ما الذي يدفع رجلاً في قامة الاقتصادي عبدالرحيم حمدي ليصرخ في آخر ندوة له بأن أمر الاقتصاد لا يحتمل آمال وآجال الخطط الخمسية التي أقرها القوم مؤخرا؟ بل لجأ الرجل لاستخدام (خطة باكر) لتدارك الأسواق والأسعار المحتدمة.. وإذا لم نستغرب لصرخة حمدي على أن هذا مضماره وميدانه.. ففي المقابل ما الذي يجعل رجلاً في قامة الداعية الشيخ كمال رزق يترك غزة وجراحاتها والدعوة وتشابكاتها لينادي من فوق منبر جامع الخرطوم الكبير لإعلان حالة طوارئ اقتصادية؟ على أن تتحول كل المجهودات والميزانيات لعمليات إسعافية لضروريات معاش الناس.. ورزق يدرك قبل غيره أنه كان في البدء أدب (الذي أطعمهم من جوع) ثم عبادة رب البيت.. لكن عليك أمان الله الجماعة في مؤتمراتهم يعمهون.. بل إن الأستاذ بدرالدين محمود ومن منصات أحد المؤتمرات أطلق صاروخه.. بأن وزارته سترفع مطلع العام الدعم عن باقي السلع الغذائية المدعومة! ولا ذنب يومئذ للوزير الصيرفي محمود الذي غاية جهده عمل البيانات والاحصائيات والموازنات المالية.. فإن وجدتم خيراً في اقتصادكم فاحمدوا الله على ذلك.. وإن لم تجدوا وفرة وخيراً، فإنما هي مكتسباتكم ومنتجاتكم وحصائد مؤتمراتكم التي أحصاها لكم.. فالرجل الوزير الصيرفي يقوم بواجبه كوزير خزانة خير قيام.. غير أننا أحوج ما نكون لوزير تخطيط استراتيجي بمؤهلات كبيرة وخبرات تراكمية وعلاقات دولية و.. و.. أتصور أن الحالة الاقتصادية التي عليها بلادنا الآن تحتاج بالفعل لإعلان حالة طوارئ اقتصادية كما عبر بذلك الشيخ رزق.. وهذا يجعلنا نوظف كل ما بأيدينا من موارد لصالح خدمة ونجدة المواد الأساسية في امتحان المائدة المعاشية اليومية.. بما في ذلك التفكير في تجميد الانتخابات المرتقبة، إن لم يكن ذلك لدواع سياسية فليكن لأسباب اقتصادية.. وسأتبنى لكم مقترح تفويض جماهيرياً كاسحاً لاستخدام ثمن الانتخابات وكلفتها في موسم القمح الشتوي.. بل سأذهب أبعد من ذلك وأنا أطرح فكرة القمح مقابل الشرعية.. إن تكون شرعيتكم في الحكم وتفويض الجماهير لكم بمقدار ما تنتجون من قمح بل بمقدار وزن خبزكم.. على أن تنفد شرعيتكم مع نفاد آخر قطعة خبز في مخابزكم.. فلعمري إن الخبز هو الشرعية، بل هو الدستور، بل هو الشريعة.. ألم يقل رب العباد "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".. فمن خذله خبزه لم تسعفه شرعيته.. أو تذكرون أن تعددية السيد الصادق المهدي لم تهزم لقلة برلمانية وإنما هزمتها بواخر القمح الأمريكية.. ولو أن مطامير السيد المهدي يومئذ مليئة بالقمح والدقيق لما فرطت الجماهير في (تعددية القمح) والخبز.. فلا فائدة في ديمقراطية الصفوف و(الطوابير).. كان للخبز طابور وللوقود طابور وللطابور طابور.. سيدتي الإنقاذ، إن العهد الذي بيننا وبينكم هو الخبز.. وإن الشرعية هي الخبز.. بل إن الخبز هو أعظم من الدستور.. فيمكن أن نعيش بدون دستور.. لكن في المقابل لا يمكننا أن نجوع ثلاثة أيام بلياليها.. مخرج.. فتحوا عيونكم.. فالقصة تبدأ بالخبز وبه تنتهي. ملاذات آمنه - صحيفة اليوم التالي [email protected]