مشروع الحركة الإسلامية الفكري، ظل يهدف دائماً إلى تسييد شرع الله تعالى، تحقيقاً لمطلب أساسي هو: أن تكون كلمة الله هي العليا، في وجوه الحياة كافة، الخاصة منها والعامة. هذا ما فهمناه دائماً، وهو ما نستطيع أن نقدره، وإلا فما الداعي إلى وجود ( حركة سياسية إسلامية) في ظل انتشار طوائف إسلامية وطرق صوفية وجماعات دعوية تقوم بنشر قيم الإسلام داخل المجتمع؟. حسناً.. لقد كتب الله عز وجل للحركة الإسلامية السودانية أن تتنامى وتنجح حتى أخذت زمام الأمر، وشرعت فوراً في انفاذ مشروع (التمكين) ، تحت مسمى "المشروع الحضاري"، وصولاً إلى الغاية الأساس كما قلنا : جعل كلمة الله هي العليا في كل مكان. فهل يرى أحد، ضمن هذا المشهد الآن، أي أثر ملموس لتحقق وسيادة تلك الغاية السامية في المجتمع ومؤسسات الدولة وسلوك القيادات؟ هل كلمة الله هي العليا الآن، في سلوك كبار المسؤولين حيال المال العام والمنصب العام وحتى فيما يقع بينهم من تنازع، وفي اسلوب حياتهم ؟ هل في عهد تمكن الإسلاميين هذا، صارت كلمة الله هي العليا في المتاجر والجزارات وزنك الخضار، وفي كرة القدم، ومظاهر الأعراس وفي الجامعات ووسط السماسرة وفي الصحف والتلفزيون والعدل الاجتماعي وو الخ؟ إذاً لماذا، وماذا حدث بالضبط ؟ ما حدث هو أن ما يسمى ب(التمكين) لا وجود له على أرض الواقع، وإنما كان هناك دائما (تمكّن) لا غير. فالإسلاميون تمكنوا، لأنفسهم ، وضيقوا على آخرين في مصادر رزقهم وأخذوها لأنفسهم، كما يفعل الشيوعيون عبر شعار (التطهير واجب وطني)، وكان ينبغي، على الأقل، أن يعتبروا تلك خطوة أولى، لنقل لابد منها، من أجل بدء مشوار (تمكين الإسلام) من كل الوجوه التي ذكرناها بدءاً من نمط عيش الإسلاميين أنفسهم. فهذا هو مبرر وجودهم ككيان سياسي حركي، وهو مسوغ مجيئهم الأساس (لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء). أليست تلك هي الفكرة؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) ؟ بلى. ولكن ذلك بالطبع جهاد ، يتقاصر دونه كل جهاد، لأنه يقتضي أولاً، وقبل كل شيء، مجاهدة النفس الأمارة ، والإخلاص لله وحده لا شريك له ، لا مصالح شخصية ولا تمكين لقبيلة أو ثلة ولا حتى طائفة حزبية ، بل يقتضي الصبر والزهد في زينة الدنيا الزائلة والاستعاضة عنها بفضيلة الإيثار، تاركين العزة لله جميعاً، من خلال تمكين دينه في الأرض وفي الناس عبر الشرائع والسلوك القيادي الرسالي، تأسياً بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في تقديم الأنموذج الأسوة باتجاه انفاذ غايات تلكم الرسالة. أيها الإسلاميون : لقد مكنكم الله عز وجل في الأرض، وإنه لسائلكم في يوم لا ريب فيه، فهل مكنتم دينه في أنفسكم أولاً ثم في وجوه الحياة العامة كافة ؟ هل التمكين تمكين الإسلاميين أم تمكين الإسلام؟ أما اذا أقررتم بأنكم تمكنتم ولم تمكنوا الدين فماهو مبرر الاصرار على الاستمرار في الحكم باسم الله وشرعه؟ صحيفة المشهد الآن