[email protected] الإسلام رسالة سماوية خالدة و لكل البشرية. و الإسلام هو خاتم الرسالات السماوية, إذ نسخ الإسلام ما قبله من شرائع. قال تعالي في محكم تنزيله ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ). و لكن رغم هذا القول الفصل, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه, و لا من خلفه, يأتينا في آخر الزمان, من يقول لنا, أن رسالة الإسلام الأولي, لا تصلح لإنسان القرن العشرين. لقد ورد هذا القول في مقال للإستاذ/ عبدالله عثمان, من جامعة أوهايو, تحت عنوان : أمريكا : مسجد نيويورك و كف الطيب صالح, نشر بتاريخ 28/08/2010م . لا أدري ما هي العلاقة بين مسجد نيويورك المزمع بناؤه كما جاء في الأخبار, و بين ما قاله الطيب صالح, اللهم إلا إذا كان الكاتب يرمي إلي تسويق مقاله. عبدالله عثمان وقف ينادي : يا أيها الناس, أن رسالة الإسلام الأولي لم تعد تصلح لإنسان القرن العشرين!. و أتساءل : هل للإسلام رسالة أولي و ثانية, بحيث ننتظر قدوم الرسالة الثانية, لينصلح حالنا كمسلمين, أم ماهو المقصود بهذا القول, الذي قال به هذا الأستاذ الذي يقيم فيما وراء البحار, و يعيش في بلد الحضارة, و الذي يبدو أنه فتن بهذه الحضارة الغربية, بحيث صار ينظر إلي مجتمعه الإسلامي بعيون الآخرين, حتي كاد أن يفقد صوابه, لدرجة أنه أتانا بتقليعة الرسالة الأولي, التي يزعم بعدم صلاحها للقرن العشرين؟ النظر بعيون الآخرين, خصيصة تميز كثير ممن يسافرون, و يعيشون في المجتمع الصناعي المتقدم, و يصابون بالصدمة الحضارية, التي تتمثل في الإنبهار بهذه الحضارة, ثم الرفض لقيم هذه الحضارة الغربية, و أخيراً القبول و التصالح مع هذا المجتمع الجديد, رغم أنه مجتمع كافر لا يدين بالإسلام. هذا ما يقول به كثير من الذين هاجروا و إستقروا في المجتمع الغربي , و ينهلون من معين حضارته, ثم يبدأون في النظر إلي واقعهم الذي خلفوه وراءهم بعيون الآخرين, و يطرحون التساؤل : لماذا؟ و من هذا تساؤلهم : لماذا تقدموا هم و تخلفنا عنهم ؟ يدور هذا التساؤل في أذهان الكثيرون, رغم أنهم يعرفون, أن الغرب, يصنع جهاز الكمبيوتر و يصدره لبلادنا, و لكن لا نستفيد من قدرات هذا الجهاز العجيب, إلا علي نحو بدائي , في حين أن هذا الجهاز العجيب, أو ( الديجيتال) بصفة عامة, أحدث تغييراً جوهرياً في نظام الحياة. لكن رغم هذا يدور التساؤل : لماذا ؟ و تنداح التساؤلات, التي يطرحها حتي بعض من يقيمون هناك من أصحاب القدرات العلمية الكبيرة, و الذين إستقطبهم الغرب, للإستفادة من قدراتهم , وفق الخطة التي وضعها الغرب منذ أوائل الخمسينات من القرن العشرين , و المعروفة بإستقطاب العقول Brain drain و ذلك لإفراغ مجتمعاتنا من هذه العقول . يروي أن الإمام/ محمد عبده, سافر إلي الغرب, في بداية القرن العشرين, و هناك إنبهر بالحضارة الغربية و نظامها الراقي, و عندما عاد إلي الشرق, قال قولته الشهيرة : لقد ذهبت إلي الغرب, ووجدت مسلمين بدون إسلام, ثم عدت إلي الشرق, ووجدت إسلاماً بدون مسلمين. و هو بهذا القول, يشير إلي الحضارة الغربية و نظامها البديع, و تخلف الحضارة الشرقية, حيث يعيش المسلمون في ظل الجهل و التخلف. يشير الإمام/ محمد عبده, من طرف خفي , إلي أن سبب تخلف المسلمين, هو الجهل الذي يعيشون فيه. أي أنهم ما أن ينعتقون من ربقة هذا الجهل, سيرتقون إلي مستوي الحضارة التي يعيشها الغربيين. إن هذا الإنبهار بهذه الحضارة الغربية, و الذي يقود البعض إلي طرح السؤال : لماذا؟ قائم منذ زمن بعيد. ولكن رغم مرور هذا الزمن الطويل , لم يجد المسلمون حلاً لمسألة ما يسمونه , الأصالة و المعاصرة, أي كيف يوفق المسلمون بين قيم المجتمع الإسلامي , و قيم المجتمع الغربي, و هي مسألة جدلية تؤرق المسلمين. و لكن هل تكمن العلة في ديننا الإسلامي, بحيث يقول البعض بتخلف رسالة الإسلام ؟ أم تكمن العلة في المسلمين, الذين نسوا دينهم , فتخلفوا عن ركب الحضارة؟ اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً. هذه رسالة إلي الناس كافة, و إشارة إلي ما في دين الإسلام من خير, و صراط مستقيم, يجب علي المسلم إنتهاجه ليصل إلي بر الأمان, و ليتحقق له الخير و لمجتمعه. و لكن هل سلك المسلمون هذا الصراط المستقيم, ليصلوا إلي مبتغاهم, و ليفوزوا في الحياة الدنيا و في الدار الآخرة؟ لقد نسي المسلمون دينهم, فأنساهم الله أنفسهم. و ضعف المسلمون و تفرقوا أيدي سبأ, حتي تسلط عليهم الغرب, و فرض عليهم نظمه و حضارته. و لكن لم يأخذ المسلمون من الغرب غير القشور, و هذه واحدة من أسباب تخلفهم. ليست مشكلتنا في التدين السلفي, كما يقول البعض في هذه الأيام, إذ يشتطون في نقد السلفية, و كأنها السبب في ما حاق بالمسلمين من تخلف و هوان. السلف كانوا قدوة للمسلمين, و خلفوا تراثاً راقياً, كان ينبغي علي المسلمين التمسك به, و الإضافة إليه, حسب ظروف الزمان. قال رسولنا ( ص) لسائليه في مسألة تأبير النخل الشهيرة, في المدينة : أنتم أدري بشئون دنياكم. و لكن لم يواصل المسلمون , الإجتهاد بما يعود عليهم بالنفع في مسائل الحياة الدنيا, فكان أن ركنوا إلي التراث, فتخلفوا عن ركب الحضارة. و لما تقاصرت همتهم عن فهم و إستيعاب مطلوبات العصر, و الذي يعجز التراث السلفي عن تفسيره, قالوا ( إنا وجدنا أباءنا علي أمة , و إنا علي آثارهم مهتدون), و ذلك بدلاً من الإجتهاد لمواكبة روح العصر. و بالتالي يثور التساؤل : هل نلوم قصور المسلمين في إجتهادهم , أم ندعي عدم صلاحية رسالة الإسلام لروح العصر؟ و هل نقدم تنازلات عن عقيدتنا الإسلامية, بسبب أن البعض لا يفهم ما هو الإسلام, أم بسبب أن البعض يري في بعض الأحكام الإسلامية غلظة و عسفاً, كما أشار عبدالله عثمان في موضوع الكفارات؟ الغربيون , صاروا يبحثون في الدين الإسلامي في السنين الأخيرة. و قد أتاحت التقنيات الحديثة و نظم الإتصال , الفرصة لهؤلاء لأن يقرأوا عن الإسلام. هذا الدين الذي يؤمن به أكثر من مليار نسمة علي وجه المعمورة. يصلون إلي قبلة واحدة و يصومون و يزكون و يحجون إلي كعبة واحدة. إذن كيف نعينهم علي فهم هذا الدين الإسلامي؟ هل نقول لهم أن ديننا, هو الدين الخاتم, أم نقول لهم أن ديننا في حاجة إلي تحديث, مثله, مثل الإنجيل , و مثل التوراة بعهديها القديم و الجديد ؟ جاء في الأثر : من لم يغزو, أو يحدث نفسه بالغزو, مات ميتة جاهلية. لكن هل يكون الغزو بتجريد الحملات, و حمل السلاح في وجوه العدو و كفي, أم أن أبواب الجهاد كثيرة و عديدة و مشرعة, لمن يريد أن يجاهد. إن الفهم الخاطئ لمقاصد الشرع , و عدم التفقه السليم, هو الذي يقود البعض إلي الوقوع في المحظور و من ثم الإساءة إلي دينهم. لقد دفعت التطورات الأخيرة, التي نتجت عن الأزمة المالية المعاشة, دفعت الغربيين إلي البحث عن سبل جديدة لحل لغز الدورة التجارية Business cycle و ما تشتمل عليه من حلقات الركود – الإنتعاش – الإزدهار – الكساد. من ثم عمدوا إلي دراسة النظام المالي الإسلامي, أي نظام مالي بدون فوائد ربوية , مقابل النظام الغربي الربوي , علهم يجدون حلاً للخروج من هذه الدائرة الشريرة, التي ينتج عنها أزمة مالية كل حين. منذ ثلاثة شهور, وصلتني نشرة من هيئة المحاسبين القانونيين ACCA في لندن, و هي الهيئة المهنية التي إنتسب إليها, تفيد , أنه تم إعتماد نظام التمويل الإسلامي Islamic finance , ضمن المقررات الدراسية للهيئة من العام القادم , أي من يونيو 2011م. جاء في محكم التنزيل ( و أحل الله البيع, و حرم الربا ) . هاهم الغربيون, وصلوا إلي قناعة, أن التعامل بالربا, هو واحد من أسباب الأزمة المالية. مبدأ المصلحة الذاتية المستنيرة Enlightened self- interest يدفعهم للإفادة من التجربة الإسلامية في مجال التمويل, حتي و إن لم يدينوا بالإسلام. الغربيون كما هو معلوم, قوم براجماتيون Expedient, أي يتجهون بفكرهم إلي حيث تكون مصلحتهم . هل نقول لهم أن مثل هذه التعاليم , التي نزلت منذ أربعة عشر قرناً, لا تصلح لإنسان القرن العشرين, أم نعمل علي تدعيم تجربة التمويل الإسلامي, حتي يستوي عودها و تؤتي أكلها , و لكي نفاخر بها كإنجاز حضاري بين الأمم؟ متي يكون المسلمون قادرين علي تطبيق و تعميم نظام الإقتصاد الإسلامي , بدل أن يضيعوا وقتهم في هذا اللجاج و الجدل اللفظي العقيم, بين ماهية الإقتصاد الإسلامي و إقتصاد الإسلام ؟. متي يكون المسلمين قادرين علي تطبيق و تعميم صيغ التمويل الإسلامي عالمياً, مثل المضاربة و المرابحة و المشاركة و عقود السلم,محل أو بجانب العقود المستقبلية Futures والمشتقات المالية Derivatives و غيرها من الصيغ الربوية ؟. إن المسلمون, يعيشون اليوم في محنة, بسبب تخلفهم عن مواكبة العصر, في حين أن المجتمعات الأخري قطعت شوطاً بعيداً في مضمار الحضارة, و تعيش واقعاً أفضل بكثير من واقع المسلمين, بسبب أنها إنعتقت من ربقة التفكير الخرافي , و إنتهجت الإسلوب العلمي في التفكير و في كل شئون حياتها . لن يتمكن المسلمون من الإنفكاك من إسار هذه المحنة التي يعيشونها و من ربقة هذا التخلف , إلا بالرجوع إلي دينهم , الذي يهديهم سواء السبيل, و إنتهاج التفكير العلمي, ثم العمل الجاد من أجل اللحاق بركب الأمم المتحضرة. الرياض / السعودية