دخلت المرأة السودانية سوق العمل فتزحزح الثوب التقليدي "الساري" الذي عرفت به منذ مئات السنين، هذه هي الإجابة التي يسمعها الزائر للسودان والذي تستلفته ظاهرة تراجع الثوب السوداني لصالح أزياء أخرى. يصعب على الزائر لجامعات السودان أن يجد طالبة ترتدي الثوب السوداني، أما في المصالح الحكومية والدوائر الرسمية بالدولة فإن الأمر يبدو أقل حضورا. حالة الانحسار تلك تبدو واضحة أيضا في الشوارع والأسواق، فالثوب السوداني لا ترتديه إلا النسوة كبار السن، لكنه حاضر دائما في المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزواج. وعلى الرغم من انحسار الثوب السوداني بشكل أساسي في العاصمة، فإن الظاهرة تبدو أقل في المدن الأخرى وتكاد تختفي في القرى. أسباب التراجع الظاهرة تنطوي على أسباب اجتماعية واقتصادية ترشحها للتزايد، لكن ثمة من يبدي قلقه باعتبار الثوب معلما مميزا للمرأة السودانية آخذا في التراجع التدريجي. يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الخرطوم الدكتور منزول عبد الله إن الظاهرة تعود إلى السنوات الست الماضية مع تزايد دخول المرأة سوق العمل، حيث ترى كثيرات منهن أن الثوب التقليدي غير مناسب للعمل. ومن وجهة نظر منزول فإن ارتفاع سعر الثوب السوداني مقارنة بأسعار بدائل الأزياء النسائية الأخرى، إذ وصل سعره إلى 600 دولار، ساهم غب تراجعه لصالح البدائل الأخرى. وترتبط أسعار الثوب السوداني بشكل كبير بنوعية القماش، فالثياب المصنوعة في الخارج خصوصا سويسرا تكون مرتفعة وباهظة الثمن، ويعتبر ارتداؤها عنوانا للثراء أو دليلا على المكانة الاجتماعية. ليس عمليا سامية التي تحمل رتبة نقيب شرطة في وزارة الداخلية، ترتدي زيا أزرق اللون يتكون من قطعتين وتضع "كاب" الشرطة فوق الحجاب، ترى أن الثوب السوداني غير مناسب للمرأة العاملة لما يتطلبه من جهد لإعادة تعديله كل مرة مع الحركة. لكنها رغم ذلك تنفي تخلي المرأة السودانية عن ثوبها التقليدي الذي تؤكد أنها وغيرها كثيرات يحرصن على ارتدائه بعد انتهاء العمل. إجابة النقيبة سامية التي فضلت الاكتفاء بذكر اسمها الأول تتكرر على ألسنة النساء العاملات في بقية القطاعات الأخرى اللائي يرين أن الثوب السوداني يعيق حركتهن ويتسبب في هدر الكثير من الوقت. أصالة أما مصممة الأزياء سعدية الصلحي فتبدو متحمسة جدا للثوب السوداني، وترى فيه عنوانا لأصالة المرأة السودانية وقيمها وسلوكها وبعدا حضاريا للتمازج العربي والأفريقي في السودان منذ مئات السنين. وترى الصلحي أن الثوب السوداني هو الزي الأنسب لإظهار شخصية المرأة السودانية وأنوثتها وجمالها، وتفسر تراجعه بدخول المرأة مجالات العمل المختلفة وإصرارها لركوبها وسائل المواصلات العامة ما يتسبب في إعاقة حركة المرأة، بالإضافة إلى الانفتاح على العالم الخارجي وتقليد الموضات والثقافات الأخرى. وتؤكد أنها اجتهدت في وضع تصميمات للثوب السوداني تلاءم المرأة العاملة، وترى أن الأشكال العديدة مثل العباءة لا تقل حشمة لكنها تحذر من خطورة التخلي عن الزي المحتشم وتقليد الموضات الغربية.