ما يحدث في العراق فظيع، و(داعش) التي أحكمت قبضتها على أجزاء واسعة منه، وأعلنت من عليها قيام دولتها الإسلامية، تقدم نموذجاً قبيحاً للحكم وللإسلام، فلو كانت اقتدت بدولة الرسول (صلى الله عليه وسلم) المدينةالمنورة التي ليس لأي مجموعة ذات أشواق للحكم الإسلامي والدولة الإسلامية قدوة وأنموذج آخر غيرها. لو كانت اتخذتها قدوة لما فعلت بالمسيحيين والإيزيدين ما فعلت. دع عنك، دول المدينة، فهذا حلم لا تستطيع أي من حركات الإسلام السياسي الراهنة - حتى الأكثر اعتدالاً و(ليبرالية) من داعش، أن تستعيده فيما لو وصلت إلى الحكم، وبين يدينا تجارب الإخوان المسلمين في الجزائر ومصر، دع عنك دولة المدينة، ونتساءل لماذا لم تحتذ دولة (داعش) بتجربة الأمويين والعباسيين وغيرهما من الأنظمة التي حكمت – بما اعتقدت – أنه حكم الإسلام عبر التاريخ. المسحيون والإيزيديون، طائفتان تعيشان في العراق منذ آلاف السنين، قبل الإسلام وبعده، صحيح أنهما تعرضتا لكثير من (المحن) والصعوبات، لكن (محن داعش) ما أنزل الله بها من سلطان. ما فعلته (داعش) بالطائفتين، خاصة الإيزيدية، أعادها إلى الواجهة بعد أن كانت منسياً منسياً، تعيش شبة مُنغلقة على نفسها، ما بين الموصل وجبال سنجار. طائفة تقول أكثر التقارير تفاؤلاً إن عددها في العراق لا يتجاوز ال (600) ألف شخص، ويبلغ في حول العالم نحو (مليون وربع). فما الذي جعل (الدواعش) يفترضون أن في إبادة ومطاردة هذه الطائفة العزلاء، قليلة العدد، المسالمة، انتصاراً لقيم الإسلام، وتمكيناً لدولتهم التي تهتدي بهديه، وتُدار وفقاً لتعاليمه؟ للأسف، ظلت حركات الإسلام الساعية إلى السلطة بكافة فصائلها ومواقعها ومسمياتها، ما إن تصل إلى الحكم حتى تقدم نماذج مُخزية، وتجربة (طالبان) ليست ببعيدة عن الأذهان، وها هي (داعش) وبدلاً من أن تؤسس دولتها – المفترضة – على أرضية ناقدة لتجربة رصيفتها (طالبان)، وتستفيد من أخطائها، ها هي تقدم أنموذجاً أكثر ظلامية، وبدلاً من أن تؤسس حكماً يقدم نموذجاً إسلامياً باهراً للعدالة والرفاهية والتقدم وحكم القانون (الشريعة)، ها هي تترك كل تلك القيم الرائعة، و(تكنكش) في مفاهيم مثل أهل الذمة، ودفع الجزية، وتبتدر مطاردة فريدة من نوعها وغير إنسانية لمواطنين عزل ومسالمين، ليس لهم، حتى في ما يجري في أوطانهم (يد سلفت ودين مستحق). ولأن مثل هذه المجموعات المتطرفة، لا تعي عقابيل ما تفعل، فإنه سرعان ما ينهار حلمها بيديها، وتعود منبوذة ومطاردة بين العالمين، وهذا ما حدث لطالبان، وما يجري الآن ل (داعش). إنها مجموعات تحمل أسباب فنائها بين ظهرانيها. وفي مقابل ذلك، فإن من ينجو من الإيزيديين والمسيحيين، سيحصل على حقوقه التي ظلت مهضومة لآلاف السنين، وربما على أكثر منها، فقد سطلت عليهم (داعش) الأضواء، وأعادتهم إلى الحياة من حيث ظنت أنها قضت عليهم، وقطعت نسلهم وحرقت زرعهم وجففت ضرعهم وبددت شملهم. الحصة الأولى - صحيفة اليوم التالي