أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زوابع وآراء وفتاوى دكتور الترابي ...اجتهاد أم مخالفة للاجماع
نشر في الراكوبة يوم 05 - 07 - 2011


[email protected]
آراء وفتاوى دكتور / الترابي ولا أقول إن صحت نسبتها إليه فقد سمعت بعضها مباشرة وبعضها الآخر قرأته في الصحف ،ولم أقف علي معلومة تذهب إلى تراجعه عما نسب إليه من أفكار وآراء فيها الكثير من المخالفات الشرعية وقد أثرت هذه الآراء على الكثيرين من أتباعه وغيرهم ، سواء في السودان ، أو بعض البلاد الإسلامية الاخري – فالرجل عالمي النزعة -، فاغتروا بانحرافاته الخطيرة والدخيلة علي الدين ، ولعل هذا المقال يكون حجرا لتحريك بركة أفكار د. الترابي الراكدة والتي يهيجها كلما أراد لفت الانتباه إليه ،وتنبيها للدعاة والعلماء لمراجعتها وإخضاعها لميزان الشرع البعيد عن الوهم والظن .
المعروف أن دكتور /الترابي قد جمع في مقتبل حياته أطرافا من العلوم والمعارف لم تكن متيسرة لأبناء جيله في ذلك الوقت، وتدرج في سلك التعليم الأكاديمي حتى حصل على إجازة الحقوق من جامعة الخرطوم، ثم على الماجستير من جامعة بريطانية في 1957، ثم الدكتوراه من السوربون الباريسية في 1964، وهو يجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، كما تحصل على صنوفا شتى من المعارف والثقافات الغربية ، وذلك لاشك يعد مؤثرا في ثقافته التي تشكلت وولدت تلك الآراء والأفكار التي نحن يصددها ، وقد أدى ذلك لانفصال الترابي عن جماعة الإخوان ، وتصاعد الخلافات بينهم لأنه في نظرهم قد خرج عن نهج الجماعة وطريقتها في الدعوة والتربية ، بانحرافاته التجديدية ! والتي أخرجته في نظري عن إجماع المسلمين ؛ وقد تصدي بعضهم للرد عليه وتفنيد ما دعاه تجديدا في الدين .وبعيدا عن نهجه السياسي الذي أثار كثيرا من الجدل واللغط – مثل قانون التوالي – دعونا نركز هنا على آراءه الدينية بوصفه ممن تبنوا الدعوة إلى التحديث في الفكر الإسلامي المعاصر لمواكبة التطور ومواءمة ظروف العصر تلك الدعوة التي نجدها في كتبه وأبحاثه ومحاضراته وندواته داخل السودان وخارجه،حتى صار يدعو إلى تجديد الفقه وأصوله ، لأنهما غير مناسبين _ في نظره _ للوفاء بحاجات المسلمين المعاصرة معللا ذلك بأن كتب الفقه تفتقر إلى إرشاد المسلم إلى ما يجب عليه إتباعه في أمور التجارة والفن والسياسة ، حيث يقول : ( قد يعلم المرء اليوم كيف يجادل إذا أثيرت الشبهات في حدود الله ، ولكن المرء لا يعرف اليوم كيف يعبد الله في التجارة والسياسة أو يعبد الله في الفن ، كيف تتكون في نفسه النيات العقدية التي تمثل معنى العبادة ، ثم لا يعلم كيف يعبر عنها عملياً بدقة )، ودكتور الترابي لايمل ترديد عبارات توهم القاري في كتبه والسامع لمحاضراته بأن الفقه الإسلامي والعلوم الإسلامية شئ من العادات والتقاليد ،وليست دينا منزلا يستند فيه إلي الأدلة والنصوص والتي يجب أن نبني عليها الأصول الشرعية وتجده يردد : ( الأنابيش ) و ( الفقه التقليدي ) و (علم الأصول التقليدي ) و ( القياس التقليدي ) و (نظام الإسلام التقليدي ) ، وما يشابه ذلك من عبارات تكفي لبث القلق للمتخصص في أصول الفقه والفقه الإسلامي والدارس في الكليات الشرعية ، هذا ولم يكتفي دكتور / الترابي ويقتصر في دعوته إلى التجديد على التشريع فقط إذاً لهان الأمر ، لكنه تعدى ذلك المجال قافزا إلى مجال الاعتقاد ، حيث يرى أن قضايا الاعتقاد مسائل فكرية ، والفكر يتغير بتغير الزمان والمكان لاريب ، وبالتالي فالعقيدة إذن متجددة ومتغيرة ، وعلى المسلمين أن يختاروا ما يناسبهم من المناهج بحسب الظروف والملابسات التي يعيشونها ، وفي ذلك يقول مفتياً: \" ولما كان الفكر الإسلامي في كل قرن فكراً مرتبطاً بالظروف القائمة فلا نصيب من خلود بعدها إلا تراثاً وعبرة ، سواء في ذلك فقه العقيدة أو فقه الشريعة \" ويؤكد ذلك ما يروى عنه أنه قال في محاضرة ألقاها بجامعة الخرطوم بعنوان ( تحكيم الشريعة ) : إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم _ كما يجوز للمسيحي _ أن يبدل دينه !! منكرا بذلك حد الردة الثابت في الإسلام والذي ذكر في القرآن الكريم سورة البقرة الآية (217) .
وقد ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية : ( ومن يرتدد ) أي يرجع عن الإسلام أي الكفر ( فأولئك حبطت أعمالهم ) أي بطلت وفسدت. فجعل الإسلام عقوبة محددة للردة وفى حديث معاذ أن النبي () لما أرسله إلى اليمن قال له: ( أيما رجل أرتد عن الإسلام فأدعه فأن عاد وإلا فأضرب عنقه ، وأيما إمراة ارتدت عن الإسلام فأدعها فأن عادت وإلا فأضرب عنقها ) وسنده صحيح وذلك يؤيد اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف.
وعقوبة المرتد هي القتل ،وقد دلت السنة الصحيحة والإجماع على ذلك ومن الأحاديث الدالة على العقوبة المرتد حديث ابن عباس أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( من بدل دينه فاقتلوه ).
وحديث المصطفى () الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
وقد روى البيهقي أن إمراة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فأمر النبي () بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت فأبت أن تسلم فقتلت.
وقد وردت أثار كثيرة وأقضيه من صحابة رسول الله () في قتل المرتد منها قتال أبى بكر للمرتدين. وقد حدثت ردة فردية في عهد المصطفى () في عام الفتح وأمر النبي () بقتل قوم وإهدار دمهم لأنهم سبوا الله ورسوله الكريم وقد أمر رسول الله () كما أمر النبي () بقتل الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصي وكان ممن يؤذيه بمكة فقتله على بن أبي طالب تنفيذاً لأمر الرسول
()كما أمر النبي() بقتل قيس بن حبابة لقتله الأنصاري الذي كان قد قتل أخاه خطاً ثم رجوعه لقريش مشركاً . وقد قتله تنفيذا لأمر رسول الله () نمليه بن عبد الله .
وقد حدثت في عهد الخلافة الراشدة ردة لأقوام وفرادى فقد ورد أن أبا بكر استتاب إمراة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها ، وحدثت في عصره كذلك ردة جماعية. وقتل المرتد من المعلوم بالدين بالضرورة، ومما أجمع عليه أهل العلم، يقول ابن قدامه رحمه الله: \"وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، وروي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد رضي الله عنهم، وغيرهم، ولم يُنْكَرْ ذلك، فكان إجماعاً\"
أما انحرافات دكتور /الترابي في مجال المرأة فكثيرة منها: تجويزه مصافحتها للأجنبي ، تجويزه الاختلاط ، تجويزه سفرها دون محرم ، تجويزه تقلدها للإمامة العظمى !! ، تجنيدها وتدريبها عسكريًا في الجيش ! ، تجويزه عملها سكرتيرة للرجال وغير ذلك
,وعنده ( إن واقع المرأة التقليدي لا يمثل الإسلام ) . ( مجلة المجتمع عدد 580 ) .
وأخيرا فقد طلع علينا بإنكاره لعصمة الأنبياء ! وحصره العصمة في عصمتهم من الناس فقط وهو شئ مجمع عليه بين العلماء،زكر فيه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : \" الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله تعالى، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . وأما العصمة في غير ما يتعلق بالتبليغ فللناس فيه نزاع : والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للمنقول عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الخطأ والذنوب مطلقاً \"
.هذا الى جانب موقف الترابي من نزول المسيح عليه السلام وإنكاره في جرأة لا يحسد عليها . لوجود الأحاديث التي تشير إلى ذلك فعقيدة نزول المسيح عليه السلام آخر الزمن ثابتة في القرآن الكريم، وفي الأحاديث الصحيحة، ومنها صحيحا البخاري ومسلم، وعدّها كثير من أئمة الحديث من الأحاديث المتواترة، فابن حجر العسقلاني تتبع طرقها واحداً واحداً وأثبت بأنها متواترة.
يقول دكتور/ الترابي :( قضى الله عز وجل أن يبتلى المسلمون حيناً بعد حين بالتقادم والجمود ، فيقيض لهم حيناً بعد حين مرحلة من مراحل التجديد .. وما من حركة تجدي دية إلا وقد واجهتها التقاليد الإسلامية التي هي صادقة في تدينها بموقف متصلب جداً يبلغ حد التكفير والتضليل ) ( المسلمون ، العدد 170 )
إذا لابد من وقفة في أخر المقال لتعريف الاجتهاد والمجتهد وشروطه ومجالاته حتى لا تختلط الأمور وتضيع عصمة الدين باسم الاجتهاد ، فالاجتهاد لا يعنى تحريف الدين والمروق عنه أو إضافة الغريب عليه ، بل هو ولاء لقيمه وتعميق لفهم عقيدته وقياس للواقع بمعاييره لذلك نجد الإسلام يحض عليه خصوصاً إذا طال الأمد وتراكمت العادات والتقاليد وسيطرت على المجتمع فقد قال : ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.) رواه أبوداود عن أبى هريرة. فالاجتهاد في اللغة : مأخوذ من الجَهد والجهد بفتح الجيم وضمها وهو الطاقة ، وقد ورد في لسان العرب : الجهد الطاقة وجهد يجهد جهداً أي جد ، والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود . والاجتهاد : بذل الوسع في طلب الامر، وهو افتعال من الجهد .
ويفهم أن الاجتهاد لغة : هو بذل الجهد في تحصيل أمر من الأمور التي تستلزم كلفة ومشقة فقط . وفي الاصطلاح هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعى
أما المجتهد فهو الفقيه الذي يستفرغ وسعه لتحصيل حكم شرعي ولابد أن يكون له ملكه يقتدر بها على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها ، وعلى هذا فإن له من دراية بالأحكام الشرعية ، من غير أن يكون له قدرة على استنباطها من الأدلة لا يسمى مجتهدا ً، وللمجتهد في الإسلام منزلة رفيعة ، فهو قائم مقام النبي () بوصفه وارث لعلم النبوة ومبلغاً إياه إلى الناس وبوصفه معلماً ومرشداً للأمة ، فقد جاء في الحديث قول الرسول () ( إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم ) .. ومنصب الاجتهاد من أسمى المناصب الدينية والدنيوية ، لان صاحبه يتكلم مبيناً حكم الله سبحانه وتعالى ولقد كان الصحابة والتابعون يفهمون نصوص الشرع ويدركون مقاصده بحكم سليقتهم العربية وتتلمذهم على مصدر الشرع وهو النبي () فلم يكونوا بحاجة إلى قواعد تضبط لهم فهم النصوص واستنباط الأحكام ، ولكن بعد طراء على الناس ما أفسد سليقتهم العربية وبعد الناس عن إدراك مقاصد الشرع ، كان لابد من وضع ضوابط لاستنباط وشروط للاجتهاد ، وذلك تعظيماً للاجتهاد ومنعاً لمن يحاول أن يدنس بين المجتهدين ممن ليس آهلا للاجتهاد ، فيتقول على الله بغير علم ويفتى في دين الله بما ليس فيه.
وشروط الاجتهاد تتمثل في ثلاث شروط ينبغي توفرها في من يتصدى للاجتهاد وبدونها لا يقبل اجتهاده حتى وإن كان قادراً على الفهم والاستنباط وهى :-
الإسلام : وهو شرط أساسي حيث أن الاجتهاد عبادة والإسلام شرط لصحة العبادة كما إن أساس الاجتهاد في الإسلام الإيمان بالوحي وبصدق الموحى إليه وهو المصطفى () فلا يقبل الاجتهاد من كافر وإن كان قادراً على استنباط الإحكام .
التكليف : النضج العقلي هو أساس الاجتهاد وبالتالي فلا بد من أن يكون المجتهد بالغاً وعاقلاً حتى يتمكن من فهم النصوص فهماً صحيحاً يتمكن معه من الاستنباط وذلك لا يتم لمجنون أو لمن ليس ببالغ.
العدالة : وهى كذلك شرط لقبول فتوى المجتهد فلا يمكن قبول فتوى الفاسق والعمل بها. والعدالة كما عرفت هي ملكة في النفس تحمل صاحبها على اجتناب الكبائر ، وترك الإصرار على الصغائر، والبعد عما فيه خرم للمروءة .
أما شروط صحة الاجتهاد فمنها معرفة القران الكريم ومعرفة اللغة وفهم مفرداتها ومركباتها ، وأن يكون المجتهد عارفاً بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها ، ولا يشترط فيه حفظ القران بل يكفى أن يكون عارفاً بآيات الأحكام من حيث دلالتها ومواقعها كما يشترط فيه- المجتهد – معرفة السنة المصدر الثاني للشريعة ، وهى ا لشارحة للقران ولا يلزمه حفظ جميع الأحاديث وإنما يكفيه أن يعرف أحاديث الأحكام بحيث يكون قادراً على الرجوع إليها عند الاستنباط ، ثم معرفة اللغة العربية ومعرفة أصول الفقه الذي هو عماد الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركانه. يقول الرازي: ( إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه) ، ومن شروط صحة الاجتهاد معرفة مقاصد الشريعة للالتزام بالأهداف العامة التي قصد التشريع حمايتها والتي تدور حول حفظ مصالح الناس المتمثلة في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسب والمال ومراعاة مصالح العباد . ثم معرفة مواقع الإجماع حتى لا يجتهد أو يفتى بخلاف ما وقع عليه الإجماع وأخيراً معرفة أحوال العصر حيث يتمكن المجتهد من تكييف الوقائع التي يجتهد في استنباط الأحكام لها ويأتي حكمه عليها سليماً وفهمه لها صحيحاً ولا يتم ذلك إلا بدراسة الظروف الاجتماعية المحيطة والعوامل المؤثرة شفى الواقعة حتى تأتى فتواه معالجة للواقع القائم . يقول بن القيم :( فمعرفة الناس أصل يحتاج إليه المجتهد و إلا أفسد أكثر مما أصلح فعليه أن يكون عالماً بالأمر والنهى وطبائع الناس وعوا ئدهم وأعرافهم والمتغيرات الطارئة في حياتهم فالفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال ).ومجالاته -أي الاجتهاد - فهو قائم إلى يوم القيامة... وهو باب فتحه الله سبحانه وتعالى ، فالاجتهاد هو الذي يمنح التشريع إمكانية البقاء ولن يخلوا زمان من مجتهد فطريق معرفة الأحكام الشرعية هو الاجتهاد وبدونه تعطل الشريعة وتندرس الأحكام.
ولكن هنالك مجالات محددة للاجتهاد لا يخرج عنها فالله سبحانه و تعالى قد أكمل دينه  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي  المائدة الآية (3) . وبذلك يكون الدين من حيث قواعده الكلية ومبادئه العامة التي يقوم عليها و يحتاجها الناس قد اكتملت و لا مجال للزيادة فيها أما الجزئيات فالبعض منها مضمن في نصوص الكتاب و السنة و البعض ترك للاجتهاد على ضوء نصوص الكتاب و السنة .
يقول الشاطبي : ( فلم يبقى للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات و الحاجيات و التكميليات إلا وقد بينت غاية البيان ، نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات مدلولاً إلى نظر المجتهد فإن قاعدة الاجتهاد أيضاً ثابتة في الكتاب و السنة ، فلا بد من عملها و لا يسع تركها إذا ثبت في الشريعة أشعرت بأن ثم مجال للاجتهاد ، و لا يوجد ذلك فلا فيما لا نص فيه).
إذن في القضايا التي تتطلب الاجتهاد هي تلك التي لا نص فيها و يمكن أن نلخصها في الآتي :
أ . القضايا العامة التي سبق لأسلافنا أن اجتهدوا فيها ولكن تعددت آراءهم و اختلفت اجتهاداتهم و صارت حاجة الأمة اليوم إلى انتقاء و ترجيح أحد تلك الأقوال .
ب. القضايا المستجدة ذات الطابع العام أو المعقدة أو المتشبعة فعصرنا اليوم خصوصاً بعد اكتشاف الخريطة الجينية مقبل على تلاعب بالوراثيات ( الجينات ) وهناك الاستنساخ و زراعة الأعضاء كل هذه المسائل تتطلب من المجتهد في هذا العصر أن يكون مطلعاً عليها و على المشاكل التي تنجم عنها لإيجاد الحلول الإسلامية لها ، حتى أن البعض يقول أن الاجتهاد الفردي ليس كافياً لمجابهة قضايا العصر التي نعيشها اليوم و لابد من شورى بين ذوى الرأي من المجتهدين.
والسؤال هو هل تدخل آراء وفتاوى وأفكار دكتور / الترابي تحت مظلة الاجتهاد الشرعي الذي تحدثنا عنه ؟!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.