لم يعد ألق التجربة المسرحية السودانية كما كان في السابق، فقد خَفَتَ مع مرور السنوات والتغيرات والتحولات المختلفة التي عرفتها البلاد، وهي تغيرات تركت بصمتها على الإنتاج المسرحي والإقبال عليه على حد سواء، فغابت المواسم المسرحية وافتقد الممثلون العمل على خشبة المسرح، بينما انشغل المواطنون بما يدور على خشبة الحياة. ورغم قِدم التجربة المسرحية في السودان وثرائها فإن حجم الإنتاج المسرحي في البلاد لم يعد كالسابق لظروف يرى مسرحيون أنها لن تمنعهم من التقدم ولو ببطء لأداء رسالتهم، في حين يرى آخرون أن مستقبل المسرح في خطر إن لم تتجه مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة والإنتاج الإبداعي لدعمه. وتأثر المسرح السوداني الذي برز في وقت مبكر من خمسينيات القرن الماضي، بتجارب مميزة قادها جيل من الرواد لم يدّخروا جهدا في التعريف بهذا الفن وتوظيفه لخدمة أهداف وطنية وتعليمية وتثقفية. جمال حسن سعيد: المواسم المسرحية كانت الحدث الأبرز في البلاد تأثير وتأثر ويشير الممثل والمخرج السوداني جمال حسن سعيد إلى أن الرواد الذين يتقدمهم الفكي عبد الرحمن، والفاضل سعيد، والطاهر شبيكة، وعمر الخضر، وهاشم صديق، وفائزة عمسيب وغيرهم، غالبوا الظروف وقلة الإمكانيات في تلك الفترة البعيدة حتى يقدموا إنتاجا مسرحيا يخاطب قضايا مجتمعهم الملحة، وفي مقدمتها محاربة الاستعمار ونشر الوعي في تلك الفترة. ويبيّن سعيد للجزيرة نت أن تلك الرسالة التي تعاقب على حملها عشرات المسرحيين السودانيين، تحوّلت بعد الاستقلال إلى مخاطبة قضايا المجتمع ككل والمساعدة على معالجتها بشجاعة، مما أكسب المسرح السوداني تأثيرا كبيرا على الجمهور وتقديرا لا ينكر، على حد قوله. ويستذكر المخرج والممثل السوداني وهو يتحدث عن أهمية الحركة المسرحية والفنية في بلاده، عشرات المواسم المسرحية التي نظمها المسرح القومي بأم درمان في ثمانينيات القرن الماضي. ويضيف سعيد متحسرا “كانت المواسم المسرحية حدث البلاد الأبرز، وما زال الجمهور يستعيد العروض بامتنان ويذكر نجومها بالخير”. غير أن الأوضاع الاقتصادية ألقت بظلالها الثقيلة على أحوال الناس وجعلتهم لا يفكرون إلا في تأمين الحاجيات الأساسية، فعزفوا بذلك عن المسرح وغيره من الفنون. وهذا الأمر لم ينعكس فقط على الجمهور، بل أيضا على المسرحيين السودانيين وتجاربهم التي توقف بعضها لقلة التمويل، حيث يقول سعيد إن هذه الظروف دفعته شخصيا لتقديم أعمال قصيرة في التلفزيون، مضيفا أنه يقوم بطريقة أخرى بنقد الظواهر والقضايا الاجتماعية وتسليط الضوء عليها. ورغم الواقع الذي يواجه المسرح السوداني فإن بعض مسرحيي البلاد يبدون أكثر استعدادا الآن من أي وقت مضى للتعامل مع التعقيدات التي ترافق التجربة المسرحية السودانية. لقطة من مسرحية “النظام يريد” التي لاقت نجاحا جماهيريا في السودان (الجزيرة نت) درس ودعم ويعتبر أبو بكر الشيخ مخرج مسرحية “النظام يريد” التي لاقت إقبالا واسعا وأثبتت تعافي المسرح السوداني وجاهزية مبدعيه، أن المسرح في السودان يتقدم إلى الأمام رغم البطء وقلة أماكن العرض داخل وخارج الخرطوم. ويرى الشيخ أن المسرحيين في السودان استوعبوا الدرس تماما، واقتنعوا بضرورة الاتجاه إلى شراكات مع القطاع الخاص دون انتظار التمويل الرسمي. وبحسبه فإن الحركة المسرحية السودانية ما زالت فاعلة وقادرة على تقديم المبادرات رغم الظروف التي تحيط بالعملية الإنتاجية برمتها، كما أن هذه الحركة “ما زالت تؤمن بدور المسرح تجاه الشعب السوداني وقضاياه المختلفة”. ويثمّن الشيخ تفاعل الجمهور السوداني -الذي يصفه بالوفي- مع الأعمال المسرحية القليلة التي قدمت في اﻵونة الأخيرة، ويقول إن الجمهور هو “الداعم الرئيسي لاستمرارنا ووجودنا”. في المقابل، لا يرى عميد كلية الدراما والمسرح بجامعة السودان الدكتور فضل الله عبد الله مستقبلا للمسرح السوداني دون دعم الدولة المباشر، وذلك في ظل غياب دور القطاع الخاص الباحث دوما عن عائد مادي سريع، وهو أمر من الصعب أن يتحقق في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حسب رأيه. ولا يعد المسرح السوداني -بحسب عبد الله- من أولويات الدولة ومؤسساتها الرسمية المعنية بالإنتاج الثقافي والابداعي، معتبرا أنها لا تملك رغبة في تمويل المسرح، وإن تحدثت عن ذلك ففي الإطار النظري، على حد قوله.