قبل 40 عاماً وفي نص النهار نجح الشهيد هاشم العطا ورفاقه في إزاحة نميري وزمرته عن السلطة ، دون أن يريقوا قطرة دم واحدة . وتقاطعت مؤامرات دولية مع تحركات عسكرية داخلية أعادت نميري ونظامه للحكم في اليوم الرابع لحركة 19 يوليو التصحيحية . وارتكبت في تلك الأيام الكالحة أبشع مجزرة أعدم فيها العشرات بأحكام جاهزة وعذب بعضهم بشكل وحشي . وامتلأت السجون بعشرات الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب البدني والنفسي . مما ذكره شهود العيان أن النميري نصب نفسه قاضياً وهو المخمور آنذاك ، وأنه رفض التصديق علي أي حكم غير الإعدام ، كما في حالة الشهيد بابكر النور . وأن أبو القاسم محمد ابراهيم غرز السونكي في يد الشهيد الشفيع حتي اخترقها إلي المنضدة وهو يستجوبه بقلة أدب عن عبد الخالق ، تلك القامة التي ارتعد أمامها القتلة بعد ذلك إذ لقنهم درساً في الإنتماء والثبات وهو المكبل الذي ينتظر اعدامه بعد لحظات . وشارك في المحاكمة الصورية أنصاف سودانيين ، كانوا يتحدثون بلهجة مصرية " كتلتش ولا ما كتلتش ؟ “ وشارك نظامان عربيان في المؤامرة علي 19 يوليو وهما المصري أيام أنور السادات والليبي الذي علي رأسه حتي الآن الطاغية القذافي . وبريطانيا كانت في المؤامرة بشركة طيرانها وشركة أخري دخلت السودان بعد ذلك . ولا يكتمل سجل القتلة إلا بأولئك القضاة العسكريين الذين صدقوا علي أحكام نميري دون أن يضيفوا حرفاً . وكتائب عسكرية أعدمت الشهداء بأرتال الذخيرة في فجر ليال سوداء . وإعلام زائف أراد أن يلصق تهمة القتل بالشيوعيين في أحداث بيت الضيافة ، ولو كان الشيوعيون قتلة لبدأوا بالنميري الموجود بحوزتهم بالعراقي والسروال . وحتي اللحظة فإن وصايا الشهداء لأسرهم ومتعلقاتهم الشخصية بل وقبورهم لم يكشف عنها . وإن كان شهداء يوليو قد ماتوا ميتة الأبطال ، فالمجزرة نفسها كانت حافزاً ودافعاً لنضال وكفاح الشيوعيين ضد سلطة مايو . ومن المؤسف أن حكومة ما بعد الانتفاضة لم تول هذا الملف شأناً ، وظل معلقاً إلي أن عاد المخلوع نميري للسودان بموافقة النظام . بعد أربعة عقود لا زال هذا الملف ساخناً وسيظل كذلك لحين عقاب القتلة . يظل شهداء يوليو ، ما بقي الزمان ، في سجل الأبطال الوطنيين وفي حياتهم ومماتهم دروس وعبر ويظل الجبناء الخائفون حتي الآن ، والمتواطئون فيما حدث ، مجرمون ستطالهم العدالة طالما أن الدماء ليست ماء . الميدان