تطمئن الأحزاب المعارضة وكل المنخرطين في الحوار والمجمدين نشاطهم والمتشككين فيه، بأن دعوة الرئيس ومبادرته هي مبادرة جادة ويمكن تسريعها بعد بطء وتعجيلها إثر سكون لازمها طيلة الأشهر الماضية، فكل شيء بيد الرئيس، إن أطلق عقال الحوار سيعدو البعير وتطأ أخفافه القفر السياسي حتى يصل إلى بر الأمان.. وإذا لا قدر الله لم ينجح الاجتماع في تأسيس رؤية عملية وخطوات بناءة لتعزيز الثقة وتحريك الجمود وتهيئة المناخ.. فعلى الدنيا السلام!! أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة