زمان 454 الصادق حماية المستهلك.. وضُل الفيل الصادق المهدي الشريف [email protected] جمعية حماية المستهلك تتجه لرفع دعاوي قضائية ضد شركات الأدوية لأنّها رفعت الأسعار بالصورة التي جعلت المريض ينظر للدواء في أرفف الصيدليات مثلما ينظر المواطن للعنب والتفاح في أسواق الفاكهة... (جميلة ومستحيلة). الحُجة التي بنت عليها جمعية حماية المستهلك هذا الإتجاه القضائي هو أنّ (ارتفاع أسعار الأدوية لا علاقة له بزيادة أسعار الدولار، فالأدوية موجودة في مخازن الشركات وبسعر الدولار القديم)... كما قال بذلك الدكتور ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك. وحِرصُ الجمعية على حياة المواطنين هو أمرٌ تستحق عليه الإشادة رغم أنّه من صميم واجبها... لكن حتى لا تركب الجمعية مركباً خاطئاً نوّدُّ لو أنّها استمعت لبعض ما نقول. فسلعة الدواء ليست مثل سلعة السكر ولا المحروقات ولا الكهرباء ولا المياه... فهي سلعة مُحررة بموجب سياسات الدولة الإقتصادية... بيد أنّ السلع الأربعة آنفة الذكر هي سلع حكومية، لم تطالها سياسة التحرير، بل ظلت سلع رسمية تنتجها الحكومة وتبيعها للمواطنيين (وهُنا نشيرُ الى أنّ مقاضاة تجار السكر أوفر قانونيةً من مقاضاة شركات الأدوية). لهذا فإنّ أي طعن في إرتفاع أسعار الأدوية سوف يرتدُ بالحسرة على الجمعية لأنّ تجار الأدوية لم يخالفوا السياسة الرسمة للدولة... وهُنا يصبح الأحق بالمقاضاة هي سياسة الدولة نفسها... وليس مجرد رافد إقتصادي من روافدها. وليس صعباً مقاضاة سياسة الدولة والطعن فيها لدى المحكمة الدستورية... فهذه السياسة تسببت في تجوع المواطنين بصورة غير مسبوقة. والمعلوم أنّ هدف أيِّ سياسة حكومية هو مصلحة المواطنين... لكنّ تطبيق سياسة التحرير بلا معالجات (ظرفية) مصاحبة للتطبيق جعل المواطنين وجهاً لوجه أما تجار جشعين لا يحكمهم قانون مكافحة إحتكار ولا تلجمهم قوانين ثراء حرام أو مشبوه.... فإذا استطاعت جمعية حماية المستهلك أن تؤكد أمام المحكمة الدستورية أنّهُ لا مصلحة للمواطنين في تطبيق هذه السياسة فإنّ حظ (سياسة التحرير) في التطبيق سيكون أقل... وستكون الجمعية قد استخدمت قوانين الدولة ودستورها لكبح سياسات الدولة. وليس هناك جهة أحق بتقديم مثل هذه الدعوى الدستورية من جمعية حماية المستهلك، لأنّها الجهة الوحيدة التي تنحصر مهمتها في حفظ حقوق المواطنين المستهلكين الذين لا يجدون ما يستهلكونه في ظلِّ هذه الفوضى الكبيرة التي تضرب الأسواق. لكنّ السؤال : هل ستستطيع جمعية حماية المستهلك رفع دعوى قضائية مماثلة؟؟؟. أمّا الحديث عن عدم وجود مُبرر لزيادة اسعار الأدوية لأنّ(الأدوية موجودة في مخازن الشركات وبسعر الدولار القديم) كما قال الأمين العام للجمعية فهذا حديث لا علاقة له بعلوم الإدارة. قد تكون الأدوية موجودة بالفعل في مخازن شركات الأدوية وقد إشترتها بالأسعار القديمة للدولار... لكنّ هذه الشركات (لن) تستطيع بيعها بالاسعار القديمة لوجود ما يُسمى بتكلفة الإحلال (Replacement Cost). فشركات الأدوية لن تخرج من الأسواق إذا باعت كل ما لديها من أدوية في المخازن!!!. بل ستقوم بإستيراد أدوية جديدة... ولن تستطيع استيراد الأدوية الجديدة ما لم يكن لديها المال الكافي الذي يقابل سعر إرتفاع الدولار... لهذا تحتاط للأمر من خلال مخزونها الحالي من الأدوية وبيعه بتكلفة الإحلال. أعتقد أنّ المسار الجديد... برفع دعوى دستورية ضد سياسة التحرير الإقتصادي هو مسار أفضل وأشمل، من مطاردة تجار الأدوية.