ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    مروحية الرئيس الإيراني تتعرض لحادث.. وعلى متنها عبد اللهيان أيضاً    عقار يؤكد ضرورة قيام امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في موعدها    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة.. والمحاكم الدولية
نشر في الراكوبة يوم 19 - 11 - 2010

يستعر حاليا السجال في لبنان حول مدى نزاهة عمل المحكمة الخاصة بلبنان، التي أنشأتها الأمم المتحدة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ويتساءل كثيرون عن مدى ارتباطها أو استقلالها عن السياسة. فبينما تجزم قوى 8 آذار، الموالية لسورية، أن المحكمة مسيسة مائة في المائة وتدعو إلى التخلي عنها والاستعاضة عنها بالقضاء اللبناني، تتمسك بها قوى 14 آذار، من بين قادتها نجل الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الحالي سعد الحريري. وكما تقول قوى 14 آذار، فإنها تتمسك بها تحقيقا للعدالة وإيمانا منها بفعالية القضاء الدولي. ومؤخرا وخلال زيارته إلى موسكو، سمع الحريري من المسؤولين هناك دعم روسيا للمحكمة الخاصة بلبنان، دعما عبرت عنه معظم الدول، بينما تفادت دول أخرى التعبير عن شكوكها حيال ما يسود التحقيق الدولي في قضية الحريري من تدخلات سياسية، وما ساد وقد يسود أي تحقيق دولي لتداخل السياسة الدولية بالقضاء الدولي إلى حد بعيد.
قد يلخص ما قاله مرة الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان، في كلمة ألقاها عند إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جدوى المحاكم الدولية وضرورتها على الرغم من كل ما قد يشوب عملها من شوائب وما للسياسة من دور مؤثر على تشكيلها وقراراتها، وقال فيها: «اعتقد الكثيرون أن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية من مخيمات وحشية، وإبادة، ومحارق، لا يعقل أن تحصل مجددا، لكنها، على الرغم من ذلك حصلت في كمبوديا وفي البوسنة والهرسك وفي رواندا، لقد أظهر لنا هذا الزمان، بل هذا العقد أن قدرة الإنسان على فعل الشر لا حدود لها».
ولعل استعراضا لتاريخ المحاكم الدولية أكبر دليل على أنه وعلى الرغم من مرور عقود من الزمن، فالتحديات التي تواجه القضاء الدولي واحدة والمآخذ عليه هي هي. وتعد اليوم المحكمة الخاصة بلبنان المحكمة الدولية الأحدث، ولا شك في أن نظامها وهيكليتها تعكس التطور الذي شهده القضاء الدولي على مر السنين. فهي المحكمة الأولى من نوعها التي تحقق في جريمة اغتيال، وهي أيضا الأكثر إثارة للجدل عن مدى تداخل السياسة بالعمل القضائي الدولي وجدوى تخطي القضاء المحلي للجوء إلى المؤسسات الدولية.
ويوضح القانونيون الدوليون أن اللجوء إلى القضاء الدولي ضرورة حين لا يكون القانون المحلي والمؤسسات القضائية الوطنية قادرة على محاسبة مرتكبي جرائم كبرى، وذلك بسبب تفكك الدولة ومؤسساتها أو عدم قدرة المؤسسات القضائية على القيام بدورها، عندها تقر الحكومات المحلية بالصعوبات التي تواجهها وتطلب مساعدة مجلس الأمن، وقد يتحرك هذا المجلس تلقائيا عندما يعتبر أن ما يحصل في مكان ما، جرائم تهدد السلم الأهلي أو الدولي.
ويشدد الأستاذ الجامعي في القانون الدولي فادي فاضل، ل«الشرق الأوسط»، على أن قرار إنشاء أي محكمة دولية هو قرار سياسي محض، إلا أن المسار الذي تسلكه هذه المحكمة يتوجب أن يكون قضائيا صرفا. ويقدر الباحثون أن فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي تعود جذورها إلى عصور تاريخية قديمة، وبالتحديد للتاريخ المصري القديم أي عام 1286 قبل الميلاد. ويحكى أن ملك بابل نبوخذ نصر حاكم ملك يودا المهزوم سيد بيترياس، كما جرت محاكمتان: الأولى في نابولي عام 1268 بعد الميلاد، والثانية في إقليم الراين، أعدم على أثرها أرشيدوق النمسا.
وكان غوستاف مونييه، أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1872، أول من نادى بضرورة إنشاء واستحداث محكمة جنائية دولية لمنع مخالفة اتفاقية جنيف لعام 1864 الخاصة بمعالجة جرحى الحرب. وشكلت الحرب العالمية الأولى محطة رئيسية لحض المجتمع الدولي على اللجوء إلى محكمة دولية تعاقب على جرائم الحرب، خاصة أن ما يفوق العشرين مليون شخص لاقوا حتفهم نتيجة المجازر التي ارتكبت خلالها. ولاقت الدعوات إلى استحداث محكمة جنائية دولية صدى في معاهدة فرساي في عام 1919، التي حضت على تشكيل هكذا محكمة لمحاكمة الإمبراطور الألماني السابق غليوم الثاني. وكان لعصبة الأمم دور أساسي للدفع باتجاه اعتماد قضاء دولي للتحقيق في جرائم الحرب، إذ نصت المادة (14) من عهد العصبة على أن يتولى مجلس العصبة مشروع إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة وعرضه على الدول الأعضاء، وبموجب ذلك تألفت لجنة استشارية من قبل مجلس العصبة، تأخذ على عاتقها مهمة تقديم المشروع لتأسيس المحكمة. ولم يكتب لأي تحرك من هذا القبيل النجاح حتى وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. فبعد استسلام ألمانيا، ثم اليابان، تبنى مؤتمر لندن تشكيل محكمة عسكرية عادلة لمحاكمة مجرمي الحرب.
وقد عقدت هذه المحكمة جلساتها في مدينة نورمبرغ الألمانية الجنوبية، التي كانت المركز الرئيسي للحزب النازي، وحكمت هذه المحكمة بالإعدام على عدد من القادة النازيين الألمان، أمثال المارشال هرمان، وفون وينشيروب، وألفرد روزنبورغ، وغيرهم من القادة والزعماء الألمان الذين كانوا مسؤولين عن سلسلة من المذابح وأعمال القتل الجماعي. وقد انتحر آخر سجين نازي أمام هذه المحكمة عام 1987.
أما في ما يتعلق باليابان، فقد أصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان، بتاريخ عام 1946، قرارا بإنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين عن الجرائم والمجازر التي ارتكبوها، وقد أطلق على هذه المحكمة اسم «محكمة طوكيو». وقد أصدرت هذه المحكمة في عام 1948 عدة أحكام، منها 6 أحكام بالإعدام.
واعتبرت محكمتا ألمانيا وطوكيو استكمالا لانتصار «الحلفاء» في الحرب العالمية الثانية، إذ إنه وعلى الرغم من إلقاء الولايات المتحدة الأميركية بقنبلة ذرية أولى على مدينة هيروشيما عام 1945، قضت على 180 ألف نسمة من مجموع 340 ألف نسمة (أي أكثر من نصف سكان المدينة)، وبقنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي أودت بحياة 8 آلاف ياباني - فإنه لم تشكل أي محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الأميركيين أو البريطانيين أو الفرنسيين عن الجرائم التي ارتكبوها، سواء في ألمانيا أم في اليابان.
وفي التاريخ المعاصر، وبغياب محكمة جنائية دائمة، ومع استمرار المجازر وجرائم التطهير العرقي واستفحالها، وجد مجلس الأمن الدولي نفسه مضطرا لتشكيل محاكم خاصة ومؤقتة لمعاقبة مجرمي الحرب. وكرد فعل على الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، التي جرت على أراضي يوغسلافيا السابقة والتي اتخذت أشكالا وحشية مختلفة: فمن جرائم تطهير عرقي، إلى الإبادة الجماعية والاغتصاب المنظم والمجازر والتعذيب وصولا لإبعاد المدنيين الجماعي - تحرك مجلس الأمن في عام 1993 وأصدر قراره رقم 808 القاضي باستحداث محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في أراضي يوغسلافيا السابقة في عام 1991. وبموجب هذا القرار، تم تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة، حيث اعتمده المجلس بقراره المرقم 827 في 25/5/1993. واتخذت هذه المحكمة إجراءات ضد ما يزيد على 100 شخص من المشتبه في أنهم ارتكبوا جرائم في تلك المنطقة. وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين وجهت إليهم المحكمة اتهامات لا يزالون أحرارا، فقد قرر مجلس الأمن الدولي أن ينتهي عمل المحكمة في عام 2010.
ومن المآخذ على هذه المحكمة أنه وعلى الرغم من الانتهاكات التي ارتكبت من قبل حلف الناتو أثناء الحملة الجوية على يوغسلافيا عام 1998، فإن المحكمة الدولية لم تلفت النظر إلى مثل هذه الانتهاكاتوالكوارث، بحيث أخذ المدعي العام للمحكمة بتوصية غير ملزمة أصلا للجنة التحقيق التي كان قد شكلها في 14/5/1999 بعدم تحريك دعوى، بسبب عدم الوضوح في القانون.
ويوضح القانوني الأب فاضل أن محكمة يوغوسلافيا شكلت كأداة سياسية من قبل أميركا للضغط على أصحاب القرار في يوغوسلافيا، إلا أنها وبعد وضع نظامها الخاص وقيام كيانها المستقل، أصبحت مستقلة تماما عن أي تدخلات سياسية ويضيف: «لا ننكر أن المدعي العام حينها تعرض لضغوطات للإسراع بإصدار القرار الظني وتنفيذه، ولكن - وبشكل عام - يمكن القول إنه ومع محكمة يوغوسلافيا بدأت المحاكم الدولية تأخذ جزءا كبيرا من الاستقلالية القضائية».
وفي عام 1994 وإثر المجازر التي شهدتها رواندا في أفريقيا إثر خلاف عرقي وما جرى فيها من جرائم قتل وتنكيل جماعي ارتكبت من قبل «الهوتو» وحصدت أرواح أكثر من مليون ونصف المليون شخص من قبائل «التوتسي والهوتو» - شكل مجلس الأمن لجنة من الخبراء للتحقيق في الجرائم المرتكبة في رواندا بموجب قراره المرقم 935 عام 1994، باعتبار أن الحالة في رواندا تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وقضى القرار بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة للنظر في جرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة الجنس البشري. وضمت محكمة رواندا نحو 16 قاضيا و800 عامل، وهي وحتى نهاية مارس (آذار) عام 2003 أصدرت 10 أحكام تتراوح بين السجن مدى الحياة والبراءة.
وفي محطة مفصلية على صعيد القضاء الدولي، وفي 17 يوليو (تموز) 1998، وافقت 120 دولة في اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة في إيطاليا على ما يعرف بميثاق روما، واعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وعارضت هذه الفكرة7 دول، وامتنعت 21 عن التصويت. وتأسست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية في الأول من يوليو 2002 بموجب ميثاق روما، الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل (نيسان) من السنة نفسها، بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه 60 دولة. وصادقت حتى الآن على قانون المحكمة 108 دول. وتختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. وتنظر المحكمة الآن في أربع قضايا، ثلاث منها أحالتها إليها دول صادقت على المحكمة، وتتهم أشخاصا بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية على أراضيها، وهي الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وأوغندا، والقضية الرابعة أحالها إلى المحكمة مجلس الأمن، متهما فيها الرئيس السوداني ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم مماثلة في إقليم دارفور غرب السودان.
وقد سعت الولايات المتحدة إلى معارضة تأسيس محكمة دولية جنائية دائمة، إلا أنها فشلت في ثني المجتمع الدولي على المضي في هذا الطريق. فاضطرت إلى التوقيع في اللحظات الأخيرة قبيل إغلاق باب التوقيع في يوم 31/12/2000، لكنها بعد ذلك امتنعت عن التصديق عليها. وتعتقد واشنطن أن من الأفضل في كل الحالات اعتماد الهيئات القضائية الوطنية لمحاكمة جرائم الحرب ومساعدتها، إن اقتضت الضرورة للقيام بمهماتها، وإن لم يتسن ذلك فمحاكمة مثل محاكمات يوغسلافيا ورواندا تصبح ممكنة، وولايتها محدودة وزمنها مرتبط بحدث محدد وبقرار محدد.
أما في ما يخص قضية السودان، فقد شكل الأمين العام للأمم المتحدة «لجنة التحقيق الدولية» حول دارفور بموجب قرار من مجلس الأمن. وقد ثبت لهذه اللجنة أن أطراف النزاع في دارفور انتهكوا القانون الدولي وحقوق الإنسان. وبناء على ذلك، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1593 بموجب الفصل السابع القاضي بإحالة الواقعة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي سابقة قانونية ضد رئيس دولة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور، وهو ما ينفيه الرئيس السوداني بشدة. ويتجول البشير حاليا في العالم غير آبهٍ بالقرار الصادر عن المحكمة.
ويشرح الأستاذ الجامعي في القانون الدولي فادي فاضل ل«الشرق الأوسط»، عدم قدرة المحكمة الجنائية على إلقاء القبض على البشير بأن «نظام هذه المحكمة الذي يلزم فقط الدول الموقعة على اتفاقية روما تنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة، وبالتالي فالرئيس السوداني زار مصر، إثيوبيا وليبيا وهي دول غير موقعة على الاتفاقية» ويضيف: «لكن زيارته لكينيا شكلت انتهاكا للقانون الدولي، كونها دولة تقر بنظام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن وكما نعلم أن السلطة السياسية الاستنسابية تتحكم في مجلس الأمن».
وتعتبر اليوم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أحدث محكمة دولية وهي فريدة من نوعها، كونها الأولى التي تحقق في جريمة اغتيال. وكانت الحكومة اللبنانية قد طلبت في الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول) 2005 من الأمم المتحدة إنشاء محكمة خاصة ذات طابع دولي، من أجل محاكمة جميع المسؤولين المزعومين عن اعتداء الرابع عشر من فبراير (شباط) 2005 في بيروت، الذي أودى بحياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واثنين وعشرين شخصا آخر. وعملا بقرار مجلس الأمن 1664 (2006)، تفاوضت الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية على اتفاق إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. وبعد صدور القرار 1757 (2007) عن مجلس الأمن بتاريخ 30 مايو (أيار) 2007، دخلت أحكام الوثيقة المرفقة بالقرار والنظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان المرفق بالقرار أيضا، حيز النفاذ بتاريخ 10 يونيو (حزيران) 2007. وتطبق المحكمة الخاصة القانون الوطني. إذ إن النظام الأساسي ينص على أن المحكمة الخاصة يجب أن تطبق أحكام القانون الجنائي اللبناني الخاص بقواعد إجراء المحاكمات والعقوبات المفروضة على الأعمال الإرهابية والإجرامية والاعتداء الذي يهدد الحياة والسلامة الشخصية من جملة أعمال أخرى.
وتعتبر مسؤولة مكتب التواصل الخاص بالمحكمة الدولية في بيروت، وجد رمضان، أن التحدي الأكبر الذي يواجههم اليوم هو اعتبار البعض أن المحكمة الخاصة بلبنان «مفروضة عليهم» أو حتى «سياسية». وتقول ل«الشرق الأوسط»: «كما هناك تحد آخر ينبع من حقيقة أن الجمهور اللبناني متطلب للغاية، عندما يتعلق الأمر بالحصول على المعلومات حول عمل المحكمة. إن المجتمع اللبناني متنوع ومتطور. كثير من الناس مهتمون ويتابعون أعمال المحكمة، وهكذا، وفي هذا الصدد، يتعين علينا دائما أن نكون حاضرين وعلى استعداد للاستماع إلى احتياجات مختلف الجماهير المهتمة بالأمر». وتضيف رمضان: «أهم شيء على اللبنانيين أن يدركوه، برأينا، هو أن هذه المحكمة هي محكمتهم وليست (هيئة أجنبية) – هناك قضاة لبنانيون وغيرهم من المهنيين يعملون في المحكمة، وأن هذه المحكمة تطبق القانون اللبناني، ويدفع لبنان 49 في المائة من الميزانية. وأخيرا - أنشئت هذه المؤسسة لتتحدى الإفلات من العقاب ولتعزيز سيادة القانون في لبنان. ولهذا السبب، ينبغي للبنانيين أن يشاركوا في عمل المحكمة الخاصة بلبنان وأن يشعروا بأنهم يملكونها».
وعن كيفية تحضر جسم المحكمة لإصدار القرار الظني تقول رمضان: «نحن نتحضّر بأن نضمن بأن الجمهور اللبناني لديه أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الإجراءات الجنائية المتبعة أمام المحكمة الخاصة بلبنان، وخاصة حقيقة أن قرار الاتهام هو فقط بداية الإجراءات، وليس النهاية. من المهم جدا على الناس في لبنان أن يدركوا أن القضاة سيتخذون قرارا بشأن براءة أو ذنب الأشخاص المتهمين، بعد الاستماع إلى جميع الأدلة المقدمة، عن طريق كل من الادعاء والدفاع، وفقط إذا كانوا مقتنعين فوق أي شك معقول».
وترى وحدة العلاقات مع الإعلام التابعة لمكتب المدعي العام، أن ما تعرض له بعض المحققين الدوليين من ضرب في ضاحية بيروت الجنوبية، من قبل بعض النسوة «محاولة مخططة ومتعمدة لعرقلة العدالة».
ومن جهتها، تشدد رمضان في ما يخص إمكانية رفض السلطات اللبنانية التعاون لتسليم من يتهمهم المدعي العام، على أن «المحكمة لا تتكهن حول الأحداث في المستقبل، ولكن من الجدير بالذكر أن التعاون مع السلطات اللبنانية كان جيدا حتى هذه النقطة. ومن المهم أيضا أن نلاحظ أن الدعوى الغيابية هي إمكانية في كل لبنان وفي المحكمة الخاصة».
ويعتبر القانوني الأب فاضل أن «خصوصية محكمة لبنان أنها غير ملزمة للدول، وهي فقط خاصة وتلزم الدولة اللبنانية. كما أن (المحاكمة الغيابية) التي ينص عليها نظامها الداخلي - قد تشكل في وقت من الأوقات مفتاحا لتثبيت الاستقرار الهش لبنانيا».
ويبقى تسييس القرارات الصادرة عن أي محكمة دولية هاجسا لدى شعوب العالم، وهنا يشدد القانوني الأب فاضل على أن لشخصية المدعي العام الدور الأساسي في هذا الصدد، فهو إما يرضخ للابتزازات السياسية أو يكون ذا مناعة على كل ما يتعرض له فيتصرف بمهنية مطلقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.