حديث المدينة غارة ليلية..!! عثمان ميرغني مجموعة من الشباب خريجي الجامعات.. يسكنون في أحد أحياء العاصمة الخرطوم.. ولأنهم عطالى أنهكهم طول الخمول.. فقد تعودوا كل مساء أن يختلوا بأنفسهم قريباً من النيل، بعيداً عن أعين أهل الحي.. ويديرون بينهم لفافات (البنقو) وبعض المخدرات الأخرى حسب ما تستطيعه ميزانية فقرهم المدقع.. أمس.. وبينما كانوا منهكمين في جلستهم الليلية اليومية.. فاجأتهم حملة من القوات النظامية.. طوقتهم بسرعة وإحكام.. لم تدع لهم منفذاً للهرب.. ولا حتى فرصة للتخلص من المخدرات التي معهم أو السجائر الخضراء الملفوفة في أصابعهم.. (ثابت.. ولا حركة!!) ردعهم صوت التحذير القوي بينما على ضوء القمر كانت قد تتلألأ على فوهات البنادق المشرعة تجاههم.. أصابهم الشلل وتجمدوا في انتظار القدر المهول.. أحد الجنود بدأ يدور حولهم وهو يبعثرهم وما معهم من مخدرات.. يقلبها ثم يلقي بها أرضاً في ضجر واضح.. بينما بقية زملائه الجنود أصابعهم على الزناد وهم يحدقون في وجوه الشباب المخدرة بالعطالة والبنقو.. بعد بضع دقائق مرت كأنها دهر.. صاح الجندي بأعلى صوته ( سيادتك.. مخدرات بس!!).. قائده رد عليه بسرعة (متأكد .. ما فيش طبنجة.. رشاش.. أي سلاح..) ارتد عليه صوت الجندي بمنتهى الثقة (سيادتك ..مخدرات ..بس!!) إشارة سريعة من قائد القوة.. انسحبوا جميعاً في مثل الخفة التي أتوا بها.. تلفت الشباب يمنة ويسرى ولا شئ.. كالخيال أو حلم عابر فاختفى.. لا جنود ولا رشاشات فاغرة الفم.. لم يصدقوا .. تريثوا قليلاً .. كانوا من فرط (الخلعة) غير قادرين على استرجاع رشدهم.. وعندما مرت بضع دقائق أخرى والسكون حولهم يعلن عودة حالة (وإذا بليتم فاستتروا).. صاح أحد الشباب في فرح ( يا جماعة.. ديل بفتشوا السلاح.. مش المخدرات..!!).. بلوعة فرح.. وإحساس بالفرج.. رجع الشباب إلى لفافات البنقو.. يعطرون أنفاس الليل البهيم.. بعد بضعة أيام .. نشرت صحيفة سياسية خبرين متجاورين في الصفحة الأولى.. الخبر الأول، مسوؤل يصرح: وضعنا أيدينا على (50) مسدس.. و(10) كلاشات.. الخبر الثاني، مدير مكافحة المخدرات : الخرطوم تستهلك (10) طن من المخدرات يومياً.. سيدي والي الخرطوم .. تذكروا أن سلاحاً آخر أشد فتكاً ينتشر بين الشباب..في كل يوم تشرق الشمس.. يسقط مائة من الشباب الجدد.. صرعى إدمان المخدرات.. كل السلاح المرخص وغير المرخص لو استخدم في معركة فلن يقتل في شهر ما تقتله المخدرات من شبابنا في يوم واحد.. حسناً.. شرطة المكافحة تقوم بواجبها الفني المطلوب.. لكن المخدرات لا تحارب بالشرطة وحدها.. هؤلاء الشباب لم تلدهم أمهاتهم مجرمين و مصاصي البنقو.. هم ضحايا قهر الطموح والأحلام.. انحسر سوق العمل.. بأمر وفعل الدولة.. و صاروا بين الحياة موتاً.. أو الموت حياة.. الجامعات لم تعد تخرج أطباء ومهندسين و زراعيين وإداريين و اقتصاديين.. صارت تخرج سائقي (ركشات) و(أمجاد).. وفي أفضل الأحوال للمحظوظين فقط.. سائقي (هايسات) و (قريسات) .. سيدي الوالي.. أجمعوا الشباب.. كما السلاح..!! التيار