إلي أين تمضي دولة الفساد والنفاق هذه ؟؟ فكلما اشرقت شمس الدنيا بيوم جديد علي امة الإسلام يزداد الشعب السوداني قناعة بأنه وعلي مدي أكثر من واحد وعشرين عاماً لم يشهد دولة أكثر نفاقاً وفساداً في ذمتها المالية مثل هذه الدولة .ولم تتألف هذه الدولة ورموزها سوي من حفنة من ذوي النفاق والفساد والإفساد الذين إتخذوا من دينهم مطية للإثراء وليت ذلك الإثراء من تجارتهم وحر مالهم بل عن طريق النهب والسلب والإستيلاء علي المال العام ومن حر مال المسلمين وبيت المال . آيات المنافق التي يذكرها حديث المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام عن صفات المنافق والمنافقين ونعتهم تطابق هذا العبث القائم في طريقة إدارة الدولة حتي يصدق فيهما المثل العربي : \" وافق شن طبقة \". فرموز هذا النظام أكثر ولاة الأمور كذباً علي شعبهم عند الحديث وأكثرهم إخلافاً للمواعيد وأكثرهم حباً لخيانة الأمانة مما وقع تحت أيديهم من المال العام ... ولم يكتفوا بهذا النصب والإحتيال علي الشعب وحدهم بل دعوا إخوانهم وأزواجهم ومعارفهم للإغتراف من هذا المال والإنغماس في مأدبة الفساد هذه في أكثر عمليات الفساد وإختلاس المال العام تنظيماً في التاريخ البشري وهم لعمري لا يستحيون من إظهار نغمة الفساد هذه ولسان حالهم يقول لهم حدثوا بنغمة الله علينا فتطاولوا في البنيان والعلو بالقصور الفارهة وكدسوا ما فاض من الأموال كأرصدة في البنوك داخلية وخارجية . وكلما طلب منهم أن يكفوا عن ما أفسدوا فيه تجيب ألسنتهم \" إنما نحن مصلحون ولا يشعرون بفسادهم حتي كأنما ظنوا في دواخلهم أن هذه الأموال هي حق لهم ولأبناءهم وأن علي الشعب السوداني الإجتهاد في تدبير حاله .. أما رئيس الدولة وولي الأمر كله فكأنما الأمر لايعنيه وكأنه ليس راعياً أو مسئول عن الرعية فلم يصدر قراراً لردع الفاسدين أو منعهم بل تقدم ركب الفاسدين هو وأسرته وأشقائه وضرب بعرض الحائط بكل المباديء التي نادي بها بيان ثورته الأول عن محاربة الفساد والمفسدين ورفاهية المواطنين الشرفاء واصبح هولاء المواطنون الشرفاء الذين قامت الثورة من أجلهم الدّ الأعداء وحاسدين لنعمة أولياء الأمور وبدلاً من محاسبة وزرائه ورموز حزبه علي الفساد وأخذهم من أموال بيت المال بغير الحق درَّب قواته وآلتهم القمعية علي التنكيل بالأصوات الشريفة التي تنادي بوقف الفساد ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي كتب لواليه علي مصر عمرو بن العاص بعد أن بلغه ظهور بعض دلائل النعمة عليه (( من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلي عمر بن العاص . سلام الله عليك ، أما بعد فقد بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وغنم ، وعهدي بك قبل ذلك أن لامال لك ، فأنّي لك هذا ؟ ولقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك ، ولكني قلدتك رجاء غناك .فاكتب : من أين لك هذا المال ؟ )) فكتب إليه عمرو:اما بعد : فإنه قد أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه فاشية مال فشا لي ، وإنه يعرفني قبل ذلك ،ولا مال لي ، وإني أعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر فيه رخيص ، وأني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله ، وفي رزق أمير المؤمنين سعة والله لو رايت خيانتك حلالاً ما خنتك .)) فكتب إليه عمر : ((أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب وتشفيفك الكلام في شيء ، ولكنكم معشر الأمراء قعدتم علي عيون المال ، ولن تعدموا عذراً ، وإنما تأكلون النار ، وتتعجلون العار ، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ، فسلم إليه شطر مالك .)) فشتّان ما بين العمرَيْنِ. رئيس الجمهورية والذي والذي كانت تبدوا علي قسماته آيات التقوي وعلامات الورع تلي بيانه الأول مخاطباً المواطنين الشرفاء بأن الثورة جاءت من أجل محاربة الفساد والمحسوبية والحفاظ علي تراب الوطن وحماية المواطن من سيف الصالح العام وإرتفاع الأسعار أخلف وعده في كل ما بشر به وبدأ في نفس يوم الإنقلاب بسن نفس السيف وشحذه وإعماله في جسد الشعب السوداني عندما أحال سبعة من ضباط الشرطة أقلهم في رتبة العقيد وكأن الساعات التي قضاها من ساعة الصفر وحتي تاريخ الإحالة في التاسعة مساءاً كافية للمسح وبجرة قلم التاريخ الشرطي لهولاء الضباط والذي تجاوز ربع قرن من الخدمة وأنواط الخدمة الطويلة الممتازة .ورغم أنه تعهد بشرف الجندية بعدم التفريط في شبر من أرض الوطن فها هو الآن يفرض في ثلث مساحة البلاد لتلد دولته وحكومته المسلمة دولة مسيحية لن يجد المجتمع الكنسي العالمي عذراً في التفريط في هذا الوليد وتعهده بالرعاية وإتخاذه معبراً لضرب المجتمع الإسلامي في دولة الشمال ولن تكون الحرب بعد ذلك شأناً داخلياً بل دولة مسلمة تعتدي علي دولة مسيحية . الشعب السوداني ومنذ فجر إستقلاله عاني من ويلات الحكومات المتعاقبة عليه بأنواعها الديمقراطية الحزبية والعسكرية الشمولية ولكنه لم يصل بدرجة معاناته إلي تمني الموت علي الحياة كما وصل في عهد هذه الدولة التي أعياها معالجة الإقتصاد السوداني وأرهقت تفكيرها العقيم وعبقريتها الكسيحة في إنقاص صفر أوزيادة صفر في العملة الوطنية وما زاد ذلك الشعب إلا معاناة ورهقاً وعجزت عن رفع المعاناة عن المواطنين الشرفاء كما جاء في بيانها الأول عقب نهب السلطة من الحكومة التي جاءت بخيار الشعب وإرادته . كانت جماهير الشعب السوداني الطيب تنظر إلي مجلس قيادة الثورة آنذاك علي أنهم من أبناء القوات المسلحة الشرفاء والذين يحملون بين جوانحهم التقاليد المشرفة للجندية السودانية ولن يجدوا أفضل منهم لحرصهم في ذلك الوقت علي محاربة الفساد والمحسوبية والبعد عن المال العام وحماية مكتسبات الشعب الذي إندلعت الثورة من أجله .ولكن كان للإسلاميين الذين كانوا من وراء هذه الثورة مشروعاً للتمكين وليته كان تمكيناً للدين ..كان تمكيناً لأنفسهم للغرف بأيديهم والخوض بأرجلهم ووالنهس بأسنانهم من بيت مال المسلمين وكاني بهم يتبارون حول من منا أكثر فساداً ومالاً وعلواً في شاهق البنيان وما علموا أو علموا أنهم إنما يأكلون سحتاً وأن النار أولي به . ففسدوا وأفسدوا الحياة العامة حتي طغي الفساد وضرب بأطنابه في كل أركان الدولة وخانوا الأمانة التي جعلهم الله أمناء عليها ولم يكتفوا بحمل الوزر وحدهم بل أشركوا أسرهم في ربقة الذنوب وهم بذلك فرحين حتي إمتدت ظلال الفساد إلي خارج حدود الوطن في شكل منتجعات سياحية وأسهم في الشركات الأجنبية وتوكيلات عالمية بدون وجه حق في ذلك ولو جلسوا في بيوتهم لما وجدوا مايفسدوا فيه . وليس من منظر أقبح من منظر ملتحٍٍ وعلي جبينه غرة الصلاة ويده تجوس في بيت المال ليتجاوز الشبهات ويقع في حمي الله من المحارم لا يردعه وازع من ضمير ولا يصده نص من الشارع فجبلت نفوسهم الظمئة إلي ماحرم الله علي أكل أموال الناس بالباطل ونسوا أن المال هذا إنما هو مال لليتامي والأرامل والفقراء والمساكين والمرضي وذوي الحاجات وطابت نفوسهم إلي الوقوع فيه . الفساد له رائحة لا تستسيغها النفس البشرية السوية الشريفة وتهفو إليها النفس الأمارة بالسوء من الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً اليماً وليتهم خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيءٍ فإنه كان ليشفع لهم في حساب الأعمال بل خلطوا سيئاً بسيءٍ فلم تكتفي أيديهم بالفساد ونهب المال العام من بيت مال المسلمين بل إمتدت أيديهم للبطش بالأبرياء والعزل وهتك أعراض المسلمات اللاتي نهي ديننا الحنيف حتي عن قذفهن بمنكر القول وهن غافلات وجعلها من حدود الله فأنظروا إلي ولاة أمورنا الذين تجاوزوا حتي حدود الله وإجترأوا عليها .كأنهم لم يكفهم نهب بيت مال المسلمين والفساد في الأرض وسمات النفاق فتعدوا ذلك إلي إجتراح الذنوب والتعدي علي حدود الله وتجاوزها . يحسبون أن الله غافلاً عما يعملون ويقيني أنهم لا يدرون أن المولي عز وجل إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وسيقبلون علي آخرتهم وهم مهطعين يهرولون سراعاً ومقنعي رؤوسهم وقلوبهم مرعوبة من هول ما سيرون وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم تنزيله : ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)) (إبراهيم : 42 43 ). الآن وبعد مضي أكثر من عقدين من الزمان يخرج علينا رئيس الدولة وولي الأمر بعذر أقبح من ذنوب من أفسدوا في أنه لم يكن يعلم بهذا الفساد !! وإنه بعد إجتماعه مع شباب الحزب الحاكم خرج بقرارات تصحيحية لمسيرة الحزب الحاكم منها تكوين لجنة لمحاربة الفساد ورغم ماقيل في الأمثال :\" إذا أردت أن تقتل موضوعاً فكون له لجنة \" ورغم هذا العذر الذي لن ينطلي علي أكثر الأطفال غباءاً فدعونا نصدق أن ولي الأمر قد ثاب إلي رشده وقرر التوبة النصوحة حتي يلقي الله عسي أن يتوب عليه فالمطلوب ليس محاربة الفساد بل تقديم الفاسدين والغاصبين إلي القضاء ليقول كلمته وإسترداد كل الأموال التي نهبت من الشعب السوداني بغير وجه حق والندم علي ما فات والعزم علي عدم العودة إلي ذلك العبث والخًلعة في بلع المال العام وعليه أن يبدأ بنفسه ثم أسرته ومن حوله من بطانة السوء لعلهم بذلك يسارعون إلي مغفرة من ربهم فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء . ولن يستقيم أمر الرعية إلا بصلاح الوالي ولن يجدي أن تكون اللجنة المكونة لمحاربة الفساد الحكومي لجنة حكومية فذلك مثل أن يترك الذئاب لترعي في أغنام الرعية بل المطلوب إذا تاب أولياء الأمور توبة نصوحة لافسوق بعدها أو عصيان أو فساد في الأرض لجنة من الوطنيين ذووي الضمائر الشريفة وأن تمنح اللجنة صلاحيات واسعة لضبط المال المنهوب بغير وجه حق وما عدا ذلك فإن التوبة هي توبة ثعلب غدا في ثياب الواعظينا أوكما يقول المثل لدينا \" طق حنك\" ويصدق التحليل الإخباري للتصريح أن القصد إخماد التململ وقتل الثورة في مهدها وذلك لن يجدي فتيلاً ولن يؤخر قضاءاً كان مفعولاً . عمر موسي عمر المحامي