\\\"تسونامي\\\" الأحداث ...الإخوان قادمون بقوة مصدق الصاوي [email protected] تعد نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية المصرية التي جرت الأسبوع المنصرم بمثابة أول انتصار لجماعة الإخوان.لم تكن التعديلات الدستورية في حد ذاتها هي المعنية بهذا الانتصار، إذ لا اختلاف عليها بين سائر الفرق السياسية المصرية. لكن تمثل الانتصار في مستحقات ما بعد التصويت ب(نعم) في الاستفتاء. فإذا كانت (نعم) هي الغالبة (وهو ما تم فعلا) يترتب على ذلك قيام انتخابات لمجلس الشعب بعد ثلاثة أشهر فقط. ومن هنا تبدأ مخاوف معظم الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، إذ اعتبرت غالبيتها بأنها غير جاهزة تماما ،من عدة نواحي مادية وفنية ...الخ ، وأن الفترة غير كافية لتكملة إستعدادتها لخوض الانتخابات، ما عدا حزبي الإخوان والوطني (مبارك) اللذين سارعا الى تأييد المقترح حسب المدة التي حددها المجلس العسكري الحاكم. لا يخفى على احد الإمكانيات التنظيمية والمادية الضخمة التي يتمتع بها التنظيمان. زد على ذلك أن الفرصة أصبحت الآن مهيأة لفرقة الأخوان لممارسة استغلال منابر المساجد للدعوة والمجاهرة بتكفير كل من يقول (لا) للتعديلات أو غيرها فيما لا يتفق مع هوى الجماعة . إضافة إلى أن انفلات الوضع الأمني الراهن في مصر، عمل كثيرا على إخافة المواطنين من مغبة استمرار الأوضاع الأمنية السيئة لفترة أطول، كما يقترح المعارضون ، مما يعني المزيد من النهب والسلب وانعدام الأمن. إذن هنا تطابقت أهداف الحزبين \"الكبيرين\" . وليست هذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها أهدافهما، فقد سبق لهما أن اتفقا من قبل في دورة سابقة لمجلس الشعب، وذلك حينما تم طرح موضوع الحيازات والملكيات الصغيرة التي أجازتها ثورة عبد الناصر لصالح صغار الملاك.. من هنا كانت ملاحظات القوى اليسارية بأن الاختلافات في رؤى الحزبين ليست سوى اختلافات شكلية فقط بالرغم من العداء الظاهر بينهما. لا شك أن الكثيرين، هنا ، يتذكرون العداء السافر الذي نشب بين جماعة الإتحاد الاشتراكي المايوية في السودان ،بقيادة عبد الباسط سبدرات وأبو القاسم محمد إبراهيم، و جماعة الإخوان \"الدخيلة\" على الاتحاد الاشتراكي عقب انضمام أقطاب الجماعة في حظيرته بعد المصالحة الوطنية الشهيرة في 1978. هذا العداء الذي دفع سبدرات الى الاستنجاد بمعارفه من قدامى اليساريين طلبا في مناصرته ضد المخطط الإخواني القادم (لأن الجميع سوف يتضرر في حالة نجاح مخططهم كما كان يزعم). وكما هو معلوم فقد كللت مساعي ذلك الفريق بالنجاح حين تم طرد وسجن أعضاء الجماعة وعلى رأسهم الشيخ الترابي قبل الانتفاضة بفترة وجيزة . لكن تبدل الحال تماما عقب الانتفاضة فقد عفا الإخوان للمايويين كل ترهاتهم وتصالحوا معهم عندما شعروا بأن المايويين هم الجهة الوحيدة التي يمكن أن تقبل التعاون معهم . وظهر هذا التعاون جليا بعد انقلاب يونيو 1989 حتى أصبحنا اليوم لا نستطيع التفريق بين من كان مايويا خالصا أو إسلاميا (هجينا). وهذا إن دل على شيء إنما يدل على بعد نظر الإسلاميين الإستراتيجي. كما أننا نلاحظ ومنذ الوهلة الأولى التقارب الذي يجرى بين المجموعة العسكرية المصرية وجماعة الإخوان تماما كما كانت تتعاون جماعة الإخوان في السودان مع المجلس العسكري الانتقالي بقيادة سوار الدهب ضد مجلس الوزراء الذي كان خليطا من ممثلي القوى الحزبية والنقابية. نخلص من هذا بان ملة الإخوان، وهي ملة واحدة في نمط تفكيرها البرجماتي، سوف تسلك نفس الطريق في مصر مع الحزب الوطني أو فلوله ، وسوف يتوج ذلك التعاون المرتقب فوزا كاسحا في انتخابات مجلس الشعب المقبلة في الأشهر القليلة القادمة .أما بقية الأحزاب بما فيها شباب الثورة \"فعسى أن يكون الله في عونهم\". إذن نحن بانتظار عودة قوية للإخوان في مصر. ولكن ما يهمنا هنا (في السودان) أكثر، تأثير تلك العودة وتبعاتها على مستقبل السياسة السودانية. قام الرئيس البشير باستباق الأحداث فسافر إلى مصر مهنئا بنجاح ثورة 25 يناير وفي نفس الوقت لم ينس بأن يخص \"إخوته\" الإسلاميين التهنئة. وكما ذكرنا آنفا فليس للإسلاميين في مصر أو السودان مبادئ ثابتة تحثهم على ردود أفعال ثابتة تجاه كل ما يتعرضون له خلال ممارساتهم السياسية حتى ولو جاءت من أقرب الأقربين إليهم. فلو كانت حقا هنالك مبادئ ثابتة لأتخذ الإخوان المصريون نفس الموقف المبدئي الذي أتخذه كل من البرادعي ورفعت السعيد حين اعتذرا عن مقابلة البشير ...ولكن البشير وإخوته المصريين تتطلع نظراتهم دوما إلى المستقبل وما يستوجبه من تحالفات ، يصوبون عليها سهامهم بدقة في منطقة تمور بالمتغيرات في كل يوم. لا يثنيهم شئ عن مقاصدهم. هذه المتغيرات التي تذكرنا بما كان يجود علينا به إعلام الإخوان من قناة الجزيرة القطرية التي كانت، وفي كثير من برامجها تحذر من أن \"الشرق الأوسط الجديد\" قادم لا محالة وبأن التغيرات ستطال الجميع. لم نكن ، ولقصور في إمكاناتنا التحليلية ، ندرك بأنهم – أي الإخوان المسلمين- هم من سوف يتولى تنفيذ هذا الدور، وبالتعاون مع من كنا نعتقد -معهم - بأنهم \"أعداء الأمة والإسلام\".هذا ما وضح ويتشكل الآن أمام أعيننا في ليبيا. تحالف غريب ومريب يجمع بين القوى الغربية الكبرى والإسلاميين (المعتدلين والقاعدة) و القوميين العرب. خلطة غريبة تتكالب الآن على فريستها (القذافي).ويبدو لي أن سهولة أو ضعف نظام القذافي هو ما أغرى كل تلك القوى لإظهار عضلاتها وإمكانياتها في تدميره كما بدأ واضحا في الظهور العسكري الأول لدولة صغيرة كدولة قطر. أما القطب الثاني في هذا التحالف فهو القاعدة ، والتي وجدت في الصحراء الكبرى خير ملاذ ، حيث توفر المنطقة المتدة لآلاف الكيلومترات وتتخللها المغارات والكهوف سهولة الحركة والاختباء مما يُصَعِّب مهمة تعقبها. فإشتد عضدها وقوى عودها في هذه المنطقة فأصبحت تتمتع بحضور مؤثر في النيجر وموريتانيا ومالي والجزائر وليبيا وتونس والمغرب دون خوف كبير من أخطار أمنية تتهددها، لأن المنطقة بأثرها تموج بالنزاعات بين الحكومات والجماعات المسلحة أو بين القبائل. في هذا الوضع المثالي وجدت القاعدة فرصتها في الدخول الى ليبيا ومساعدة الثوار الذين تضم صفوفهم الكثير من الجماعات الإسلامية (والتي تضررت كثيرا في السابق من بطش نظام القذافي). أما الغرب فبالرغم من عدائه لهذه الجماعات و(القاعدة)، إلا أنه غض الطرف تماما عن وجود عناصرها الكثيف في ليبيا (لحاجة في نفس يعقوب). إذن من المرجح أن يستمر الصراع في ليبيا فترة من الزمن الى أن يحسم لصالح الجماعات المدعومة من الغرب ومن بينها الجماعات الإسلامية. فإذا وضعنا في الاعتبار هشاشة الوضع (وضعفه) في كل من الجزائر والمغرب يمكن أن نقول بأن الاحتمال الأكبر هو عودة قوية للإسلاميين في الشمال الأفريقي باكمله. ماذا يعني ذلك لنا..؟؟ يعني بوضوح وجود حلفاء جدد لحكم البشير..!! لا أستبعد أبدا احتمال إعادة التحالف الذي كان قائما في تسعينات القرن الماضي بين البشير والقاعدة حتى يتهيأ ويتوفر أمان إستراتيجي لكليهما كل في منطقته الجغرافية. وبذلك تصبح الصحراء ، والدول التي تمر بها ، عرضة للتغيرات الكبيرة أو عدم الاستقرار لفترات طويلة من الزمن وكلا الوضعبن يفيدان القاعدة والبشير. من هنا تبدأ الأهمية الإستراتيجية للصحراء وساكنيها من العرب الرحل. ربما لا يعرف الكثيرون هنا مدى الارتباطات الكبرى التي تجمع بين أهالي الصحراء الرحل في مختلف الدول. فالصحراويون لا يحتاجون غالبا الى جوازات سفر في ترحالهم . إذ لا يعترفون بالحدود القائمة بين الدول . فالصحراوي السوداني مثلا يستطيع السفر من دارفور الى العيون في الصحراء الغربية المغربية دون أن يشعر بأنه غريب على كل البيئات التي يمر بها والتي ربما كان قاطنيها من معارفه أو تربطه بهم علاقات مصاهرة أو علاقات قبلية (قبيلة لها امتدادات في أكثر من دولة أو هاجر جزء منها إلى دولة أخرى.....الخ ).وأغلب هذه القبائل تدين بالإسلام لذا من السهل على القاعدة أن تجد لها ملجأ آمناً في مثل هذه البيئات. إذن من هم الرابحون والخاسرون في هذه المعمعة المرتقبة؟ بالطبع أهلنا في دار فور في قلق شديد من هذه التطورات. يفتح هذا التعاون الحالي بين الغرب والإسلاميين الطريق واسعا أمام القبائل العربية في أن تشتد حظوتها في المنطقة. وتبعا لذلك تكون الكثير من الدول الأفريقية قد وقعت في خط النار: تشاد ، النيجر ، نيجيريا ، مالي ، وربما بوركينا فاسو وموريتانيا ... في كل هذه الدول ربما ينهض \"جنجويدها\" في تحالف مع الإسلاميين المرتقبين في شمال أفريقيا لاستلام السلطة. هنا قد تصبح الحركات المسلحة كحركة العدل والمساواة لقمة سائغة في أيديهم ومن ثم فسوف يقبل الدارفوريون ،مكرهين، تحت هذه الضغوط الجبارة التي لا حول ولا قوة لهم بها، بأسوأ الحلول. وكما ذكرت من قبل فإن وضع المنطقة تحت لهيب الاضطرابات هو من مصلحة القاعدة والبشير.وأرجو أن لا تخدعنا المظاهر الحالية لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية في ليبيا التي يتظاهر بتفعيلها الغرب الآن مدعوما (ويا للسخرية ) بدولة قطر والإمارات. فالغرب يضرب وفي جعبته حساباته المستقبلية...هذه الحسابات التي ربما تضطره إلى التحالف مع الشيطان (القاعدة) لتحقيقها. وأولى هذه الحاجات هي تأجيج الحروب بين الفينة والأخرى. لم يعد خافيا على الجميع مدى أهمية إنتاج وبيع السلاح في الاقتصاديات الغربية. كما ان تنشيط الإنتاج في المصانع الغربية لا يقتصر على المصانع الحربية فقط . فصناعة طائرة أمريكية يشترك فيها عدد لا يستهان به من المصانع الأمريكية العسكرية والمدنية . وقس على ذلك بقية الصناعات الحربية. صناعة السلاح الأمريكي رافد مهم في الاقتصاد ولا يمكن أن يستغني رئيس أمريكي عن مساندة ودعم الصناعيين الأمريكيين مهما بلغت درجة ليبراليته. فعلى الرئيس الأمريكي إن أراد حقا أن يخفض من معدل البطالة المرتفع في بلاده، أن يدعم صناعة السلاح ولا يتأتي ذلك الا بافتعال الحروب (كاحتلال العراق بحجة امتلاكه اسلحة الدمار الشامل) أو تأجيج الصراعات عسكريا (كما هو الحال الآن في ليبيا)..إذن وجود منطقة نزاع وحروب مستقبلية تعيش وتزدهر لفترة من الزمن تصب في مصلحة المفترس الأمريكي ومن ورائه الثعالب الأوربية. وكما أوضحنا عاليه، فالإخوان المسلمون موعودون بغنائم كبيرة في دول الشمال الأفريقي لكن بشرط عدم الإخلال بالتحالف مع الغربيين. ونحن هنا في السودان نعي جيدا (إنبراشة) الإسلاميين أمام الغربيين ومدى التعاون الذي تم بينهم في المجالات العسكرية والأمنية.....وهذه من الأمور المتوقع تكرارها مع قبيلة الإسلاميين القادمين للسلطة في الشمال الأفريقي. لكن المستفيد الأكبر من الوضع الحالي هو دولة إسرائيل التي سوف تنعم بوجود الإسلاميين أمام ناظريها وهم على كراسي السلطة يقدمون أوراق السمع والطاعة للأمريكان - حسب شروطهم - والتي على رأسها أمن وسلامة إسرائيل. لكن بالرغم من الوعود والغنائم، فكراسي الحكم ليست وثيرة لمن يطلبها لفترات طويلة ، فهنالك الاقتصاد المتأزم في كل تلك الدول والإسلاميون لا يملكون برامج تعينهم على الخروج من الأزمات كما اتضح جليا من تجربة الإسلاميين الطويلة في السودان لكنهم في نفس الوقت بارعون في تفعيل مبدأ\"الحرب خدعة\" وافتعال الأزمات الداخلية ومن ثم النزاعات والحروب ...الخ. عليه أتوقع أن تمر المنطقة بدوامة طويلة من العنف وعدم الاستقرار الأمني والسياسي لا يعلم إلا الله إلى أين تقود....ولا نملك إلا أن نقول : \"الله يكضب الشينة\" .. خاتمة: آمل أن لا يكون المقال قد أظهر صورة سوداوية لمستقبل منطقة شمال وغرب أفريقيا والسودان وتجاهل أو عجز عن تبيان إمكانات الشعوب ومقدراتها على التغيير (كما فاجأتنا بذلك الأحداث في دولة مصر). كما أن الأوضاع السياسية في العالم ليست على درجة من الثبات حتى في أوربا وأمريكا. كل امل أن يكون المقال فاتحة لنقاش مثمر من قبل المهتمين. نحن هنا في السودان في حاجة ماسة لقراءة الأحداث التي تمر بنا قراءة واعية ومن ثم الاعتبار لما يمكن أن تؤل إليه الأحداث المتسارعة من حولنا.