[email protected] المشهد الاول رواه لي أحد اقاربي وهو يأخذ الخالة خديجة للمستشفى , سأل الطبيب الخالة خديجة : \" كم عمرك يا والدة؟ \" , فردت في صوت خفيض وهي تنظر إلى الأرض بأغرب إجابة \" إممم \" \" هل هو أربعون ؟ \" أجابت \" إممممم \" سأل مجدداً \" هل هو إثنان و أربعون ؟ \" لم تحرك ساكناً وببرود و إصرار وبنفس الإستكانة و المسكنة قالت \" إممممممم \" بدأ على الطبيب الإمتعاض و الحيرة فهو لم يدرك سر الإجابة , هل هي دعوة من الخالة للإستنتاج أم دعوة لتقدير اقل سن يمكن ان تحصل عليه من الطبيب ؟! قال الطبيب في إستسلام : \" خلاص يا والدة نقول خمسة وأربعين \" ولا بد أن الخالة شعرت بالإنتصار و قد تجاوز الطبيب في تقدير سنها عشرين عاماً , ونتيجة لهذه الغبطة سيكون الطبيب ناجحاً في نظرها ولن تتردد في معاودته إذا ألمت بها أي وعكة مستقبلاً . و مشهد آخر روتهُ لي إحدى الطبيبات ( أخصائية أمراض نساء ) و قد دخلت عليها إمراة تشكو عدم الإنجاب وكان جلياً أنها تجاوزت السن القانونية للإنجاب مع العلم أنها تزوجت حديثاً وكانت قد ذكرت أنها تبلغ السابعة والعشرين من عمرها وعندما حانت لحظة إعطاءها العلاج في محاولة للتحايل على قوانين الطبيعة ذكرت لها الطبيبة انها لا بد أن تعطيها سنها الحقيقي لأن كمية العلاج و مفعولهِ يعتمدان على العمر فردت بان عمرها الحقيقي هو واحد وثلاثون عاماً , عندها حدجتها الطبيبة بنظرة ضيق وإمتعاض ، فقالت خمس و ثلاثون عاماً بادرتها الطبيبة بالقول : \" يا مدام ممكن تراجعي طبيب آخر لأنني لا استطيع إعطاءك اي علاج \" فاحتدت المراة قائلة : \" والله فوق السبعة وثلاثين ما ازيدك يوم \" . أندهِش من تمسكنا بالصِبى والشباب وإصرارنا على إخفاء حقيقة عمرنا بالتأكيد هي فطرة جُبلنا عليها كما إعتدنا أن نفقد متعتنا بحاضرنا ونتباكى على ماضينا وكأن هذا الحاضر عدوٌ لنا ولكن أن يصل بنا التصابي لدرجة أن نُضحي بعافيتنا حتى نبدو أصغر سناً في نظر الآخرين فهذا شئٌ عُجاب , لربما يعز علينا أن نسمع الحقيقة وهي تقال بافواهنا مُقرِين بذلك أمام أنفسنا اولاً وداعنا للنضار و البهاء وفورة الشباب و رضاءنا بمشى الزمان فينا وترك آثاره على أجسادنا وارواحنا معاً . ولا أنسى يوماً قبل سنوات ولم يختمر بداخلي النضج كما هو عليهِ الآن وانا أشاهد تمثيلية تلفزيونية عن أبن زيدون وولادة بنت المستكفئ وكان المشهد الذي أبكاني وهز وجداني عندما إلتقى ابو نواس ولادة وهما في خريف العمر وقد قام بدور البطولة جمال سليمان و سوزان نجم الدين \" النجمان السوريان المعروفان\" وقد تم اللقاء بعد سنوات عديدة من الفراق فرفضت ولادة مقابلة ابو نواس وعندما الح عليها وسألها لماذا رفضت اجابته بانها لم ترد أن يراها وقد هرِمت وأصبحت عجوزاً شمطاء وكانت تفضل ان يحتفظ لها بتلك الصورة القديمة وهي في ريعان الشباب , لقد تأثرت كثيراً بإجادة تمثيل النجمين السوريين و بكيت أكثر للدمار الذي فعله الزمان بولادة وابن زيدون ولعنت حينذاك سنسفيل الزمان الذي ذهب بالحب و الجمال ولم يترك شيئاً و تسآلت حينها \"ماذا يتبقى منا بعد ان نذهب ويخبو كل إنفعال وتموت لحظاتنا وتنتهي ايامنا فلا يتبقى لنا اثر؟\" إستمر هذا السؤال بداخلي طويلاً وحاولت حل معادلة الزمن والتوصل للمطلوب إثباتهِ من أزمة العمر ؛ وجدت أن هذه سنة الله فينا وشريعة الحياة أن يكون لنا كما لغيرنا بدايات ونهايات الخيار يكون فقط متعلق بكيفية ملأ الفراغ بين كل بداية ونهاية وترك بصمتنا فيكون الأثر ذكرى يحملها القادمون بعدنا كما سطر أبن زيدون ذكرى ولادة عشقاً ...... الرضا بواقعنا جميل والأجمل أن نرى الجمال بكل شئ و أن ننقل تجاربنا لغيرنا ونحن نتقدم بالعمر ونحس النعم التي أسبغها علينا الكريم الجَواد فنحاول فهم الحياة بمنظار يتجدد مع تقدمنا بالعمر فحقيقته شبح لا يبدو إلا لمن يخشاه ومن حولنا لا يهتمون لأعمارنا بقدر ما ينتظرون إهتمامنا بهم, مربط الفرس هو دائماً الكيف وليست الكم , فلكل منا أن يسال نفسه فيما أفنى عمرِه قبل أن يُسال...!!!!