اليكم فكروا ثم تحدثوا ... (طموح عام) ..!! الطاهر ساتي [email protected] * عندما يجتمع الأعمام على رمال حلتنا لمناقشة قضايا قريتنا، كنت أحرص بأن أكون قريباً منهم لاسترق السمع إلى ما يقولون، وكنت استخدم توزيع الشاي والبلح والماء على أعضاء مجلسهم كوسيلة تقربني إليهم، لاستمع واستمتع بأفكارهم وأمثالهم ولطائف مجلسهم .. اجتمعوا ذات صيف لمناقشة كيفية تمويل مشروعهم الزراعي حتى يتيسر لهم أمر زراعة محصول الذرة..وكماتعلمون – يا أولاد البيتزا وعمو تعال قشر لينا الخروف ده - زراعة الذرة هناك تكتسب أهميتها من حيث إنها المحصول الذي ينتظر حصاده بعض الناس وكل الأنعام بصبر نبيل، ولاتزال في الخاطر تلال القصب الجاف ذات الرص البديع وهي تزين جنبات شوارعنا وأسقف منازلنا وأركان مياديننا ومزارعنا، وهكذا نكون قد اطمأنينا على المخزون الاستراتيجي لغذاء أنعامنا عاماً كاملاً..المهم، اجتمعوا لهذا الأمر وشرعوا يطرحون أفكاراً وآراءً كلها بمثابة مقترحات تصب في كيفية تمويل زراعة الذرة، أحدهم - وكان معروفاً باللامبالاة والرأي الأشتر - قطع حبل مقترحاتهم ولطم مجلسهم بمقترح مفاده : ياجماعة ح يحصل شنو يعني لو السنة دي خلينا زراعة الذرة ؟..فاستاء الكل وكالوا له من السب والشتم ماكالوا وقبل أن يعقبوا عليه بأحذيتهم قاطعهم جدي، عليه رحمة الله، بحكمته قائلاً : ياجماعة ما تزعلوا، ده النوع البيفتح خشمو عشان الكلام يجي مارق براهو..فضحكوا ثم واصلوا اجتماعهم غير مبالين بذاك المقترح الأشتر ..!! * وعليه، بعض ساستنا عندما يلتقون بوسائل الإعلام لايختلف حالهم عن حال ذاك، بحيث يفتحون أفواههم فتخرج منها التصريحات – لا إرادياً - كيفما اتفقت أحرفها وكلماتها، فتوثقها أجهزة التسجيل ثم تنشرها أوتبثها، فيغضب الرأي العام ويحزن. وهنا ينتبه المصرح بأن تصريحاته تلك لم تخرج من فمه كما يهواه، بل خرجت لاإرادياً، ولذلك يسارع إلى النفي والتكذيب، ولكن النفي والتكذيب لايجد حيزاً في إعلام هذا العصر المشبع والضاج بأحدث أجهزة التسجيل والتوثيق، فيجلس المصرح ملوماً محسوراً على تلك التصريحات..ولوتأنى قليلاً وجمع ما يود قوله في عقله أولاً، ثم أخرجه بفمه إرادياً ومنتظماً، لما ندم وتحسر– وجقلب – بعد نشر حديثه..بمعنى، يا بعض ساسة بلادي، فكروا كثيراً فيما تودون قوله لوسائل الإعلام، ثم تحكموا في أفواهكم بحيث تخرج أقوالكم كماتشتهون ويشتهي الرأي العام ..أي، لكي تنفي ماهو موثق ولكي لاتندم وتضطرب على تصريحك الصحفي، أنصحك بالآتي : لاتفتح فمك لجهاز التسجيل بحيث (كلامك يجي مارق براهو)، أوكما وصف جدي ذاك اللامبالي وذا الرأي الأشتر ..!! * قبل عام، تحدث الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل حديثاً لا إرادياً لصحيفة الشرق الأوسط، وهو وصف شعبنا بالشحادين قبل الإنقاذ، ثم نفاه عندما غضب الرأي العام السوداني، ولكن باغتته الصحيفة بنشر نص التسجيل الصوتي في موقعها الإلكتروني، وبالتأكيد لم ولن ينفي مصطفى صوته..وقبل شهرين، تحدث الأستاذ علي محمود بحديث لا إرادي أيضاً لذات الصحيفة، وهو الترهيب بالعودة إلى أزمنة الكسرة بعد انفصال الجنوب، وعجز عن نفيه ربما لتذكره بأن للصحيفة موقع إلكتروني محتفظاً بوصف الشحادين، فبرر الخطأ بخطأ يقول معناه : كان كلام ونسة ساكت..وقبل أسابيع، اجتهد وزير إعلام الجنوب لنفي حوار السيد النائب الأول والتي أجرته (السوداني)، ولكن كان نفياً خجولاً، ولم ولن ينفي مكتب الفريق سلفا، ربما لعلمهم بأن ل(السوداني) موقع إلكتروني قادر على التأكيد بالصوت والصورة..!! * وأول البارحة أيضاً، تحدث المشير سوار الذهب بحديث لا إرادي لصحيفة (المصري اليوم)، حيث تمنى على صفحتها التاج المصري جاثماً على صدر بلادنا، ولكنه نفى البارحة تلك الأمنية وقال : لم أقل قولاً كهذا..وعليه ننتظر رد فعل (المصري اليوم)، خاصة أن موقعها الإلكتروني به خاصية نشر الصوت والصورة، وما لم تفعل ذلك فهي كاذبة وعلى المشير سوار الذهب أن يقاضيها..ولكن، وسائل إعلام هذا العصر بها من اليقظة وتحري المصداقية وتوثيقها ما يستعصى على الساسة نفي أحاديثهم، ولم يعد نشر الحوارات والتصريحات الخبرية في الصحف سهلاً بحيث تنشر ما ليس موثقاً في أجهزة تسجيل محرريها..بل الصحف - في إطار المنافسة الشرسة والشريفة وكسب ثقة الرأي العام - تكاد أن تنافس الفضائيات في دقة حواراتها ومصداقية تصريحات الساسة، ولذلك لم يعد سهلاً تكذيبها أو نفي مافيها من تصريح أو حوار..ولذلك، لاتقاء الندم والاضطراب يجب على ساسة بلادي أن يفكروا ثم يتحدثوا وليس العكس..نعم، بالله عليكم ورحمة بشعب بلادكم: (تفكيركم يجب أن يسبق أقوالكم)، هذا هو سقف الطموح العام، ولم نعد نطمح في أن يسبق تفكيركم أفعالكم ..(دي قنعنا منها) ..!! السوداني