حديث المدينة دفن الليل.. (أب كراعاً برّه) عثمان ميرغني وزير الخارجية الأستاذ على كرتي .. ومن واشنطون شنَّ هجوماً لاذعاً على قيادتي حزب الأمة والاتحادي.. وصف مولانا الميرغني بأنه (كراع جوّه.. وكراع برّه.) والصادق المهدي بأنه (ما مضمون) .. وقال إن الإثنين يتسلمان من المؤتمر الوطني أموالاً بالليل.. ثم يشتماه في الصباح.. ورغم أن مثل هذا الحديث ربما يجعل مولانا الميرغني يسحب (الكراع الجوّه).. و يبعد المهدي أكثر.. فيزداد تشتت المشهد السياسي السوداني .. في أضعف الأوقات.. قبيل الاستفتاء بشهور قليلة.. إلا أن المشكلة في العبارة الأخيرة من حديث كرتي.. حكاية أموال الليل التي يمحوها النهار.. لماذا الأموال بالليل ؟؟ أعلمُ أن وزير الخارجية يستخدم كلمة (الليل) هنا مجازاً .. ويقصد أنهم يستلمون الأموال (خِفية) ويضعونها في جيوبهم ثم .. ما أن ينكشف نهار هذه الأموال ويعلم بها الناس حتى يتنكرون لها، ومن باب تبرئة النفس يرفدون حزب المؤتمر بكل ما تستطيبه المنابر الإعلامية من أحاديث الشقاق والعراك. الواقع أن المشكلة – الوطنية- ليست أبداً في حزب يشتم حزبًا آخر.. فالأحزاب من طبعها الاحتراب السياسي.. لكنّ المشكلة في (الأموال المحمولة ليلاً).. لماذا ليلاً.. لماذا لا تُدفع الأموال للأحزاب السياسية في رابعة النهار.. وفي حسابات بنكية معلومة الأرقام يستطيع المراجع العام الوصول إليها؟.. قانون الأحزاب ينص على أن ممتلكات الأحزاب وأموالها هي من صميم أموال الشعب السوداني وفي حيز المال العام.. والاعتداء عليها يقع تحت مسؤولية (نيابة الأموال العامة).. فالمادة (13) تنص على: (يجب على كل حزب سياسي تقديم كشوفات حسابات شاملة لكل الموارد والمصروفات للمراجعة القانونية وأن يحتفظ بالكشوفات المذكورة لمدة خمس سنوات على الأقل وتودع نسخة منها لدى المجلس) والمادة (21): (تتكون الموارد المالية للحزب السياسي من التبرعات والهبات من الأفراد والهيئات والشركات الوطنية غير الحكومية على أن تكون هذه التبرعات والهبات معلنة ومسجلة لدى المجلس) فلماذا تُدفع الأموال للأحزاب (ليلاً!!).. بعيداً عن الإجراءات المحاسبية الرسمية بأسلوب أقرب لعمليات (غسيل الأموال)؟. مثل هذا المسلك يضعف الأحزاب ويحولها إلى غابة كثيفة خالية من القانون والمؤسسية.. فالحزب الذي يستلم أموالاً بمثل هذه الطريقة لن يمررها على مؤسساته وتصبح أموالاً في يد القابض المُتنفذ الذي يُكرس بها مزيداً من الهيمنة على مؤسسات الحزب ويقمع بها أي صوت معارض أو منافس للقيادة. والأدهى والأمر.. أن حزب المؤتمر الوطني أعلن بالصوت الجهير أنه سلّم الأحزاب أموالاً.. وأقرّ بعض الأحزاب باستلام هذه الأموال.. ثم عاد حزب المؤتمر الوطني وقال إنه دفع أموالاً أكثر من التي اعترفت بها الأحزاب.. وكل هذا لم يحرك أي إجراء قانوني من أية جهة رغم أن ديوان المرجعة القومية مسؤول عن مراجعة هذه الأموال (حسب نص قانون الاحزاب) .. بمثل هذا السلوك.. نحن لا نخطو نحو تقرير مصير السودان في الاستفتاء.. نحن نخطو نحو (نحر) الوطن .. أو انتحاره. التيار