بسم الله الرحمن الرحيم بين عنصرية القبيلة وعنجهية الحزب محمد عبد المجيد أمين [email protected] (2) معيار التقوي: ذكرنا في ورقة سابقة ،تحت نفس العنوان ، أن افضل معيار يمكن أن نقيس به وضع الناس هو \" التقوي\" . ولا يرجع سبب التفضيل هذا الي كون المعيار لُدُنٌيا وحسب وانما هو يختزل أيضا جملة الفضائل التي تعرف عليها البشر بفطرتهم عبر العصور في العلوم والفلسفات ، وهو أيضا القول الحق الذي لا يدانيه مثيل . زد علي ذلك أن استخدام معايير أخري غير هذا سيشعب موضوعنا ، وربما يدخلنا في سفسطات نحن في غني عنها أصلا، فالموضوع علي أهميته ابسط من يعقد ، وعليه، يبقي معيارنا الذي اخترناه هو الأمثل ، \" ان أكرمكم عند الله أتقاكم\". لباس التقوي : قال تعالي : \"يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ\"الأعراف26. ذكر المولي عز وجل اللباس هنا علي نوعين: لباس ضروري لستر العورة وأخر لستر الضمير الحي بفعل الأوامر وترك المعاصي، والتحلي بالفضائل، والتجمل بالصبر والتأسي وكل هذه من محاسن الأخلاق ولا تتاتي الا بالعلم، واللباس الثاني هذا هو خير اللباس (ذلك خير) وخير الزاد أيضا في رحلة الحياة الدنيا \".. وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ\"البقرة 197. نفس واحدة : قال تعالي \" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً\" النساء1 نفس واحدة وفطرة واحدة جبل الناس عليها، الا انها في مرحلة اختبارها في الحياة الدنيا قد يطرأ عليها التبديل أو التغيير حسب قربها أوبعدها من الله، فالنفس \"الزكية\" تتقرب إلي بارئها بالتقوى والنفس الخبيئة تبتعد عنه بالمعصية وما نعرض هذه الأمثلة الا لندلل علي مرمانا من هذا الموضوع ذرية نوح: بدأت المرحلة التالية من تاريخ البشرية بعد الطوفان ، حيث أبيدت كل الأحياء من علي وجه الأرض بسبب المعصية وعدم الايمان ولم يبقي الا سيدنا نوح عليه السلام ومن معه . قال الله تعالي في هذا الشأن : \"فأَنَجْيَنْاَه ومَنَ معَهَ فيِ الفْلُكْ المْشَحْوُن . ثمَُّ أغَرْقَنْاَ بعَدْالبْاَقيِن\"الشعراء120 - 119 .. وما يعنينا هنا هو ذرية نوح عليه السلام ، اذ قال النبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي \" وجعلنا ذريتهم هم الباقين\" * الصافات77 أنهم : سام وحام ويافث . ولأننا من ذرية حام ، فقد ولد له كوش ومصرايم وفوط وكنعان ، وكما وصف ابن الأثير في موسوعته(التاريخ الكامل) مصير ذرية حام من أنها \"صارت بقية ولد حام بالسواحل من النوبة والحبشة والزنج\" *ص 61. وعليه ، فاذا كان كنعان هو أبو العرب، فان حام هو أبو النوبة والحبشة والزنج ، اي أبناء عمومة واحدة . لماذا الاختلاف؟ : من نعم الله وحكمه أن جعل لهذا العالم ثنائيات مختلفة الشكل والوظائف الا أنها تبقي متلازمة يدلل كل منها علي وجود الآخر، كالذكر والأنثي، و السماء والأرض والشمس والقمر، والأبيض والأسود حتي في كروموزومات الخلية نجد X و Y وفي الجينات نجد أن الصفات الوراثية المختلفة تجتمع سويا في تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي وتأتي النتائج بشفرة وراثية متمازجة والوان بشرة مختلفة والسنة تتكلم بكل اللغات واللهجات لتعرض منظومة من الآيات تؤكد كلها عظمة وقدرة الله في خلقه. قال تعالي \" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ\"الروم22. وبناء علي ما سبق فان التغول بعنصرية اللون أو صفاء العرق هو من أفعال الجاهلية الخالصة وليس له أي علاقة بالدين ، بل أنه أمر مستهجن غضب له رسول الله صلي الله عليه وسلم غضبا شديدا لما جاءه بلال الحبشي يشتكي له من أبو ذر العربي القريشي، واقعة لابد أن نوردها كما وردت في السيرة لأهميتها القصوي في موضوعنا هذا \"اجتمع الصحابة في مجلس .. لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام .. فجلس خالد بن الوليد .. وجلس ابن عوف .. وجلس بلال وجلس أبو ذر ... وأبو ذر عربي من غفار أما بلال فهو أسود من الحبشة وكان مولى ابي بكر رضي الله عنه ، يقول عمر بن الخطاب أبو بكر سيدنا أعتق سيدنا ، أي بلال ، وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة .. فتكلم الناس في موضوع ما .. فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا.. قال بلال: لا .. هذا الاقتراح خطأ. فقال أبو ذر: حتى أنت ياابن السوداء تخطئني ..،،، فقام بلال مندهشا غضبان أسفا .. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله عليه السلام .. واندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وصل للرسول عليه الصلاة والسلام ..وقال: يارسول الله .. أما سمعت أبا ذر ماذا يقول فيّ ؟ قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك ؟؟ قال بلال: يقول كذا وكذا .. فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم .. وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر .. فاندفع مسرعا إلى المسجد ... فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..وهنا يقول أبو ذر والله ما علمت ارد علي السلام أم لا من هول الموقف وشدة غضب الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر أعيرته بأمه .. إنك امرؤ فيك جاهلية.،، فبكى أبو ذر .. وأتى الرسول عليه السلام وجلس .. وقال يارسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة .. ثم خرج باكيا من المسجد ... وأقبل بلال ماشيا .. فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب .. وقال: والله يا بلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك .. أنت الكريم وأنا المهان .....،، فأخذ بلال يبكي .. واقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا ، وقيل أن بلالا قال لأبي ذر أن جبهة تسجد لله لا تطأها قدم بل يتم تقبيله \". وهكذا... وبكل الصلف والغرور، يعار الناس في أيامنا هذه، وفي بلاد المسلمين، ليس بأمهاتهم وأبائهم فقط، وانما في أنفسهم، وجرت العادة علي هذا المنوال، والي يومنا هذا حتي أصبحت سمتا التنابز والمعايرة جزءا من الثقافة العامة وتمارس يوميا وبصورة رسمية، حتي تأكد تماما أنهما من أحدي \"كوارث\" هذا البلد والسبب المباشر في شرذمة وفرقة الناس وتنازعهم وتنافرهم ثم تفرقهم. أي قبائل هؤلاء الذين يأتون بهذه الأفعال والأقوال الشائنة والسخرية والتعالي علي خلق الله، وبأي دين يحكمون، وهل هم \"أكرمنا \" فعلا، وهل ما نري من أفعالهم وأقوالهم هو من سمات \" التقوي\" التي تستوجب التكريم عند الله تبارك وتعالي؟. (نواصل)3 الدمازين في: 13/07/2010م. محمد عبد المجيد أمين(عمر براق) [email protected]