الفول فولي..!!! صلاح الدين عووضة بقدر ما كان الإسبوع المنصرم مُحزِناً بالنسبة لي على الصعيد السياسي نظراً لأحداث أبيي فقد كان مُفرِحاً لي على الصعيد الشخصي.. وهذا الذي أفرحني قد يبدو مضحكاً في نظركم لإنخفاض سقوف المفرحات في حياتي قياساً إلى آخرين ك (الجماعة) مثلاً ممن لا يسعدهم إلا ما كان في مستوى فيلاّ، أو فارهة، أو (ذات أصفار).. ففي مطلع الاسبوع تلقيت هدية من الأخ العزيز محمد حسن قُرناص بحلفا الجديدة عبارة عن عسل ومِش وجبنة مُضفّرة.. وفي ختام الإسبوع كان لي موعد مع هدية أخرى من زميل الدراسة ورفيق الصبا الفاتح شمت.. والأخيرة هذه قد يضحككم الافصاح عنها ما لم تتريثوا لتقفوا على سرّها (الباتع).. وقبل أن نكشف عن فحوى هذه الهدية نعود بكم للوراء قليلاً الى زمان أثيرت فيه قضية ظاهرة الهذيان التي تفشت بين سكان بعض قرى المناطق النوبية بالشمال الأقصى.. فقد قيل آنذاك تفسيراً للظاهرة أن المحاصيل الزراعية خالطها نبات الخشخاش فأدّت بآكليها إلى أن (يهضربوا) و(يخطرفوا) و(يهزوا).. فشككنا نحن في هذا التفسير إلا أن تكون هنالك أيادٍ قد تعمدت ذاك (الخلط) حتى (تختلط) الأمور على أبناء المنطقة فلا يعودون من ثَّم قادرين على التمييز بين سد كجبار و(سد الحنك).. ولكن يبدو الآن أن للقصة (سراً) آخر لا نعلمه وذلك في ضوء ما سنرويه الآن عن هدية الفاتح شمت.. فقد تلقى الفاتح مكالمة هاتفية تفيد أن كبيراً في (العيلة) في حالة احتضار، وأن عليه الحضور إلى (البلد) على وجه السرعة.. وكان الكبير هذا قد (أضرب) عن أكل الفول فجأة دونما سبب معروف وأقسم (رأسه والف سيف) أن لا يتناول إلا لحماً في الوجبات الثلاث.. وحين وصل الفاتح إلى هناك وجد الأهل في حالة ترقب لوفاة الكبير لينقلب الفرح بالزواج المرتقب لإحدى بنات (العيلة) إلى ما يشبه المأتم.. وفي يوم فاجأ الكبير أفراد العائلة وأهل البلدة أجمعين برغبته في أكل الفول بعد طول صيام حتى عن اللحمة.. فظنوه يهذي بادئ الأمر سيما وأن ظاهرة الهذيان لم تتلاشَ آثارها بعدُ ولكنهم أحسوا بصدق رغبته في الفول بعد أن كاد يصيح فيهم: (الفول فولي).. وما أن أصاب الكبير من الفول حتى دبَّت في جسده المنهك العافية وطفق يتفحص ملياً وجوه المحيطين به دون أن ينبس ببنت شفة.. ثم بعد وجبة الفول الثانية أخذ يحرك لسانه بتحايا مقتضبة خص بها الذين قدموا من سفر ومنهم صديقنا شمت.. أما بعد الوجبة (الفولية) الثالثة فأدهش أفراد أسرته بإصراره على إتمام مراسم زواج البنت التي أشرنا إليها، مساء اليوم التالي.. وكان حفلاً حسب الفاتح شمت لم تشهد البلدة مثيلاً له منذ أمد بعيد.. وهذا السر (الباتع) لآخر ما جادت به أرض (البلد) من فول هو الذي حدا بالفاتح إلى أن يهدي لنا أنا وصديقنا صدقي فهمي بعضاً منه.. وحين أخذ الفاتح عينة من هذا الفول ل(يُشمِّمني) رائحته صحت وإياه في آن واحد: (كوركتِّي دا).. فقد كانت رائحة الأرض الطيبة لا تزال عالقةً به.. وبما أن بلادنا موعودة بأيام أشد ضنكاً حسب خبراء الاقتصاد فإن إستهدافاً جديداً قد يتعرض له النوبيون مصوَّباً نحو ما تُنبت أرضهم من بقل وقثاء وفوم وعدس وبصل.. و(بالذات) الفول هذا بعد الذي ذكرنا.. وليكن شعارهم الذي يواجهون به شعار أصحاب (الكِسرة) هو ذاك الذي واجهت به الدجاجة الصغيرة الحمراء مُساكنيها (الإنتهازيين).. الشعار الذي تقول كلماته: الفول فولي.. زرعته وحدي.. وحصدته وحدي.. وسآكله وحدي.. اجراس الحرية