يعتبر الحب في زمن الطفولة وأيام المراهقة الجميلة زهورا فواحة لا تذبل ومعينا من المشاعر الصادقة يتدفق من شلالات الحب ووديانه السحيقة' قوة شبابية مفرطة وحيوية عالية جدا وحداثة لا تقارن الأحداث بالأفعال والخطوات بمنطق العقل بل تشبه ماردا يخرج من معمة الأعراف وصراع التقاليد العريقة منتصرا ومنتشيا بنصره المؤزر. يحلق في الوهم ويتيه في صحراء العاطفة كنورس أوروبي يحلق فوق جمال العراقة والغدير الصافي للمجتمع وزرقة مياه الحب الصافية لا يعترف الحدود الزمنية ولا المكانية' بل يترفع عن المصلحة الآنية وبريق المال وقيود القبائل ومقياس المجتمع المجحف. ولا يكترث قدسية الوشاح التي تحترمها الأسرة ولا التقاليد التي تتبعها القبائل في مجتمع تعني القبيلة كل شئ. الأحلام الوردية في المراهقة والسنين الأولي للشباب غالبا ما تشجع الطموحات المرتفعة للحب ' وفي تلك الفترة الأنيقة من حياتنا فإن ترمومتر الحب مرتفع جدا ويترقب الشاب/بة المستقبل بقلب لا يعرف الإستكانة وحب كبير وحذر طفيف. كانت حياتي في تلك الفترة عامرة بإنكسارات وإخفاقات وتشريد جراء الصراعات والحروب العبثية التي من الصعب أن ينمو بتلات العشق في داخل ثوبها الكريه' ولكن وخلافا للمألوف إمتزجت المعاناة بالواقع فتولد في المآسي حبا فاق كل التصورات والتقديرات رغم العقبات والعوائق. كان لقاؤنا عابرا كسحابة في زمن الصيف 'وبدأنا نكتب أولي سطور صفحات حبنا بمداد الصدفة المحضة رغم أن الحياة لا تعترف الصدف. ولكن كانت حمرة الخجل ونزوة الشباب تجعل حبنا بلا أثر وكلماتنا باهتة لا تحمل سوى جرأة المراهقة وسطحية الشباب' رسائل صامتة كلغة العيون ومشاعر مكبوتة كشعب حالم للحرية' وإرادة خاضعة للواقع ولكنها قوية ومستبدة كسلطان قبيلة أفريقية ترعي بقرها في أدغال أفريقيا وأحراشها البعيدة' وعواطف رقيقة ودافئة كحضن الحبيبة في هدأت السحر بعد طول الغياب ورعشات البرد في الليالي الضبابية الملئية بلدغة الحب وسوط الوحدة. ومنذ ذالك الزمن لا يفارق وجهها الصبوحي علي مهجتي بل في أسفاري وترحالي وأشعاري وأشجاني وفي أحزاني وأحلامي يعتريني طيفها النوراني المبهر' وتأسرني إبتسامتها الساحرة بفم ياقوتي' وبريق عيونها الفتاكة ونظراتها الموغلة بالدهاء النسوي التقليدي. وفي خضم تبحري ببحر الوصال ينتابني الفضول ويغريني الحب بهمساته الندية وقشعريرته السريالية فأهرب إلي تلطيف الجو بألحان مقرونة بالجمال ونغمات تنبض بالحب كنت أسمع حين تصدح في بيت جارتنا الفاتنة التي طالما عذبتني ببلادتها المقصودة ووشاحها القرمزي. أستعين سطوة الحب علي مطالعة الكتب وعبقها العتيق وقراءة القصائد ومعانيها الأخاذ' وحفيف الأوراق وقيد الخاطرة بالكتابة ينسيني لهيب الشوق الذي يقطر عن أناملي' والمداد التي تذرف من قلم سيال وصدر مخنوق وقلب يزهو بالوفاء يسطر أروع الحكايات. حسن محمود قُرنَي