*إن الطيور لا تغادر أوكارها لتبحث لها عن (أريح سكن) في موقع آخر.. *إلا تحت ضغوط تجبرها على هذا الانتقال والفراق. *على طريقة فُراق الطريفي ل (جمله).. *فكيف بالإنسان الذي يرتبط بتراب وطنه.. *حيث (صُرَّته) المدفونة.. *ودفن (الصُرَّة) هنا ليست مجرد عادة تنتهي وظيفتها بانتهاء (مراسم الدفن).. *إنما لها بُعد روحي.. *فكما كانت هي الحبل الغذائي ودفقة الحنان والأمان بين الأم وطفلها.. *نجد كذلك أن (الصرة المدفونة) ما هي إلا رمز آخر من رموز.. *العلاقة الوثيقة التي سوف تربط الطفل بتراب وطنه.. *فالوطن هو الأم الثانية التي يستمد منها الإنسان كل العادات والتقاليد السمحة.. *وكل إشراقة ضوء علمية وفنية ورياضية واجتماعية.. *من ثم يصبح الابتعاد عن الوطن.. *ابتعاداً عن (جاذبية) كل الملامح التي تشكل ذاك الإنسان.. *لذا، فإننا نجد أن الذين غادروا هذا الوطن في هجرة بحثاً عن رزق.. *و(الرزق) هذا يمكن أن يكون لقمة عيش كريمة أو استزادة من العلم أو تنفس مناخ معافى سياسياً وإبداعياً.. *من ثم فإن هذا الإنسان المهاجر يتمنى إن وافته المنية في الغربة.. *أن يوارى جثمانه بأرض وطنه.. *أن يعود إلى (صُرَّته) المدفونة.. *ليبقى قريباً منها بعد موته.. *بعد أن أُجبر على فراقها في حياته.. *إن حجم الوطن يكبر بحجم عطاء أبنائه.. *فالوطن لا تقاس مساحته بالكيلومترات والأميال.. *يكبر حجم الوطن بقدر الحب والسلام والأمان في أعماق أبنائه.. * إن عودة (السياسيين) وحدها من مهاجرهم لن تزيده اتساعاً.. *بل ربما تزيده (ضيقاً)!! *العودة الحقيقية تتمثل في تلك الأدمغة التي هاجرت إلى بلاد (طيرها عجمي).. *فالمناشدة لعودة أبناء الوطن المهاجرين إلى وطنهم.. إلى (ضل الدليب) لا غبار عليها. *ولكن السؤال.. *كيف نحرص على (بقاء) الذين يستجيبون لتلك الصيحة.. *والعودة إلى أرض المنبت والجذور.. *العودة إلى (الصُرَّة) المدفونة.. *كيف.. ثم كيف؟!