زمان مثل هذا وزير (فوق العادة) الصادق المهدي تابع الناس خلال الأيام الفائتة جدلاً كثيفاً بين وزير الزراعة ونائب رئيس المجلس الوطني تمحور حول (عدم امتثال المتعافي لاستدعاء المجلس). هذه هي الصورة التي ظهرت أمام المواطنين... وبالطبع فالصورة ليست كاملة... فالذين يختصمون على صفحات الصحف يلتقون مساءً في مباني المؤتمر الوطني يرتشفون الشاي... ولكنّ القصة لها أبعاد أخرى نحاول أن نرسم بها الصورة الكاملة. فالدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافي ليس دستورياً عادياً حيث لم يكن في يومٍ من الأيام (وزيراً) عادياً... ولا (والياً) عادياً. وحينما جاء والياً للخرطوم للمرة الأولى... أدى كل الطاقم الوزاري والولاة القسم أمام السيّد رئيس الجمهورية... إلا المتعافي تأخر أداؤه للقسم ليومٍ واحدٍ فقط. لكنّ ذلك اليوم كان كافياً لكي يتبيّن مواطنو الخرطوم أنّ واليهم القادم كان والياً (فوق العادة)... فقد سربت مجالس المدينة أنّ المتعافي رفض أداء القسم حتى يُعلِم الرئيس البشير انّه ليس والياً عادياً مثل بقيّة الولاة... بل هو والي (استثماري)... يملك العديد من المشاريع الاستثمارية. وقال المتعافي إنّه لن يستطيع ترك تلك الاستثمارات لأنّها تمثل بالنسبة له (أكل عيش).. وقيل أنّ الرئيس وافق وقتها على تعيينه والياً (فوق العادة) وفق شروطه الاستثمارية. وحينما تمّ افتتاح كوبري المك نمر، قال الرئيس في حفل الافتتاح وعلى أثير الإذاعة وفضاءات القناة السودانية أنّه (يُشهِدُ الله ويُشهدُ الحاضرين أنّه راضٍ عن المتعافي). هذا الرضا الرئاسي لا يتوفّر لمعظم الدستوريين الذين نراهم على المسرح التنفيذي... وهو رضا يوفر (ماكينة) أكبر من الماكينة التي يتحرّك بها بقيّة الدستوريين... في الأسبوع الفائت حاول المجلس الوطني الدخول في (صراع إرادة) مع وزير الزراعة... فاستدعى المتعافي في قضيّة فساد زراعي... تحديداً فساد تقاوي زهرة الشمس. على مستوى المجلس الوطني تولّى الصراع السيّد هجو قسم السيّد نائب رئيس المجلس بينما وقف الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس بعيداً عن دائرة الصراع والضوء (بحكم الخبرة). وزير الزراعة انسرب مسافراً إلى كردفان مع نائب الرئيس... وبعد عودته قال بابتسامته الساخرة أنّه لم يستلم استدعاءً من المجلس .. بينما قال هجو للصحفيين إنّ البرلمان لديه مُستندات تثبت أنّ وزراة الزراعة استلمت الاستدعاء الذي قدّمه المجلس للوزير... لكنّ الوزارة عادت، وأكدت أنّها لم تتسلم استدعاءً من المجلس (ونكورك ليكم ما تجو.. نجوكم تكوركو). بعض أعضاء المجلس الذين يعتقدون أنّ (الأشياء هي الأشياء) غضبوا مما أسموه باستخفاف المتعافي بالجهاز التشريعي... وهددوا وتوعّدوا... ثُمّ رجعوا إلى بيوتهم وناموا في ذلك المساء راضين عن أنفسهم. ساحة الصراع هي الصحف... وهي التي (تذكي) النار، وتذهب إلى المتعافي حاملة تهديد نائب البرلمان... وتسرع إلى البرلمان حاملةً أقوال الوزير... لكن ليست كل الصحف محايدة في صراع الإرادات هذا. لكنّ المحصلة النهائية هي أنّ البرلمان سيخسر المعركة مثلما خسرها ذلك الوعل (كناطحِ صخرةٍ يوماً ليوهنها/ فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعلُ)... فالمتعافي أكبر من أن يحاول البرلمان الصراع معه. التيار