الآن وقد أُجيزت خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا من قِبل الجمعيَّة العموميَّة للحوار الوطني، أقول إننا دخلنا في مرحلة سياسيَّة جديدة مرجعيتها العُليا هي تلكم الوثيقتان المُجازتان اللتان ينبغي أن يعلم جميع من انخرطوا في الحوار أنهما تمثلان عقداً وعهداً واجب التنفيذ، وأن أي نكوص عن أي من مخرجاتهما يتحمل تبعاته من يخرج على تلك المخرجات. أقولها بصدق أتحمَّل مسؤوليته أمام الله العزيز يوم يقوم النَّاس لرب العالمين أن الكرة الآن في مرمى الرئيس البشير أكثر من غيره من فريقي الحكومة والمعارضة، سواء المنخرطة في الحوار أو المتمنعة حتى اليوم. إن الرئيس وليس غيره هو المسؤول عن قيادة الحوار إلى نهاياته نجاحاً أو إخفاقاً، كونه صاحب السُلطة التي بيدها الفعل والقرار. التحدي الآن لإنجاح الحوار يتمثل في إشراك الجميع، خاصة الحركات المسلحة بالنظر إلى أن أهم مطلوبات وأهداف الحوار أن يفضي إلى نظام سياسي ديمقراطي ينهي الحرب ويحقق السلام بما يجعل جميع الكيانات السياسيَّة والمجتمعيَّة تتراضى على الاحتكام إلى الشعب في ظل نظام ديمقراطي يوفر الحريات والنزاهة والشفافيَّة والعدالة، بعيداً عن الاحتراب، وذلك ما يستدعي بذل الجهد في سبيل تقديم الضمانات الكفيلة بجعل الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق أديس أبابا تعود إلى الوطن بعد أن تضع السلاح وتجنح إلى السلام. كذلك فإن حزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي يحتل مكانة كبيرة في المشهد السياسي السُّوداني ويعتبر بدون أدنى مجاملة الزعيم الأول للمعارضة ولذلك فإن الحوار الوطني يظل منقوصاً إذا تخلّف عنه المُعارض الأكبر وزعيم أكبر الأحزاب السياسيَّة، ولذلك فإن إعادة المهدي للحوار تعتبر من أهم مطلوبات المرحلة المقبلة. لتحقيق هذين الهدفين، أعني انخراط الحركات المسلحة والإمام الصادق المهدي في الحوار، وقد وقَّعوا على اتفاق أديس أبابا الذي ينهي الحرب، يتعيَّن على الرئيس أن يعبِّد الطريق ويهيئ المناخ لانطلاق المسيرة السياسيَّة، سيما بعد أن مهر (اتفاقية الحوار الوطني والعمليَّة الدستوريَّة) بموافقته خلال اجتماع الجمعيَّة العموميَّة بالنظر إلى أن الاتفاقيَّة نصّت على الآتي: يجب أن يكون لوقف الحرب ووقف الأعمال العدائيَّة ومعالجة الوضع الإنساني الأولويَّة المطلقة في تدابير بناء الثقة. ضمان الحريات وحقوق الإنسان الأساسيَّة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم يُعد الأولويَّة العظمى لبناء الثقة ولخلق البيئة الملائمة. بدء الحوار والعمليَّة الدستوريَّة وفقاً لقواعد وإجراءات يُتفق عليها. أن تكفل لكل المشاركين في الحوار والعمليَّة الدستوريَّة حرية التعبير عن الرأي والمواقف. كفالة الضمانات اللازمة لإجراء وتنفيذ الحوار والعمليَّة الدستوريَّة. إذن فكما ذكرت آنفاً، فإن الكرة في مرمى السيد الرئيس الذي يستطيع وحده إنفاذ البنود المذكورة أعلاه، من أجل تحقيق هدف بناء الثقة الكفيل بانخراط حَمَلة السلاح في الحوار الوطني الذي لن يكون ذا جدوى بدون مشاركتهم والإمام الصادق المهدي، ذلك أن حواراً لا يحقق سلاماً يُعتبر منقوصاً، ويكفي حرب الجنوب التي أنهكت ديمقراطية السيد الصادق المهدي ومهدت للانقلاب عليها. على آلية السبعتين ألا تستعجل بدء الحوار من خلال اللجان أو غيرها، ولتعتبر أن السعي لاشراك الجميع مُقدَّم على الشروع في حوار منقوص لن يفضي إلى الأهداف والمطلوبات الوطنية التي أُبتُدر من أجلها الحوار. أخاطب السيد الرئيس بصدق أنه الآن بمثابة الربَّان الأوحد لسفينة الوطن وسط أنواء ورياح وعواصف تحيط بها من كل مكان ويتعين عليه أن يستصحب معه قيم التسامح والعفو والحلم حتى يهدئ من روع الخائفين، ويكسب ثقة الحانقين، وينتزع غِل الحاقدين، ولا أظنه يجهل كيف أحال معاوية بن أبي سفيان بحلمه - وهو الحاكم القادر - حُنق عبد الله بن الزبير إلى ودٍّ ومحبةٍ، وكيف أخرج الحسين بن طلال عاهل الأردن غريمه ليث شبيلات من سجنه واصطحبه في سيارته إلى منزله في قصة سطرتها كتب التاريخ لتضيف صفحة بيضاء إلى سيرة الملك الراحل تتداولها الأجيال. على السيد رئيس الجمهورية أن يطمئن أنه لن يُضار - البتَّة - من أي تنازلات أو أي حلم وصفح وعفو، يقدمه من أجل بناء الثقة وإزالة الاحتقان السياسي، وإنما سيزيد قدره عند الله وعند الناس، ولذلك أرجو ألا يستصعب أي تنازل في سبيل إنجاح الحوار والعبور إلى مرحلة سياسيَّة جديدة في تاريخ السُّودان، حتى لو اقتضى الأمر أن تبدأ الجلسة الأولى للمفاوضات مع الحركات المسلحة خارج السُّودان أو يصار إلى تأجيل الانتخابات بتعديل دستوري، أو أن يتصل بالسيد الصادق المهدي أو يرسل له موفداً يدعوه إلى العودة. الكاتب : الطيب مصطفى زفرات حرى - صحيفة الصيحة