الصادق المهدي الشريف [email protected] للكاتب الفرنسي فرانسوا ماري الشهير باسم (فولتير) مسرحية من عدة فصول.. يجسد فيها العبث الذي كانت تعيشه أوربا في تقلباتها بين تعاليم الكاثوليكية.. ومتطلبات الحياة. في نهاية كلِّ فصلٍ من تلك الفصول المسرحية.. يهتف أحد أبطالها مطالباً الآخرين (هيا بنا ننهض).. ثُم يكتشف القارئ في بداية الفصل التالي أنّه (لم ينهض أحد).. الى أن يقارب ذلك الفصل نهاياته فيصرخ بطلٌ آخر (هيا بنا ننهض).. ثمّ لا ينهض أحد. مسرحية فولتير في عبثيتها مثل تلك العبثية التي عاشها سيزيف في عذابه الأبدي.. وعلاقته القاتلة بالصخرة التي لا تبقى في القمة.. أبداً. وأدري تماماً لماذا تهاجم هذه الأفكار ذهني وأنا أقرأ شيئاً عن (المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي).. وعن الكلمات المنمقة التي يبثها عبر صفحات الصحف.. والآمال العريضة التي يرسمها لمن يُلقِي إليه السمع.. بغير شهادة.. وبغير إستحضارٍ للتاريخ الإستراتيجي. هل تذكرون (الإستراتيجية القومية الشاملة)؟؟؟.. لقد كانت خطة عشرية بدأت في العام 1992م وانتهت في العام 2002م.. فماذا كان الحصاد؟؟. رئيس الجمهورية عزى فشل تلك الخطة العشرية الى (الخدمة المدنية) التي كانت ومازالت تقعد بكلّ الخطط الحكومية. قبل عدة سنوات بدأت إستراتيجية أخرى.. هي الإستراتيجية ربع القرنية.. وعرابها هو ذات الرجل الذي يقود الإستراتيجيات السودانية.. الدكتور تاج السر محجوب. بدأت في العام 2007م.. ومن المتوقع أن تنتهي في العام 2032م.. وفي أثناء ذلك يتم تقسيم ال(ربع قرنية) الى خطط خمسية.. فشلت حتى الآن خمسيتها الأولى.. على الأقل في مجالات (بناء الأمة.. والتوحد.. والأمن.. والتحضر.. والتقدم.. والتطور). البروفيسور شمس الدين زين العابدين مدير أكاديمية الأمن العليا، انتقد سياسة وأداء المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي، واعتبره - بالتكوين الحالي - آلية (ضعيفة) و(غير كفيلة) بوضع الخُطط المستقبلية لبناء السودان في جمهوريته الثانية.. وطالب بضرورة اخضاع المجلس لعملية جرد حساب لمعرفة إنجازاته واخفاقاته منذ تكوينه. ما قاله البروف هو حقيقة تقفز من ثنايا الأداء العام للخطط التي يضعها المجلس.. فمنذ عشرين عاماً 1992م (حين تمّ وضع الإستراتجية الأولى) وحتى العام 2012م حين ينتهي الجزء الأول من الإستراتيجية الحالية (ربع القرنية).. لم تنجح إستراتيجية واحدة.. ولم تبلغ أي خطة مقصدها. هذا يعني أنّ كل تلك الخطط لم تبدأ من حيث تقف البلاد (كما يقول د.تاج السر Where are we now??) بيد أنّها – أي تلك الخطط – تنبؤنا عن الهدف النهائي منها وهو (استكمال بناء أمة.. سودانية موحدة.. آمنة.. متحضرة.. متقدمة.. متطورة). والعبارة الأخيرة بين القوسين تذكرني بعبارة ساخرة لفولتير وهو يخاطب إجتماع كنسي (ما أودُّ أن أقوله عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة.. أنّها ليست إمبراطورية.. ولا رومانية.. ولا مقدسة). صحيفة التيار