يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إثيوبيا بدأت تخزين المياه.. 5 مخاطر ستواجه المصريين في «أيّام العطش»
نشر في النيلين يوم 26 - 04 - 2017

أعلنت إثيوبيا رسميًا قبل عدَّة أيام، البدء فى تخزين مياه النيل خلف سدّ النهضة مع بداية موسم الفيضان في يونيو (حزيران) القادم؛ وهي الخطوة التي ستؤدي فعليًا إلى انخفاض منسوب النيل بعد أربعين يومًا من التنفيذ، وهي مقسمة على ثلاث سنوات، تبدأ في كل موسم فيضان، وتستهدف تخزين 75 مليار متر مكعب من المياه، وهو مجموع ما تحصل عليه مصر والسودان في حصة النيل.
ويعتبر ذلك مخالفة صريحة لما طالبت به مصر، بشأن تخزين المياه لمدة 10 سنوات بدلًا من ثلاث؛ من أجل تقليل أضرار السد؛ والمُلفت للنظر أن الإعلان تزامن معه زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى القاهرة، وكان من المتوقع أن تأخذ مصر ضمانات وتطمينات أكثر تجنبًا للتصعيد، إلا أن اللقاء انتهى وديًا دون الإعلان عن أية حلول للأزمة.
في هذا التقرير نشرح لك لماذا لن تلتقي مصالح أديس أبابا مع القاهرة، وما هي الأخطار والخسائر التي ستلحق بالمصريين في «أيام العطش».
السطور القادمة ليست سيناريو سيئًا لمشهد سينمائي يثير الخيال؛ بل إنها الحقيقة التي يؤكدها علماء الجيولوجيا والموارد البيئية، فالمخاطر الطبيعية والتهديدات البشرية التي يتعرض لها النيل شمالًا وجنوبًا قد تنتهي بكارثة لا تنفع معها أيَّة حلول.
تتمثل أولى المخاطر البيئية في التآكل المستمر الذي تتعرض له الأراضي اليابسة في شمال الدلتا باستمرار، حيث ينخفض الثلث الشمالي منها بمعدل 4 إلى 8 ملم سنويًا، نتيجة تسرب المياه المالحة إلى الأراضي التي ترتفع مترًا واحدًا عن سطح البحر.
وبحسب دراسة نشرتها مجلة جامعة يال وترجمها ساسة بوست ، إذا ارتفع سطح البحر نصفَ متر فقط – وهو ما سيحدث سريعًا إذا انخفض منسوب النيل – فإنه سيؤدي إلى غرق 19% من مساحة الدلتا؛ ويعتقد الجيولوجيون أنه بحلول عام 2100، ستكون أجزاء كبيرة من الدلتا تحت الماء، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى فقدان ثلث كمية المياه العذبة في المثلث الأخضر؛ هل تعلم كم مليون مصري سيتضرر في الشمال فقط إذا انخفض منسوب النيل؟
وبحسب نموذج المحاكاة الذي أعده معهد الدراسات البيئية المصري ؛ بغرض رصد الآثار المتوقعة للسدّ على حصَّة مصر، فإن ما تفعله إثيوبيا الآن من شأنه أن يخفض منسوب النيل نحو 25 مليار متر مكعب من المياه، وهو يمثل لمصر تقريبًا أقل من نصف حصتها، وهي 55.5 مليار متر مكعب؛ جدير بالذكر أن مصر تعد أفقر بلدان العالم من حيث نصيب الفرد من المياه العذبة، والتي تصل إلى 660 مترًا مكعبًا لكل شخص.
وحسب دراسة جامعة «ييل» الأمريكية فإن مصر قد تواجه ندرة في المياه العذبة والكهرباء بحلول عام 2025، وهي النتائج نفسها التي تطابقت مع ما نشره موقع « ووتر ورلد » المهتم برصد ومتابعة الموارد المائية في العالم، كما أوضحت الدراسة أن مصر سوف تخسر 60% من أراضيها الزراعية نتيجة الجفاف، أمَّا ال40% من الأراضي الباقية، فمن المحتمل أن يؤثر حجب الطمي والرواسب على إنتاجيتها؛ لكن المؤكد أن المساحات الجديدة لن تتكافأ مع زيادة التعداد السكاني.
المثير للاهتمام أن القمر الصناعي « جاسون2 »، المتخصص في تجميع منسوب مياه البحيرات والأنهار في العالم ، كشف أن منسوب بحيرة ناصر انخفض أربعة أمتار في عام 2015 – وهو الخبر الذي تكتمت عليه السلطات المصرية – كما توقع أن تفقد بحيرة ناصر 16 مترًا من منسوبها خلال عملية حجب المياه؛ وهو ما ينعكس سلبًا على سد أسوان الذي أفقده السد العالي نصف طاقته الإنتاجية، ومن المتوقع أن يخرج من الخدمة خلال أربع سنوات .
السودان أيضًا قد تشارك في الأزمة؛ فالسدود السبعة التي قامت السعودية بتمويل أربعةٍ منهم؛ من أجل التوسع في المشاريع التنموية التي تحتكر 50% منها، اعتبرتها مصر تَعَدّيًا صريحًا على حصتها المائية، لأن كل المشاريع تعتمد بشكل أساسي على نهر النيل، ما يعني أن السودان من الممكن أن تحرم مصر من نصيبها الأكبر في مياه النيل، بالتوقيع على اتفاقية «عنتيبي» التي تنتظر توقيع دولة واحدة حتى تصبح سارية المفعول، وبما أن السودان لا تعترض على مشروع السدّ، كما أنها غير متمسكة برفض الاتفاقية «عنتيبي»، إضافة إلى خلافاتها الحدودية مع مصر، لذلك يصف البعض مشروع السد بأنه محاولة لتصدير الجفاف والعطش شمالًا من أجل النهضة جنوبًا.

طبقًا للأرقام الرسمية المصرية ، فإن خسائر سد النهضة على الوضع الاقتصادي ستكون كارثية، خاصة في ظل حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد نتيجة هبوط الجنيه المصري أمام الدولار؛ وفي المقابل فإن إثيوبيا تنتظر مليار دولار سنويًا، من بيع الكهرباء التي يولدها السد الذي تكلف خمسة مليارات دولار؛ وهذا أحد الأسباب التي تؤكد أن مصالح أديس أبابا لن تلتقي أبدًا مع القاهرة، خلافًا لما صرحت به الدولتان أثناء الزيارة الأخيرة.
تتمثل أولى الخسائر المصرية على المستوى الزراعي في خطورة فقدان نحو ستة ملايين مزارع لوظائفهم من أصل ثمانية ملايين ونصف، بعد فقدان 60% من أراضيهم، نتيجة انخفاض منسوب النيل؛ وتساهم الزراعة بنحو 14% في الناتج القومي، أي أن الدخل القومي سيخسر نحو 9.5%، وتوضح الصورة الصادرة عن البنك المركزي المصري في الثالث من أبريل (نيسان) الجاري الحالة الاقتصادية المتعثرة للناتج المحلي قبل الطوارئ، جدير بالذكر أن مصر ستشهد ثلاثة أشهر طوارئ ستنتهي مع بداية موسم الفيضان الذي سيشهد تخزين مياه النيل؛ أي أن مؤشرات الاقتصاد لن تتعافى في ظل الأزمة الراهنة والقادمة.

انخفاض منسوب المياه في الصيف من شأنه أن يلحق ضررًا كبيرًا بالمواسم الزراعية الصيفية التي تبدأ في شهور السنة الحارّة، ويجب التوضيح أن مصر طالبت إثيوبيا بعدم تخزين المياه في مواسم الزراعة الرئيسية، وأن تكون في أيام السنة التي تشهد فيها مصر فائضًا في حصتها المائية، إلا أن الجانب الإثيوبي لم يلتزم.
خطرٌ آخر تعاني منه مصر بالأساس، وهو انخفاض الطاقة الكهربية؛ وبحسب دراسة نُشرت بمجلة المجتمع الجيولوجي الأمريكي ، فإن السد العالي سيفقد ثلث طاقته الكهربية، وتلك النتيجة قريبة مما نشره معهد الدراسات البيئية ، حيث توقَّع أن يحدث انخفاض في الطاقة بنسبة 10% حتى عام 2040، ثم يتزايد الانخفاض حتى يصل إلى ما بين 16% و30% في الفترة ما بين عامي 2040 و2070، ثم ينتهي بالنقص الحاد في الطاقة، حتى يصل إلى ما بين 30% و45% في 2070.
على الجانب الآخر، فإن السد سيساعد إثيوبيا في تحسين عمليات الزراعة التي تمثل لها 50% من اقتصادها، عن طريق التدفق المنظم للمياه، كما سيقضي السد على ظواهر الجفاف والفيضانات التي تعاني منها، وسيحمي السودان من 40 كيلو مترًا من الفيضانات؛ وبالرغم من أنّ إثيوبيا تعتبر من أكثر دول العالم حصولًا على المِنَح والمعونات الاقتصادية، إلا أنها في نفس الوقت واحدة من خمس دول هي الأسرع نموًا في العالم، حيث تضاعف دخل الفرد ثلاث مرات خلال السنوات الثماني الأخيرة، بحسب تقارير البنك الدولي .
ويعتبر مشروع الطاقة حلمًا قوميًا للإثيوبيين الذين يفتقر ثلاثة أرباعهم إلى الكهرباء، وستكون الطاقة الإنتاجية للسدّ حوالي ستة آلاف ميجاوات من الطاقة، وهو ما سيجلب لها مبيعات ضخمة من الطاقة الكهربائية إلى الدول الأخرى تقدر بحوالي مليار دولار سنويًا؛ وقبل عدة أيام وافق البنك الدولي على منح إثيوبيا قرضًا بقيمة 645 مليون دولار؛ وتم رصد المبلغ من أجل توسيع البنية التحتية فقط، إضافة إلى مشاريع توصيل الكهرباء.
ولكن إذا لم تلتقِ مصالح أديس أبابا مع القاهرة، فمن المؤكد أن يدخل حلفاء جُدد عندما يحتدم الصدام، فعلى أي أساس تتشكل خريطة التكتلات السياسية القادمة؟
طبقًا للمادة 36 من ميثاق الأمم المتحدة، فإنه «لا يجوز لأي دولة أن تلجأ إلى المحكمة الدولية للأمم المتحدة لعرض أي نزاع ينشأ بينها وبين أي دولة أخرى إلا بموافقة الدولة الخصم»؛ وقد سبق أن رفضت إثيوبيا التحكيم في قضية سد النهضة، إلا أنّ المشكلة الكبرى التي وقعت فيها مصر هي بتوقيع الرئيس السيسي على «وثيقة السد»، مع نظيره السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي، وتتلخص الاتفاقية بسماح الدول الثلاث في بناء السدود على نهر النيل؛ لتوليد الكهرباء، وإثيوبيا تنوي بناء خمسة سدود، إضافة إلى أن السودان تقوم حاليًا ببناء سبعة آخرين.
المثير في الاتفاقية أن إثيوبيا فرضت في الاتفاقية كلمة «يحترم» بدلًا من كلمة «مُلزم» حول تقرير المكتب الاستشاري لبناء السد، وهذا يعني أن اعتراض مصر سيكون لا قيمة له قانونيًا؛ ولقراءة النص الكامل للوثيقة اضغط هنا .
ويجب التوضيح أن سد النهضة يقع بالقرب من الحدود «الإثيوبية-السودانية»، على بعد 30 كيلومترًا فقط من الشريط الحدودي، وهو الذي يعني أن السودان ستحصل على كهرباء رخصية الثمن، طبقًا «لوثيقة السد»، إضافة إلى حجب الفيضانات المدمرة، كما أن إثيوبيا وعدتها بشق بحيرة السد إلى ولاية النيل الأزرق، وهذا من شأنه أن يحافظ على انسيابية النيل طوال العام، ويمنعه من الجفاف، مما سيحافظ على استقرار التوسع في الزراعة، ولهذا وجدت السودان طريقها لاقتسام المكاسب، وهذا يفسر تأييد البشير للمشروع.
وإثيوبيا بالفعل جمعت حلفاءها للسيطرة على مياه النيل؛ فاتفاقية «عنتيبي» التي نصت في أحد بنودها على إلغاء حصة مصر (55.5 مليار متر مكعب)، من الممكن أن تدخل حيز التنفيذ في حال مصادقة ثلثي دول حوض النيل، أي سبع دول من أصل إحدى عشرة دولة؛ وحتى الآن فإثيوبيا تنتظر توقيع دولة واحدة لتفعيل الاتفاقية، والسودان أظهرت رغبة في الانضمام، ويجب التوضيح أن دول حوض النيل رفضت مؤخرًا طلب مصر زيادة حصتها في مياه النيل.
أمرٌ آخر يجب الإشارة إليه، فالسودان لها خلافات حدودية وسياسية مع مصر، وفي نفس الوقت لها مصالح اقتصادية واتفاقيات عسكرية مع إثيوبيا التي لها عداء تاريخي مع النظام المصري، حتى النفوذ المصري الموجود في إفريقيا انحسر تمامًا في جنوب السودان وأوغاندا، والبشير صرح مؤخرًا أن مصر معزولة إفريقيًا؛ لذا من المحتمل أن تكون الأيام القادمة هي فرصة مناسبة لانتقام الحلفاء الغاضبين من نظام السيسي.

وفقًا لتسريبات ويكيلكس ، فإن مصر أظهرت رغبة في القيام بعملية قصف جوي على مشروع النهضة، أو إرسال فرقة كوماندوز لتدمير السد؛ وهو ما يتفق مع التصريحات الرسمية المعلنة بشأن دعم المتمردين، وتعرضت إثيوبيا مؤخرًا لعملية فاشلة من المعارضة المُسلحة لتدمير السد، واتهمت أديس أبابا القاهرة بدعم فصائل المعارضة.
جدير بالذكر أن أوغندا وجنوب السودان تدعمان المعارضة المسلحة في إثيوبيا، كما أن مصر تدعم جنوب السودان بالمال والذخيرة، إضافة إلى أنها منحتها مؤخرًا خمسة ملايين دولار في ظل أزمتها الاقتصادية، وخلال زيارة السيسي الأخيرة إلى أوغاندا، علقت أديس أبابا أن الزيارة تدخل ضمن مساعي القاهرة لتكوين صداقات مع أعدائها.
كما قامت القاهرة بعقد صفقة «مشبوهة» مع فرنسا، من خلال شراء طائرات الرافال القتالية المزودة بالذخائر النووية، وهي نوع من المقاتلات قادرة على تأدية المهام على بعد مسافات تتجاوز 1500 كيلومتر، وهو ما أثار حفيظة إثيوبيا التي قامت بشراء الصواريخ المضادة للطائرات الرافال ونشرتها في محيط سد النهضة.
ولكن السؤال الهام، هل تستطيع مصر تحريك جيش بري نحو إثيوبيا؟
بالرجوع إلى المعاهدات العسكرية لدول المنطقة، فإن السودان قامت بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع إثيوبيا، وهذا يعني أن مصر لن تستطيع أن تتخذ السودانَ قاعدةً عسكرية، أو حتى تقوم بإدخال أفراد للقيام بعمليات نوعية، كما أن تركيا أيضًا وقعت معاهدة دفاع مشترك مع أديس أبابا، وهذا يضع مصر في خندق واحد ضد أعدائها، وبهذه الاتفاقات تكون إثيوبيا نجحت في إحباط أي تحرك مصري عسكري أو سياسي.
وطبقًا لمواثيق الاتحاد الإفريقي فإنه «يحظر استخدام القوة أو التهديد بها»، لذا في حال قيام أي عدوان من جانب مصر، فالاتحاد الإفريقي سوف يتدخل لفرض عقوبات على القاهرة، خاصة أن إثيوبيا دولة فاعلة فيه، ومصر تعرضت لتجميد عضويتها من قبل في عام 2013، جدير بالذكر أن إثيوبيا تعتبر أكبر دولة إفريقية تحصل على المعونات الاقتصادية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بخلاف الدول التي تسعى لإيجاد نفوذ لها في المنطقة مثل إسرائيل، وفي حال قيام حرب، فمن المؤكد أن أديس أبابا ستكون قادرة على دفع تكاليف الحرب كاملة، إضافة إلى أنها ستضمن تدخل الدول الكبرى التي لها مصالح متعمقة في الاقتصاد الإثيوبي مثل الصين وتركيا وإيطاليا، بخلاف مصر التي تعاني فتورًا في علاقاتها العربية، وأزمة اقتصادية وأمنية داخلية.
في 2015 صرح وزير الخارجية المصري، سامح شكري مُعلقًا على أزمة السد، بأن «مصر لديها الكثير من أوراق الضغط تستطيع استخدامها ضد الحكومة الإثيوبية»؛ ليرد نظيره الإثيوبي: «مصر أضعف من أن تحاربنا، وإن الجيش لديه الكثير من الإرهاب الداخلي ليواجهه»، وبالرغم أن مصر تأتي في المركز ال12 كأقوى جيش عالميًا، بينما تأتي السودان في المركز ال42، بحسب ترتيب الجيوش ، إلا أنه من الواضح أن مصر لا تمتلك خيار التهديد، خاصة أنها معزولة جنوبًا.

اعتبر بعض المحللين أن مصر الآن تدفع ثمن انشغالاتها بمحاولة تأمين مكانتها المهيمنة في العالم العربي، إلا أن البعض الآخر رأى أن مصر كانت تعلم مُسبقًا بالأزمة لكنها لم تتحرك.
في نهاية العام الماضي، التقطت وكالة الفضاء الروسية صورًا لمشروع سد النهضة بالأقمار الصناعية التي كشفت انتهاء إثيوبيا من بناء السد بالكامل منذ يونيو (حزيران) 2016، كما كشفت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها مصر للمشروع، أن مساحة بحيرة السد أكبر من الحجم الذي أعلنته إثيوبيا، فقدرة السد الاستيعابية تبلغ 96 مليار متر مكعب وليس 76، بحسب الأرقام المعلنة، وبدلًا من أن ترفض مصر قامت بالتوقيع على اتفاقية السد.
يرى الجيولوجي « دانييل ستانلي »، أن مصر في هذه المرحلة من حصد الخسائر ربما يجدر بها البدء منذ الآن في الاستثمار في تحلية مياه البحر، مثل السعودية، وتقنيات الري بالتنقيط مثل إسرائيل، وربّما رفع الاستثمار الحكومي في برامج تنظيم الأسرة قد يساعدها على المدى الطويل في تقليل معدلات الزيادة السكانية.
وفي النهاية فإن مصر لن تستطيع اتخاذ تصعيدات سياسية لأنها وقَّعت بالفعل على وثيقة السد، كما أن خيارات التدخل العسكري يعتبرها بعضهم تصريحاتٍ إعلاميةً مُخادعة؛ بسبب اتفاقيات الدفاع المشترك التي وقعتها إثيوبيا، والعقوبات الاقتصادية التي سيفرضها الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى التدخل الدولي والعربي الذي لن يكون في صالح مصر.
وربما يكون سد النهضة واتفاقية عنتيبي هما أداتي الضغط الجديدتين على مصر، والسودان قد تلوح بالتوقيع على «عنتيبي» التي تنتظر دولة واحدة؛ من أجل إعادة فتح قضية حلايب وشلاتين، كما أن النظام السياسي في مصر قد يتفاوض بشأن المثلث الحدودي.
إثيوبيا أيضًا واثقة في التنازلات؛ فالقاهرة التي تعاني أزمة في الطاقة، ومشاكل في السد العالي، قد تتجه لشراء الكهرباء من إثيوبيا بأسعارٍ رخيصة في ظل ارتفاع أسعار النفط، فهل ستتحرك الإدارة المصرية لاتخاذ موقف سياسي جديد؛ لإنقاذ المصريين من أيام «العطش»؟

محمد طارق الرشيدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.