حروف ونقاط شدوا الأحزمة النور أحمد النور حذر صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي، الخرطوم بأنها ستواجه «صدمة دائمة» بعد انفصال جنوب السودان رسميا في يوليو المقبل، ودعاها إلى تبني « تدابير عاجلة»، ورسم الصندوق توقعات قاتمة عن وضع الاقتصاد بسبب فقدانه موارد النفط مما سيؤدي إلى اختلالات داخلية وخارجية، خاصة أن عائدات النفط تشكل أكثر من نصف عائدات الحكومة، وتشكل نسبة 90 في المائة من الصادرات،كما صدرت توقعات مماثلة من محافظ البنك المركزي السابق صابر محمد الحسن، خصوصا حول الصدمة التي اعتبرها «مستديمة». وزير المالية علي محمود، قال في حوار نشرته الزميلة «السوداني» أمس ،اتسم بالشفافية ، ان الحكومة تتحسب لفقد 36 في المئة من عائدات النفط، مما سيحدث أثرا في إيرادات الموازنة العامة ، وميزان المدفوعات، ولمواجهة ذلك أقرت ترتيبات لتحقيق استقرار اقتصادي عقب انفصال الجنوب تستند على التقشف ومنع الندرة عبر توفير السلع الاستراتيجية لستة أشهر على الأقل، وخصوصا القمح الذي نستورد 84 في المئة مما نستهلكه. وزير المالية لم يتجمل ولم يسرف في التفاؤل بأن هذه التدابير ستمتص الصدمة وتوقف التصاعد في أسعار السلع الأساسية «الخبز، والأدوية، والسكر، وزيوت الطعام و مشتقات النفط». وإذا رصدنا معدلات التضخم خلال السبعة الأشهر الماضية فهي في تصاعد مستمر حتى بلغت 16 في المئة الشهر الماضي، رغم أنها خلال السبع سنوات الماضية كانت تتراوح مابين 6 و9 في المئة. الأمر الذي ينذر بأن ارتفاع أسعار السلع والخدمات سيمضي في خط تصاعدي إلى مدى لا يمكن التنبوء بمآلاته في حال استمر بهذا المنوال، وإذا كانت نسبة الفقر المدقع 13 في المئة، والفقر العام 46,5 في المئة حسب دراسة رسمية، فان الطبقة الوسطى التي تراجعت تحت عجلة اقتصاد السوق ستسحق وتتلاشى، لأن مستوى الدخول لن يواكب قفزات الأسعار،وستزيد الهوة بين «ناس فوق» و»المعذبين في الأرض». قادة الدولة والحكم ينبغي أن يضربوا المثل في شد الأحزمة وربط البطون وتبني التقشف بطريقة حقيقية وليست شكلية،ويبدو أن هناك من بادروا استشعاراً لضرورات المرحلة ، فمحافظ بنك السودان الجديد محمد خير الزبير طلب خفض مخصصاته بنسبة 40 في المئة ، ويحكي موظفون في البنك أنه أصيب بالدوار عندما جاءه من يحمل صكا بمئات الملايين «بدل لبس» عقب توليه المنصب، فحمله جريا إلى نافذ في الدولة جزعا، وقال له لقد منحوني مبلغا يشتري لي ولأسرتي وموطني الحي الذي أسكنه ملابس لسنوات..، فمراجعة مرتبات ومخصصات قيادات المؤسسات العامة الذين يعملون بقانون خاص في مصارف وشركات حكومية خطوة في الاتجاه الصحيح،ولكن يا وزير المالية، لا أظنك ستستطيع مراجعة ما يصرف من «المال الخاص» في وزارات ومؤسسات وهيئات عامة، وهو مال عام وضخم وليس بخاص ولكن يمنح اسما يحميه من المراجعة ،لأنه غير محدد ولا تحكمه لوائح مالية أو ضوابط محسابية. المعادلة الاقتصادية التي تحقق توازنا اقتصاديا معروفة،خفض الإنفاق وترشيد الصرف عبر إعادة هيكلة الدولة وإزالة الاختلالات وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية بوقف استيراد السلع غير الأساسية،وزيادة الإنتاج ومضاعفة تصدير السلع غير النفطية،ولكن ما جرى من تدابير حتى الآن مسكنات ومعالجات تستند على افتراضات،والاقتصاد علم بدائل ولا توجد وصفة جاهزة ،والأوفق عقد مؤتمر اقتصادي قومي يشارك فيه الطيف الاقتصادي وخبراء الوطن لبلورة رؤى اقتصادية رشيدة وعملية. الصحافة