هناك فرق رائد ثورة الوسطيَّة..! منى ابو زيد يزور السودان هذه الأيام الشيخ عادل الكلباني.. إمام الحرم المكي السابق ومقرئ القرآن ذو الصوت الشجي.. الخاشع.. النبيل.. وصاحب الفتاوى الصادمة التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السعودية من فتوى تكفير الشيعة.. إلى فتوى عدم حرمة الغناء والمعازف.... إلخ..! الشيخ الكلباني واحد من أئمة سعوديين كثُر شهد العقد المنصرم منعطفات جازمة في منهج فكرهم.. وهو أحد الذين وجّهوا دفة الوسطية والاعتدال في لهجة الخطاب الديني في السعودية في السنوات الأخيرة ..! إذ قبل أقل من عقدين من الزمان كان صوت الوعظ في السعودية ينتهج الترهيب، حيث كان التشدد في أساليب التوعية الدينية هو النهج السائد على خطب الكثيرين من أئمة الاعتدال اليوم كالشيخ \"سلمان العودة\".. والشيخ \"عائض القرني\".. الذي خصّ المُطرب محمد عبده بقصيدة دينية ينشدها بصوته..! وأذكر أنّ الشيخ الكلباني عندما كان يروي قصة توبته وعكوفه على حفظ القرآن.. كان يذكر سماع الغناء ضمن المنكرات الغليظة التي أكرمه الله بالتوبة عنها.. لكنّه اليوم - مؤخراً - يواجه هجوماً ضارياً من قادة الخط الديني المتشدد في السعودية بسبب فتواه الأخيرة بعدم حرمة الغناء والآلات الموسيقية.. والتي استدل على صحتها بعدم وجود نص في القرآن أو السنة يحرم سماع الغناء والمعازف..! تغير خطاب الشيخ الكلباني ومجايليه من الدعاة إلى الترغيب، وميل نهجهم إلى الوسطية، انعكس على الفتاوى و الأحكام و الرؤى الشرعية التي يقدمونها عبر برامج التلفاز في القنوات الفضائية.. وذلك بعد أن أسهم هبوب رياح التغيير الديني والاجتماعي في السعودية في ظهور رؤى تجديدية إيجابية شجاعة.. مثل قرار تعيين الكلباني نفسه إماماً للحرم المكي (أول إمام أسود للمسجد الحرام في العصر الحديث).. الأمر الذي تجاوز معوقات وثوابت عنصرية كثيرة في المجتمع السعودي.. يومها لم يجد الرجل حرجاً في مقارنة سابقة تعيينه بسابقة بانتخاب (أوباما) كأول رئيس أمريكي أسود..! وبفضل شجاعة الشيخ الكلباني سمعنا لأول مرّة في - تاريخ السعودية - أحد أئمة الحرم المكي ينادي بتبني مفاهيم جديدة في النظر إلى بعض الثوابت الدينية.. ويدعو إلى منهج جديد في قراءة أقوال ما جاء عن السلف من غير الثابت في القرآن والسنة.. ويستشهد ببعض ما جاء في مسند الإمام \"أحمد بن حنبل\".. واصفاً إيّاه بأنّه ليس من المسلمات..! بل وينتقد ظاهرة التدين الشكلاني بين المسلمين.. مركزاً على أشكال العبادات الظاهرة ومغفلاً أهمية الدواخل والنوايا والقناعات.. ثمّ نافياً أفضلية اجتهادات العلماء السعوديين على اجتهادات بقية علماء المسلمين..! وذلك بعد أن ظلت أفضلية الفتاوى والأحكام - في أرض الجزيرة العربية - تقاس لقرون مضت بمدى القرب والبعد عن أرض الحرمين.. وبعد أن ظلّ الاعتراف بجُلّ الاجتهادات الدينية في غير إطار (الحنبلية) خارج حدود الحرمين..! سيذكر التاريخ للشيخ الكلباني أنّه من أوائل الذين فتحوا طريق الاجتهاد لإعادة فهم بعض نصوص السلف في صحن دار (الحنبلية)..! التيار