نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    هل انتهت المسألة الشرقية؟    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    لأهلي في الجزيرة    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترابى.. حياة الأفكار 7
نشر في النيلين يوم 05 - 05 - 2016

كان الدكتور الترابى يفهم القرآن بوصفه كتاب الحياة .فهو الدليل لسبل أن يحيا المؤمن الحياة التى تحصل له بها السعادتان،سعادة الأولى والآخرة.لذلك كان يفهم القرآن كتاب خطاب وتعليم وتفهيم للإنسان. فالإنسان عندما يجىء الى محراب القرآن عليه أن يأتيه متفرغا ليقرأ فيتلو ويرتل. وإنما يقرأ القارىء متمهلاً مترسلاً رتلاً من بعد رتل من الكلمات والجمل والآيات ليتدبرها فيفهمها.لأن من أنزل هذا الكتاب شرف الإنسان ليكون هو الناطق به بكلماته . لذلك وجب أن يقربه متأدبا ويقرأه ويتلوه مترسلاً ، ليفهم عن الله سبحانه وتعالى ما يخاطبه به.وهو إذ يقرأ وإذ يتلو ويرتل ويتدبريكتنفه الخشوع وتمتلكه الهيبة ، لما يعلم أن المُخاطِب له بهذه النداءات القرآنية هو الله سبحانه وتعالى . وسياق القرآن دائماً هو مخاطبة المؤمنين وقلما يُخاطب به الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وحتى عندما يوجه الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم فإنما يُطلب منه أن ينقل الخطاب لأمة المومنين . وذلك كذلك ليعلم كل إنسان أنه مقصودٌ بشخصه ومخاطبٌ من ربه بالقرآن. فالقرآن هو خطاب الرب للمربوب والخالق للمخلوق والمعبود للعابد.القرآن لتعليم الإنسان:إن رؤية الترابى القرآنية رؤية إنسانوية مركزها الإنسان . لأن تعليم الإنسان وتفهيمه هو مقصد الخطاب . ومركز رسالة القرآن للإنسان هى أن يتوحد روحاً وجسدا، عقلاً ووجداناً . وأن يرى الكون حوله متناغما موحدا، ولن يكون ذلك ممكنا فى الفهم مالم يكن الصانع واحد ومقصوده مما صنع واحداً . فلذلك فإن المقصد هو توحيد الانسان لنفسه ألا تتفرق وتتمزق . وتوحيد الانسان لحياته فى مجتمعه أن لا تتصارع فتتنازع ,وتوحيد الانسان نظرته للأكوان ليراها كما هى متسقة متنظمة بسنن لا تتبدل ولا تتغير . وتلكم هى طريقه الايمان بالله الواحد الأحد الذى إن لم نره واحدا فندركه واحدا فردا صمدا لفسدت السموات والأرض ومن فيهن. ولأن القرآن تنزل خطاباً مباشراً لأمة الدعوة والاستجابة التي كانت قائمة حين تنزيله وتناول واقع حياتهم بالأحكام الفاصلة فأوضح مقتضى التدين الحق من خلال الإحاطة الوثيقة بواقعهم . فهو تلبس بحياتهم وأتخذ من مادتها مناسبات التنزيل من بعض أحوالهم الشخصية ومواقفهم النفسية ،و محاولاتهم وتساؤلاتهم من طوارئ الأحداث الخاصة والعامة ومن ظواهر الوجود كما يلاحظونها ومن مقارنة التاريخ الذي أحاطت بهم ظلاله وبين القرآن مغزى ذلك كله بميزان الحق الأزلي والعلم الصادق والعدل المطلق. فأحكام القرآن وتعاليمه لدى د. الترابى هى خطاب لأهل الوقت أيما وقت . ذلكم الوقت وهذا الوقت ما في ذلك من ريب . وهو خطاب بالحق الأزلي الذي تسرى حجته مطلقاً لمدى ما يبلغ من الأمم المعاصرة واللاحقة إلى يوم الدين . ذلكم لأن لله أحكمه على الإطلاق وانقطع بعده خبر السماء وأختتمت الرسالات . والترابى لا يشغل نفسه بالمقولات الفلسفية وحوارها العقلي حول جواز مخاطبة المعدوم أو عدم جواز ذلك . فالأنسان فى علم الله وقدره حاضر وإن لم يولد . وقد سبق لله سبحانه وتعالى أن خاطب الذرية الأدميه وهى فى ظهور الأباء (قال ألست بربكم قالوا بلى ). فالترابى يؤمن ان القرآن خطاب أزلى للإنسان وإن تنجم على أحوال الجيل الأول . ولذلك فهو ينظر الى معانى القرآن متنزلة على الجيل الأول فلا يغفل معانى الكلمات وإستعمالاتها فى ذلكم العهد . وكذلك أسباب التنزل وملابسته . وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال أصحابه فى شرح الأيات والمعانى . كل ذلكم عنده هو التفسير. لكن التفسير الذى هو فهم القرآن فى سياقه الذى أنزل فيه ليس بالكافى . فنحن لسنا مطالبون بتفسير القرآن بل نحن مطالبون بتدبره . ولن يكتمل التدبر دون تأويل والتأويل نعنى به نقل حجة ذلكم الخطاب من سياقه الى واقع الحال الذى آل اليه الأمر فى زماننا . والترابى يدعو إلى وقفة تأمل لتكييف مقارن وشامل للواقع الجديد . فهو يقول (وربما يجوز لنا اليوم أن نفرق في معني القرآن بين ” تفسير ” وتأويل باصطلاح جديد يطلق الأول لتبيين معني الأصل في عهد التنزيل وما اتصل به . والثاني لتبين معني ” الفرع ” المتجدد في كل عهد فهماً جديداً تؤول فيه معاني القرآن إلى وجه جديد . إذ تقوم في مواجهة واقع جديد ويجوز لنا أن تسمي الأول شرح ” فهم ” والثاني شرح ” اعتبار ” )ذلكم لأن الإعتبار هو تعدية مراد الخطاب للواقع المعاش ليتلبس به كما تلبس مجتمع التنزل الأول بمراد الخطاب أول مانزل. ولأن المقصود هو تحسين حياة الانسان وأعمار الأكوان بالفهم عن الله سبحانه وتعالى تدبراً لما يخاطبنا به. فالقرآن إنما جاء رحمة للعالمين ، وهى رحمة تتبدى فى توجيههم لأحسن التصرف والسلوك فى كل حال، تصرفا يسعد به الإنسان ويُسعد به غيره ، ويصون به الطبيعة وينميها على الوجه الذى به تربو وتزيد . لا على الوجه الذى به تتغير وتفسد أو تفنى وتبيد.وفكرة الفهم التوحيدى للقرآن أبعد مطالاً وأعمق معنى من فكرة التفسير الموضوعى للقرآن . وهى تلكم التى تصل الموضوعات التى تناولها الخطاب القرآنى ببعضها البعض فلا يُفهم رتل من الآيات الا بوصله بأرتال الآيات التى تتصل بذات الموضوع الذى يتناوله الخطاب .وهو كذلك أبعد مطالاً وأعمق معنى من تفسير القرآن بالمقام أى مقام المخاطبة وقتاً ومحلاً ، ومن تفسيره بالسياق سياق المخاطبة وقتاً ومحلاً وحالاً وحدثاً ونازلة وإتصال عبارة . وتفسير القرآن بالسياق هو توسع فى تفسير القرآن بإعتبار الوقت والمحل وسبب النزول ،والعرب تقول صادقة لكل مقام مقال. بيد إن المُحدثين من أهل التفسير وبسبب تطور علوم الألسنية ذهبوا الى تحريك المقام ليكون سياقاً ، أو ما يعرف بالشرح بالمقاربة للموقف الكلى Contextual Approach)) . ونظرية السياق التى تجاور المقاربة التوحيدية تعجز عن إدراك تلكم المقاربة. فالمقاربة التوحيدية تتحدث عن أرتال أى وحدات معنوية يأخذ بعضها بأيدى بعض فى تشابك فريد ينشىء معان جديدة دون أن ينقص من معنى الرتل المخصوص شيئاً. يقول أصحاب نظرية السياق ( معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى و إن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها ) وذلك يعنى أن نسيج الكلام مثل نسيج الأجسام يتفرد ولكنه فى ذات الآن يتكامل وهذا هو المعنى فى المقاربة التوحيدية . وتقترب نظرية السياق من ذلك لأنها تؤكد بأن الوحدات المعنوية يتغير معناها أو يتحور بما يجاورها من وحدات أخرى. ولكن الرؤية التوحيدية تتجاوز الوحدات المعنوية لتصل السياق بما يحرك من معانٍ فى ذاكرة القارىء ، وبما يستجيش من مشاعرفى وجدانه . فالأنسان ههنا كلٌ موحدٌ يعقل بوعيه الذى يشتمل على فهمه للواقع وأحساسه وشعوره تجاه هذا الواقع .لأن مشيئة الأنسان لاتتبلور بإدراكٍ مجردٍ للأمور وإنما بإحساسٍ وتفاعلٍ وجدانى ونفسى. وإنما مقصود الفهم أن يفضى بالإنسان إلى التصرف الرشيد تجاه كل موقف. ولذلك نحن نقرأ القرآن بمنهج التدبر الذى لايكتفى بتنشيط الطاقة الفكرية بل يرتدف معها الطاقة الوجدانية والروحيه . وذلكم بإستشعار الانسان أنه فى معيه عظيمة هائلة . وأنه يصغر بإزائها حضوراً حتى يكاد يفنى ولكنه يكبر بما يقترب منها وجودا حتى كأنه يحيط علما بالأكوان . ويقبس منها قوة حتى كأنه قادر فلايعجزه شىء أو أمر.فمن فهم عن الله وعمل بما فهم أحبه الله ومن أحبه الله كان (سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها وقدمه التى يمشى بها) وأذا سأله أعطاه واذا استغفره غفر له واذا استعاذه أعاذه ، أو كما ورد فى الحديث القدسى الذى رواه البخارى وأحمد والبيهقى .والمعنى أنه يعلم بعلم من الله ، ويقوى بقوة من الله، وينال غفران الله ورض وانه ،وحفظه وكلاءته. فالقران هو حبل الوصال بين العابد والمعبود والخالق والمخلوق والرب المربى والمربوب . فالقرآن هى كلمة الله العرفانية وسنن الحياة والطبيعة هى كلمته التكوينية . ولا يكون فى ملك الله إلا ما أراد الله أو أذن به. والقرآن هو هادى الإنسان لحقائق الكون والحياة كما حققها الله ، وكما كونها الله سبحانه وتعالى . يقول الترابى فى شرح المعنى (تتوالى آيات القرآن وتتضاعف معانيها وتتأيد وتوحد هدى الإنسان لحقائق عالم الغيب ليرسخ يقينه بها فى حياته فى عالم الدنيا المشهود ، وليسعى الى عين اليقين فى الأزل وفى الحياة الأخرة ، فالقرآن يُذكر كثيرا بمركوز الفطرة الإنسانية بخيار عقد إيمان بالله الواحد وميثاق عبادة له وراء الغيب. ويذكر كذلك ظواهر العالم المشهود الناظر فيها ببصيرة قد يعزز ما تلهمه الفطرة إيماناً يتزكى بخواطر التفكر والتدبر النافذ للخالق المعبود ) والترابى يتأمل كيف أن عجز المشركين عن رؤية روح الوحدانية فى الوجود قد قطعهم عن الأله الحق . وكيف يمكن لإدراك روح الاتساق والانسجام والوحدة فى الكون والحياة ، كيف يمكن لها أن تهدى لله الواحد الأحد الصمد . إن معرفة الانسان للسنن الكونية تهيئه لإتباع السنن والنظم التى لا تضل ولاتزيغ . والشريعة لدى الدكتور الترابى هى السنة التى يجتمع عليها أهل الإيمان فينتظمون ويتوحدون فى الاستجابة لنداءات الإيمان فى القرآن التى توحدهم وتساوى بينهم . فكلهم لآدم وآدم من تراب ، كلهم سواسية يخضعون لحكم عدل هو الله رب العالمين ، الذى لا يحابى أحداً ولا يرى لأحدٍ فضلاً على أحد إلا بما كسبت يداه ، ولا دنية لأحد دون أحد إلا بما أكتسبت يداه . والترابى رغم أنه يحفظ الفضل لأهل التفاسير القديمة إلا أنه لا يخفى أنتقاده لجوانب القصور فيها . وبخاصة تلكم التى خطها المتأخرون زماناً. وهو تنتقد تجافيها عن أدراك سياق القرآن المتصل الذى يصل أحوال الإنسان بظواهر الأكوان.( فهى تمربذكر آيات الكون المشهود عرضا ولا تبين ما فيهامن سنن وأقدار هادية وواعظة .ولا تشير إلى حكمة وصلها سياقاً بذكر آيات الوحى وحياة الإنسان . ) وهو ينتقد علماء الطبيعة المسلمين الأقدمين الذين حفظوا القرآن وأتقنوا بعض وجوه العلم بالطبيعة ولكنهم لم يصلوها بالقرآن ، ليوضحوا كيف أن العلم بالكون وسننه هو سبيل معرفٌ بالله موصلٌ إليه . وكيف أن العالم الربانى الذى يصل علمه بالكون بعلمه بالغيب ، كيف يكون عابدا لله بحق عبادته . لأن علمه يكشف ما أنحجب عن سواه من علم الله الواسع وسلطانه العظيم .وهو أيضا ينتقد إنشغال بعض اهل التفسير بالجدليات والفلسفات المستعارة من الفلسفة الهيلينية . وهو يمضى فى ذلك على نهج صاحب إحياء علوم الدين الإمام الغزالى ، وصاحب نقض المنطق الإمام أبن تيمية. ويأخذ الترابى على أهل الجدل من المفسرين أن جدلياتهم التجريدية أضعفت مغزى أن معانى القرآن إنما جاءت من أجل الإنسان لا من أجل أفكار مجردة لا صلة لها بأحوال الناس وأقدارهم .فالقرآن إنسانى التوجه يتعامل مع الانسان بروح الرأفة والرحمة والعناية والحرص. وخطاب القرآن للإنسان هو دعوة للصلاح الدائم والشامل، صلاحا تصلح به سيرة الانسان فى نفسه فلا تمزق بين نفس تغويه ونفس تهديه ، وصلاحا يٌصلح به الإنسان أحوال من حوله محبة ورحمة ، وتواصيا بالحق وبالخير. وصلاحا يُصلح به البيئة والطبيعة ، فتكثر ثمارها من حرث ونسل ، وتعمر شعابها لتكون للناس ولسائر المخلوقات مسخرةٌ لكل مشيئة صالحة خيرة .نواصل المدونة السياسية الترابى ……حياة الأفكار7 دأمين حسن عمركان الدكتور الترابى يفهم القرآن بوصفه كتاب الحياة .فهو الدليل لسبل أن يحيا المؤمن الحياة التى تحصل له بها السعادتان،سعادة الأولى والآخرة.لذلك كان يفهم القرآن كتاب خطاب وتعليم وتفهيم للإنسان. فالإنسان عندما يجىء الى محراب القرآن عليه أن يأتيه متفرغا ليقرأ فيتلو ويرتل. وإنما يقرأ القارىء متمهلاً مترسلاً رتلاً من بعد رتل من الكلمات والجمل والآيات ليتدبرها فيفهمها.لأن من أنزل هذا الكتاب شرف الإنسان ليكون هو الناطق به بكلماته . لذلك وجب أن يقربه متأدبا ويقرأه ويتلوه مترسلاً ، ليفهم عن الله سبحانه وتعالى ما يخاطبه به.وهو إذ يقرأ وإذ يتلو ويرتل ويتدبريكتنفه الخشوع وتمتلكه الهيبة ، لما يعلم أن المُخاطِب له بهذه النداءات القرآنية هو الله سبحانه وتعالى . وسياق القرآن دائماً هو مخاطبة المؤمنين وقلما يُخاطب به الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وحتى عندما يوجه الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم فإنما يُطلب منه أن
ينقل الخطاب لأمة المومنين . وذلك كذلك ليعلم كل إنسان أنه مقصودٌ بشخصه ومخاطبٌ من ربه بالقرآن. فالقرآن هو خطاب الرب للمربوب والخالق للمخلوق والمعبود للعابد.القرآن لتعليم الإنسان:إن رؤية الترابى القرآنية رؤية إنسانوية مركزها الإنسان . لأن تعليم الإنسان وتفهيمه هو مقصد الخطاب . ومركز رسالة القرآن للإنسان هى أن يتوحد روحاً وجسدا، عقلاً ووجداناً . وأن يرى الكون حوله متناغما موحدا، ولن يكون ذلك ممكنا فى الفهم مالم يكن الصانع واحد ومقصوده مما صنع واحداً . فلذلك فإن المقصد هو توحيد الانسان لنفسه ألا تتفرق وتتمزق . وتوحيد الانسان لحياته فى مجتمعه أن لا تتصارع فتتنازع ,وتوحيد الانسان نظرته للأكوان ليراها كما هى متسقة متنظمة بسنن لا تتبدل ولا تتغير . وتلكم هى طريقه الايمان بالله الواحد الأحد الذى إن لم نره واحدا فندركه واحدا فردا صمدا لفسدت السموات والأرض ومن فيهن. ولأن القرآن تنزل خطاباً مباشراً لأمة الدعوة والاستجابة التي كانت قائمة حين تنزيله وتناول واقع حياتهم بالأحكام الفاصلة فأوضح مقتضى التدين الحق من خلال الإحاطة الوثيقة بواقعهم . فهو تلبس بحياتهم وأتخذ من مادتها مناسبات التنزيل من بعض أحوالهم الشخصية ومواقفهم النفسية ،و محاولاتهم وتساؤلاتهم من طوارئ الأحداث الخاصة والعامة ومن ظواهر الوجود كما يلاحظونها ومن مقارنة التاريخ الذي أحاطت بهم ظلاله وبين القرآن مغزى ذلك كله بميزان الحق الأزلي والعلم الصادق والعدل المطلق. فأحكام القرآن وتعاليمه لدى د. الترابى هى خطاب لأهل الوقت أيما وقت . ذلكم الوقت وهذا الوقت ما في ذلك من ريب . وهو خطاب بالحق الأزلي الذي تسرى حجته مطلقاً لمدى ما يبلغ من الأمم المعاصرة واللاحقة إلى يوم الدين . ذلكم لأن لله أحكمه على الإطلاق وانقطع بعده خبر السماء وأختتمت الرسالات . والترابى لا يشغل نفسه بالمقولات الفلسفية وحوارها العقلي حول جواز مخاطبة المعدوم أو عدم جواز ذلك . فالأنسان فى علم الله وقدره حاضر وإن لم يولد . وقد سبق لله سبحانه وتعالى أن خاطب الذرية الأدميه وهى فى ظهور الأباء ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ). فالترابى يؤمن ان القرآن خطاب أزلى للإنسان وإن تنجم على أحوال الجيل الأول . ولذلك فهو ينظر الى معانى القرآن متنزلة على الجيل الأول فلا يغفل معانى الكلمات وإستعمالاتها فى ذلكم العهد . وكذلك أسباب التنزل وملابسته . وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال أصحابه فى شرح الأيات والمعانى . كل ذلكم عنده هو التفسير. لكن التفسير الذى هو فهم القرآن فى سياقه الذى أنزل فيه ليس بالكافى . فنحن لسنا مطالبون بتفسير القرآن بل نحن مطالبون بتدبره . ولن يكتمل التدبر دون تأويل والتأويل نعنى به نقل حجة ذلكم الخطاب من سياقه الى واقع الحال الذى آل اليه الأمر فى زماننا . والترابى يدعو إلى وقفة تأمل لتكييف مقارن وشامل للواقع الجديد . فهو يقول (وربما يجوز لنا اليوم أن نفرق في معني القرآن بين ” تفسير ” وتأويل باصطلاح جديد يطلق الأول لتبيين معني الأصل في عهد التنزيل وما اتصل به . والثاني لتبين معني ” الفرع ” المتجدد في كل عهد فهماً جديداً تؤول فيه معاني القرآن إلى وجه جديد . إذ تقوم في مواجهة واقع جديد ويجوز لنا أن تسمي الأول شرح ” فهم ” والثاني شرح ” اعتبار ” )ذلكم لأن الإعتبار هو تعدية مراد الخطاب للواقع المعاش ليتلبس به كما تلبس مجتمع التنزل الأول بمراد الخطاب أول مانزل. ولأن المقصود هو تحسين حياة الانسان وأعمار الأكوان بالفهم عن الله سبحانه وتعالى تدبراً لما يخاطبنا به. فالقرآن إنما جاء رحمة للعالمين ، وهى رحمة تتبدى فى توجيههم لأحسن التصرف والسلوك فى كل حال، تصرفا يسعد به الإنسان ويُسعد به غيره ، ويصون به الطبيعة وينميها على الوجه الذى به تربو وتزيد . لا على الوجه الذى به تتغير وتفسد أو تفنى وتبيد.وفكرة الفهم التوحيدى للقرآن أبعد مطالاً وأعمق معنى من فكرة التفسير الموضوعى للقرآن . وهى تلكم التى تصل الموضوعات التى تناولها الخطاب القرآنى ببعضها البعض فلا يُفهم رتل من الآيات الا بوصله بأرتال الآيات التى تتصل بذات الموضوع الذى يتناوله الخطاب .وهو كذلك أبعد مطالاً وأعمق معنى من تفسير القرآن بالمقام أى مقام المخاطبة وقتاً ومحلاً ، ومن تفسيره بالسياق سياق المخاطبة وقتاً ومحلاً وحالاً وحدثاً ونازلة وإتصال عبارة . وتفسير القرآن بالسياق هو توسع فى تفسير القرآن بإعتبار الوقت والمحل وسبب النزول ،والعرب تقول صادقة لكل مقام مقال. بيد إن المُحدثين من أهل التفسير وبسبب تطور علوم الألسنية ذهبوا الى تحريك المقام ليكون سياقاً ، أو ما يعرف بالشرح بالمقاربة للموقف الكلى Contextual Approach)) . ونظرية السياق التى تجاور المقاربة التوحيدية تعجز عن إدراك تلكم المقاربة. فالمقاربة التوحيدية تتحدث عن أرتال أى وحدات معنوية يأخذ بعضها بأيدى بعض فى تشابك فريد ينشىء معان جديدة دون أن ينقص من معنى الرتل المخصوص شيئاً. يقول أصحاب نظرية السياق ( معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى و إن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها ) وذلك يعنى أن نسيج الكلام مثل نسيج الأجسام يتفرد ولكنه فى ذات الآن يتكامل وهذا هو المعنى فى المقاربة التوحيدية . وتقترب نظرية السياق من ذلك لأنها تؤكد بأن الوحدات المعنوية يتغير معناها أو يتحور بما يجاورها من وحدات أخرى. ولكن الرؤية التوحيدية تتجاوز الوحدات المعنوية لتصل السياق بما يحرك من معانٍ فى ذاكرة القارىء ، وبما يستجيش من مشاعرفى وجدانه . فالأنسان ههنا كلٌ موحدٌ يعقل بوعيه الذى يشتمل على فهمه للواقع وأحساسه وشعوره تجاه هذا الواقع .لأن مشيئة الأنسان لاتتبلور بإدراكٍ مجردٍ للأمور وإنما بإحساسٍ وتفاعلٍ وجدانى ونفسى. وإنما مقصود الفهم أن يفضى بالإنسان إلى التصرف الرشيد تجاه كل موقف. ولذلك نحن نقرأ القرآن بمنهج التدبر الذى لايكتفى بتنشيط الطاقة الفكرية بل يرتدف معها الطاقة الوجدانية والروحيه . وذلكم بإستشعار الانسان أنه فى معيه عظيمة هائلة . وأنه يصغر بإزائها حضوراً حتى يكاد يفنى ولكنه يكبر بما يقترب منها وجودا حتى كأنه يحيط علما بالأكوان . ويقبس منها قوة حتى كأنه قادر فلايعجزه شىء أو أمر.فمن فهم عن الله وعمل بما فهم أحبه الله ومن أحبه الله كان (سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها وقدمه التى يمشى بها) وأذا سأله أعطاه واذا استغفره غفر له واذا استعاذه أعاذه ، أو كما ورد فى الحديث القدسى الذى رواه البخارى وأحمد والبيهقى .والمعنى أنه يعلم بعلم من الله ، ويقوى بقوة من الله، وينال غفران الله ورض وانه ،وحفظه وكلاءته. فالقران هو حبل الوصال بين العابد والمعبود والخالق والمخلوق والرب المربى والمربوب . فالقرآن هى كلمة الله العرفانية وسنن الحياة والطبيعة هى كلمته التكوينية . ولا يكون فى ملك الله إلا ما أراد الله أو أذن به. والقرآن هو هادى الإنسان لحقائق الكون والحياة كما حققها الله ، وكما كونها الله سبحانه وتعالى . يقول الترابى فى شرح المعنى (تتوالى آيات القرآن وتتضاعف معانيها وتتأيد وتوحد هدى الإنسان لحقائق عالم الغيب ليرسخ يقينه بها فى حياته فى عالم الدنيا المشهود ، وليسعى الى عين اليقين فى الأزل وفى الحياة الأخرة ، فالقرآن يُذكر كثيرا بمركوز الفطرة الإنسانية بخيار عقد إيمان بالله الواحد وميثاق عبادة له وراء الغيب. ويذكر كذلك ظواهر العالم المشهود الناظر فيها ببصيرة قد يعزز ما تلهمه الفطرة إيماناً يتزكى بخواطر التفكر والتدبر النافذ للخالق المعبود ) والترابى يتأمل كيف أن عجز المشركين عن رؤية روح الوحدانية فى الوجود قد قطعهم عن الأله الحق . وكيف يمكن لإدراك روح الاتساق والانسجام والوحدة فى الكون والحياة ، كيف يمكن لها أن تهدى لله الواحد الأحد الصمد . إن معرفة الانسان للسنن الكونية تهيئه لإتباع السنن والنظم التى لا تضل ولاتزيغ . والشريعة لدى الدكتور الترابى هى السنة التى يجتمع عليها أهل الإيمان فينتظمون ويتوحدون فى الاستجابة لنداءات الإيمان فى القرآن التى توحدهم وتساوى بينهم . فكلهم لآدم وآدم من تراب ، كلهم سواسية يخضعون لحكم عدل هو الله رب العالمين ، الذى لا يحابى أحداً ولا يرى لأحدٍ فضلاً على أحد إلا بما كسبت يداه ، ولا دنية لأحد دون أحد إلا بما أكتسبت يداه . والترابى رغم أنه يحفظ الفضل لأهل التفاسير القديمة إلا أنه لا يخفى أنتقاده لجوانب القصور فيها . وبخاصة تلكم التى خطها المتأخرون زماناً. وهو تنتقد تجافيها عن أدراك سياق القرآن المتصل الذى يصل أحوال الإنسان بظواهر الأكوان.( فهى تمربذكر آيات الكون المشهود عرضا ولا تبين ما فيهامن سنن وأقدار هادية وواعظة .ولا تشير إلى حكمة وصلها سياقاً بذكر آيات الوحى وحياة الإنسان . ) وهو ينتقد علماء الطبيعة المسلمين الأقدمين الذين حفظوا القرآن وأتقنوا بعض وجوه العلم بالطبيعة ولكنهم لم يصلوها بالقرآن ، ليوضحوا كيف أن العلم بالكون وسننه هو سبيل معرفٌ بالله موصلٌ إليه . وكيف أن العالم الربانى الذى يصل علمه بالكون بعلمه بالغيب ، كيف يكون عابدا لله بحق عبادته . لأن علمه يكشف ما أنحجب عن سواه من علم الله الواسع وسلطانه العظيم .وهو أيضا ينتقد إنشغال بعض اهل التفسير بالجدليات والفلسفات المستعارة من الفلسفة الهيلينية . وهو يمضى فى ذلك على نهج صاحب إحياء علوم الدين الإمام الغزالى ، وصاحب نقض المنطق الإمام أبن تيمية. ويأخذ الترابى على أهل الجدل من المفسرين أن جدلياتهم التجريدية أضعفت مغزى أن معانى القرآن إنما جاءت من أجل الإنسان لا من أجل أفكار مجردة لا صلة لها بأحوال الناس وأقدارهم .فالقرآن إنسانى التوجه يتعامل مع الانسان بروح الرأفة والرحمة والعناية والحرص. وخطاب القرآن للإنسان هو دعوة للصلاح الدائم والشامل، صلاحا تصلح به سيرة الانسان فى نفسه فلا تمزق بين نفس تغويه ونفس تهديه ، وصلاحا يٌصلح به الإنسان أحوال من حوله محبة ورحمة ، وتواصيا بالحق وبالخير. وصلاحا يُصلح به البيئة والطبيعة ، فتكثر ثمارها من حرث ونسل ، وتعمر شعابها لتكون للناس ولسائر المخلوقات مسخرةٌ لكل مشيئة صالحة خيرة .
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.