حديث المدينة الوالي.. بشر أم ملاك..!! عثمان ميرغني دُهشتُ للغاية من إعلان صادر من ولاية الجزيرة في صحف أمس.. ليس من موضوع وعبارات الإعلان فحسب.. بل لأنني تلقيت أكثر من اتصال هاتفي من مسؤوليين رفيعين - جداً - في ولاية الجزيرة يحتجون على الخبر الذي نشر في الصفحة الأولى لصحيفتكم \"التيّار\" الخميس أمس الأول.. وعنوانه (تشريعي الجزيرة يطالب بمحاسبة الوالي الزبير بشير طه). مصدر دهشتي، أنّ الخبر وبدون أدنى شك في صالح حكومة الجزيرة مائة في المائة.. بل وفي صالح الحكومة الاتحادية التي حتى أمس تحتفي بمطالبات النائب الأول لرئيس الجمهورية في مجلس الوزراء بمحاربة الفساد.. وفي صالح حزب المؤتمر الوطني الذي اسمه ممهور في الحكومتين الولائية بالجزيرة والاتحادية بالخرطوم. خلاصة القضية، أنّ تقرير المراجع العام في ولاية الجزيرة.. وتحت عنوان (أبرز المخالفات).. أشار إلى مخالفة مالية بتصرف حكومة الجزيرة في مبلغ تجاوز ال(300) ألف جنيه.. صرفته لمتضررين.. جمعت منهم منظمة تطوعية أموالاً لمنحهم أدوات إنتاج. لكن المنظمة فشلت ودخل مديرها السجن. فتولت حكومة الجزيرة دفع الأموال نيابة عن المنظمة التطوعية.. على أن تتولى مقاضاتها لاسترداد المال العام. والي الجزيرة.. بكل تأكيد مسؤول عن قرارات مجلس الوزراء.. بل وأدبياً مسؤول حتى عن أخطاء الوزراء.. ومن حق المراجع العام أن يعتبر تصرف حكومة الجزيرة (مخالفة) تستحق المحاسبة.. وإذا تمت الممارسة بهذا المستوى فهي تبعث برسالة طمأنينة قوية للشعب بأنّ أموالهم محروسة بعين يقظة، وأن لا أحد فوق القانون ولو كان الوالي نفسه.. وستصبح الصورة أجمل وأبهى.. لو هبّ الوالي بنفسه وذهب إلى المجلس التشريعي ودافع عن نفسه.. واستمات في الذود عن تقديرات حكومته.. باعتبار أن المواطنين الضعفاء استنجدوا بالحكومة فأغاثتهم بينما تابعت الإجراءات القضائية لاسترداد المال العام من المنظمة التطوعية.. هنا ستظهر الصورة أمام الشعب أن القانون يعلو.. وأن العدل فوق الرقاب مهما استطالت.. لكن أن تهب حكومة الجزيرة وتبعث برسالة توحي بأن الوالي (ملاك مرسل من السماء) لا يحق في جنابه المساءلة أو المحاسبة.. ستبرهن للشعب أنّ الكبار تسندهم حصانة ترفعهم في مقام من لا يُسأل عن ما يفعل.. وذلك قمة الفساد.. فالسلطة المطلقة.. مفسدة مطلقة.. انظروا أمس ماذا حكمت المحكمة في باريس على الرئيس الفرنسي شيراك.. السجن عامان في قضية (أتفه) كثيراً من حكاية ولاية الجزيرة.. ولم يهب مسؤول واحد ليقول إن شيراك خلق من نور وخلق المواطن من ماء مهين.. وفي دولة إسرائيل التي نلعنها صباح مساء.. تفرجنا كيف جرجرت الشرطة رئيس الوزراء نفسه.. وهو في حرز سلطته.. في أموال أقل كثيراً من المال موضوع قضية ولاية الجزيرة. تنزيه البشر عن كونهم خطاؤون، مجلبة لهواجس الشك.. وعلى النقيض تماماً عندما يتجرأ المراجع العام ويتهم الوالي نفسه بمخالفات مالية.. ثم لا يستنكف الوالي عن الاتهام ويهب مدافعاً عن نفسه بكل قوة.. هنا تبدو الصورة ديموقراطية ومنتهى الشفافية.. والله العظيم.. لو كنت والي الجزيرة.. ولم يفعل المراجع العام ما فعل.. لأمرته أن يفعل.. حتى أبث رسالة قوية لكل مسؤول تحتي.. أن الوالي نفسه يرقد تحت سيف القانون.. عندها سيبل كل مسؤول رأسه. هكذا نحرس المال العام.. بالقدوة لا بالتنزيه..!! التيار