هناك فرق في الإبداع والهُراء ..! منى ابو زيد شعراء كثر سودوا الصحائف بقصائد عن ابتسامة الموناليزا – لوحة دافنشي الشهيرة – التي حيرت الناظرين.. وكل هذا جميل، ومقبول من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون! .. لكن المدهش حقاً – خاصة لأولئك الذين احتاروا في أمر الحيرة! – هو تكالب الباحثين و(تكأكؤ) العلماء على تحليل وإعادة اكتشاف السيرة الشخصية، بل التاريخ المرضي لامرأة ابتسمت يوماً لريشة فنان ثم ماتت وشبعت موتاً..! يرصدون الميزانيات ويكونون اللجان العلمية ويدبجون الأبحاث العلمية عن سر ابتسامة، والعالم ما يزال مليئاً بأدواء لا أمصال لها، وكوارث محدقة لا ساتر منها..! قبل فترة خرجوا علينا باكتشاف علمي خطير مفاده أن صاحبة الابتسامة الغامضة كانت مصابة بارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول.. قبل أن يؤكد غيرهم (أجروا مسحاً ضوئياً وتحليلا باستخدام برنامج حاسوب متطور لتحليل انفعالات وجهها!) أن سر نصف الابتسامة الغامضة يكمن في أن صاحبتها كانت سعيدة بنسبة 83%، ومشمئزة بنسبة 9%، وخائفة بنسبة 6%، وغاضبة بنسبة 2%، ومحايدة بنسبة أقل من 1%، ومذهولة بنسبة 0%..! ثم أعلن باحثون (استخدموا جهاز رادار أرضي لاكتشاف قبرها الموجود في سرداب تحت الأرض!) اقترابهم من الكشف عن قبر الموديل صاحبة اللوحة، وأنهم سوف يشرعون أواخر هذا الشهر في التنقيب عن جمجمة السيدة أو محاولة العثور على عينات من الحامض النووي لها، أملاً في أن يساعدهم ذلك في إعادة تشكيل وجهها..! هذا ما أعلنته وسائل الإعلام الإيطالية (خبراً رسمياً) بشأن تكليف اللجنة الوطنية للثقافة في إيطاليا (جيولوجيين وعلماء أنثربولوجي ومتخصصين في التاريخ الفني) بنبش قبر السيدة موناليزا..! الإيطاليون الذين احتلوا ليبيا وقتلوا المجاهد عمر المختار، بعد أن أجبروا شعبها على مشاهدة فصول مسرحية شنقه كاملة، أتراهم أحسنوا الظن بالعرب عندما دفنوه سراً وأخفوا معالم قبره، حتى لا يمجد الأحفاد جثته، ويحللوا آثارها وعظامها، كما فعلوا هم برفاة امرأة اعتقل رسام ابتسامتها يوماً ..؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! .. ابتسامة الموناليزا مثل أشعار أدونيس، وأفلام يوسف شاهين، أيقونة إبداعية لا يطوف حولها إلا المعجبون الأذكياء، ولا يفهم غموضها إلا المفكرون الأفذاذ، والذي يصبأ عن تلك الطقوس هو جاهل لا محالة، وبالتالي يصبح عرضة للازدراء الفكري، لمثل هذا تتفاقم فقاعة المبالغة وتكبر كرة الثلج..! سأتوكل على الله وأقول رأيي.. لا تطربني أشعار أدونيس.. ولا أفهم أفلام يوسف شاهين.. ولم تحيرني – يوماً - ابتسامة الموناليزا.. ولو كنت مدير اللجنة الوطنية للثقافة في إيطاليا لحللت تلك اللجنة، ثم أمرت بتوزيع الميزانية المرصودة - لهذا الهراء! – على مشروع جليل لمساعدة المبدعين الفقراء .. الاحداث