برافو د. دريه شرف الدين .. ولنا فى السودان عبره! تاج السر حسين [email protected] صديق مصرى تحدث معى عن انفصال الجنوب بصوره سطحيه وشعرت بأنه ما كان يعلم شيئا كثيرا عما يدور فى بلد مجاور له، الا بالأمس فقط، حينما تناقلت احداث الأنفصال جميع القنوات الفضائيه، وسرعان ما قال لى : (البشير رئيس شجاع) اليس كذلك؟ فقلت له لماذا؟ قال (لأنه كان مبتسما والعلم السودانى ينزل من ساريته، فى وقت يرتفع فيه علم دولة الجنوبالجديده وهذه اول مره اشاهد فيها رئيسا، يشارك فى مثل هذه المناسبه ويظهر فرحته لأنفصال بلده الى جزئين)! فقلت فى نفسى الجهل مصيبه .. والبشير الشجاع هذا – كما تظن - سوف تجده مبتسما على طريقته (الغبيه) تلك، لو انفصل السودان الى 100 جزء ولولا ذلك لما واصل فى الأتفاق الأطارئ الذى ترفضه القوى الحقيقيه فى دارفور ويمكن أن يؤدى بذلك الأقليم الى ما حدث فى الجنوب .. ثم جهرت له قائلا .. التواطوء والتعتيم على قضايا السودان فى الأعلام العربي والغربى جريمه لا تغتفر، ولو لا ذلك لأدركت وأنت صحفى بأن (البشير) كان يعمل من أجل هذا اليوم، وكل من ساند البشير أو دعمه بكلمه أو صوت له فى الأنتخابات أو زورها، يشاركه فى جريمة انفصال الجنوب .. وعليك أن تعلم خلاف ما يردد الأعلام السودانى وبعض الأرزقيه فى مصر والعالم العربى أن نظام (مبارك) ساهم فى انفصال الجنوب بدعمه لنظام البشير ووقوفه الى جانبه وأجبار القوى الحزبيه التقليديه فى التعامل معه، بكلما فيه من سوء وقبح وفساد، وكان التخلص من نظام الأنقاذ خطا أحمرا لا يمكن أن توافق عليه مصر التى تعرف كل كبيره وصغيره عن السودان، على الرغم من مظاهر العداء التى تبدو على السطح من وقت لآخر بين النظامين، ونحن كسودانيين نعلم سر ذلك الدعم وتلك الحمايه، وهو (استحلاب) النظام السودانى وخنوعه وحضوعه المستمر للنظام المصرى السابق حتى لو كانت مصالحه تتقاطع مع مصالح السودان، فقط من أجل (الكرسى)! للأسف الآن أزلام نظام البشير يدعون الآن فى بجاحة وبعد أن اطمأنوا على عدم عودته، بأن مبارك كان ضدهم، ولو كانت تلك حقيقه، لفعل مبارك شيئا واحدا يحل مشاكل السودان جميعها، وهو المصادقه على اتفاقية روما والتعاون مع المحكمه الجنائيه، وما كنا نريد منه أكثر من ذلك، اضافة الى السماح بتوصيل حقيقة ما يدور فى السودان من خلال المعارضين الشرفاء لا بواسطة ازلام النظام وأرزقيته فى اجهزة الأعلام المصريه، للأسف الأعلام العربى كان ولا زال اما مجاملا لنظام الأنقاذ أو هو ينفذ تعليمات انظمته التى لها مصالح فى السودان، والأعلام الغربى غالبية العاملين فيه كمراسلين من السودان يتم اختيارهم من بين الذين (طبعوا) علاقتهم بالنظام ويستفيدون من بقائه، لذلك لا يعكسون كثيرا مما يدور داخل السودان. رغم ذلك لم تخلو الصحف المصريه هذه الأيام وبعد الأنفصال من مواضيع عنيفه تجاه نظام الخزى والعار فى السودان. فقد جاء فى صحيفة (التحرير) الجديده والتى يرأس تحريرها الصحفى الكبير (ابراهيم عيسى) ما يلى:- \" البشير يتلون ك (الحرباء)\". يعود للتلويح بأستخدام العنف لحل النزاع فى ابيى .. ويواصل العمليات فى جنوب كردفان. وفى هذا المقال الذى كتبه الصحفى / أحمد السمانى قال: \"تتلون وتتغير على حسب الموقف والظروف والبئيه المحيطه لها، لا تنطبق تلك الصفات على \" الحرباء\" فقط، بل تمتد لتصف طبيعة الرئيس السودانى عمر البشير فى الفترة الأخيره. فهو امام الجنوبيين الشخصيه المسالمه الحريصه على السلم والأمن، وأمام شعبه هو الشخص العسكرى الغاضب الذى سيدافع عن شعبه ضد الأستغلال الجنوبى، وفى الحوارات التلفزيوينه يتلون ويتغير تارة يلوح بالقوة وتارة يرفع رأية السلام\". أما الدكتوره/ درية شرف الدين، فقد كتبت فى (المصرى اليوم) بتاريخ12/7/ 2011 مقالا شجاعا عنوانه (ولنا فى السودان عِبْرة). رغم ما احتواه المقال من اخطاء مثل المعلومه التى قالت فيها أن (البشير) اقتلع نظام النميرى فى انقلاب عسكرى، والحقيه هى ان (البشير) اطاح بحكومه ديمقراطيه منتخبة هى حكومة (الصادق المهدى)، وقد أيد ذلك ألأنقلاب وجلب له الدعم الدولى نظام (مبارك). جاء فيه : \"سيدة سودانية شمالية استمعت إليها فى أحد التقاريرالتليفزيونية بمناسبة انفصال جنوب السودان عن شماله وتكوينه لدولة جديدة مستقلة قالت فى حزن ودهشة: ماذا أقول؟ أقول إنه يشبه قطع يدى أو قدمى أو قطعة من جسدى؟ علام يحتفلون؟ وتقصد بذلك رئيس حكومة شمال السودان، البشير الذى تسبب أو شارك بالجزء الأكبر على الأقل فى انفصال الجنوب بسياساته المتردية اقتصادياً وإنسانياً وسياسياً ضد أبناء الجنوب ولسنوات حكمه الطويلة الممتدة منذ عام 1989 بعد خلعه النميرى فى انقلاب عسكرى وحتى رضوخه لنتيجة استفتاء يناير الماضى الذى صوّت فيه الجنوبيون بنسبة ٩٩% لصالح الانفصال عن دولة لم يعرف قادتها احترام معنى الوحدة والتنوع العرقى الدينى واللغوى، فمارسوا القهر والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فشاعت الكراهية والرفض بدلاً من المحبة والانسجام، وشاع مبدأ الإقصاء والازدراء والتعالى بدلاً من التعاون والتآزر والشعور بالانتماء، وكانت النتيجة الحتمية هى هذا الانفصال بين شطرى البلد الواحد الذى احتفل به أهل الجنوب وحضره مبتسماً مبتهجاً مرحباً سعيداً الزعيم البشير فى سابقة أعتقد أنها الأولى عالمياً أن يحتفل رئيس دولة بذهاب جزء من دولته وإلى الأبد. للأسف كانت الشريعة الإسلامية والتهديد بتطبيق أحكامها على الجميع دون استثناء حتى ولو كانوا غير مسلمين إحدى أدوات البشير فى مواجهة أبناء الجنوب، ومعظمهم يدين بمعتقدات تقليدية أفريقية المنشأ بنسبة لا تقل عن ستين فى المائة من جملة عددهم إلى جانب المسيحيين ويمثلون حوالى ربع عدد سكان الجنوب أو أقل قليلاً، فكيف لهم أن يخضعوا لما يتعارض مع معتقداتهم أو دياناتهم مع أن الأصل فى الشريعة الإسلامية أن تطبق على أصحاب الشرائع شرائعهم دون غيرها، وكان التهديد بالرجم وقطع الأيدى والجلد-هكذا على إطلاقه- سيفاً مصلتا ليس على الجنوبيين فقط ولكن على الشماليين أيضاً من المسلمين، وأعتقد أننا جميعاً شاهدنا هذا المنظر المؤلم للسيدة السودانية التى يلاحقها جندى وبيده كرباج يضربها به على كل جزء من جسدها وهى تتلوى على الأرض وتزحف أمامه من مكان إلى آخر فى محاولة محكوم عليها بالفشل لتلافى الضربات، لماذا؟ لأنها تجرأت وارتدت بنطلوناً فتشبهت بالرجال ولم تلتزم بالزى الدينى فإن كان هذا بعضاً مما يحدث للمسلمين فما بالنا بما كان يحدث لغيرهم وما كان ممكناً أن يحدث؟ يقول المحللون إن تجربة انفصال جنوب السودان عن شماله قد تكون مقدمة أكيدة لتجارب مشابهة فى أفريقيا: فى نيجيريا وساحل العاج والكونغو وأنجولا، وربما امتدت إلى الصومال، والسبب دائماً هو الاختلافات الثقافية واللغوية والدينية التى بدلاً من أن تكون عامل قوة تصبح دافعاً للفرقة والانفصال حينما لا تستوعب الحكومات أو الشعوب معنى الاختلاف وتحترمه كمقدمة أولى للعيش المشترك خاصة أن المتربصين بدول أفريقيا الغنية زراعياً ومعدنياً ورعوياً كثيرون، وفى انتظار لحظة الانهيار للانقضاض. والسؤال الآن: تجربة السودان المنقسم إلى الأبد ماثلة أمام عيوننا، ومعه مستقبله المهدد بالتدخلات والتوترات والحروب والتفتت إلى أقاليم عديدة كدارفور وشرق البلاد وجنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق.. وهكذا وكل ذلك بدأ بمحاولات للوقيعة بين الشمال والجنوب منذ ٥٦ سنة فقط بحركة تمرد صغيرة كانت تبدو بلا فاعلية لكنها آتت أكلها بعد أكثر من نصف قرن.. ألا ينبهنا هذا الوضع المأساوى الذى حدث وسيحدث هناك إلى الأصابع الخفية والنوايا الخبيثة التى تحاول الوقيعة بين المسلمين والأقباط فى مصر والتى تثير حفيظة النوبيين والتى تدفع إلى تهميش البدو حتى تكون مصر سوداناً آخر قابلاً للتقسيم؟ عموماً فال الله ولا فالهم وأبعد عنا كل شر وتقسيم وخلاف وانفصال، لكن الله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولنا فى السودان عِبْرة. أخر كلام:- كتبت الدكتوره (نوال السعدنى) : الثورة مثل الحب والإبداع تحدث فى أى عمر، فى أى عصر، فى أى مكان وزمان، الثورة تتدفق مثل المطر ينهمر دون توقع.