تراسيم.. في بيتنا.. صدام حسين!! عبد الباقي الظافر استقبل الرئيس العراقي (وقتها) المهيب صدام حسين في مكتبه السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي.. العراق في ذاك الوقت كان يتهم الكويت بسرقة حقل نفطي حدودي.. صدام على غير العادة كان لطيفاً مع الدبلوماسية الأمريكية حملها رسالة وهي تتأهب لمغادرة بغداد (استمتعي بإجازتك وأخبري الرئيس بوش أن الكويتيين جيران مزعجون).. كثير من المراقبين حملوا الدبلوماسية خشنة الملمس مسئولية إزاحة صدام من حكم بلاد الرافدين.. السفيرة رمت الرئيس المغرور في الفخّ عندما أوحت له أن بلادها لا تتدخل في خلافات الحدود. بعد ذاك اللقاء بأيام كان الرئيس العراقي يبعث الجنرال عزيز النومان ليغزو الكويت الجار الجنب في أغسطس 1990.. منذ ذلك التاريخ لم يتذوق الرئيس صدام طعم النوم.. قوات التحالف الثلاثيني دحرته من دولة الكويت.. أهل الجنوب ثاروا ضد حكمه.. العالم تعامل معه باعتباره رئيساً مصدراً للإزعاج الدولي.. من بعد ذاك اللقاء دخل صدام في حالة من الحصار لم تنتهِ إلا يوم أخرج من حفرته الشهيرة وهو يقول: \"أنا رئيس العراق أرغب في التفاوض معكم\". نائب الرئيس الدكتور الحاج آدم مضى إلى ولاية الجزيرة لتشريف حفل تخريج دفعة من الشرطة الشعبية.. الحاج آدم صرّح أمام الملأ أن صبر الحكومة أمام الحركة الشعبية بدأ ينفد، وأن جوبا ليست بعيدة.. ثم أردف أستاذ الهندسة الزراعية السابق \"إن أردنا سرقة نفط الجنوب لما رأى الجنوب قطرة منه\". بصراحة نحن أمام مشكلة كبيرة إن كان نائب الرئيس السوداني يفكر بعقلية الجنرال صدام حسين.. جوبا باتت بعيدة بعد أن فشلت حكومة الإنقاذ في الحفاظ على وطن خطفته كاملاً، ولم تستطِع المحافظة عليه.. كيف لبلد سمح ببتر جزءٍ منه سلماً أن يسعى لاستعادته حرباً.. إنها حكمة البصيرة أم حمد التي أفتت بقطع رأس الثور حتى تخرجه من المأزق. في تقديري أن دولة جنوب السودان تسعى لاستدراج الخرطوم لحرب حساباتها معقدة.. الاحتكاكات في النيل الأزرق وجنوب كردفان تهدف إلى استفزاز الحكومة وجرها إلى ما لا يحمد عقباه.. قطع الإمداد النفطي ربما يجعل حكومتنا تتصرف بجنون وتقع في المحظور. ويبدو أن استراتيجية السفيرة أبريل غلاسبي يقوم بإخراجها شخص آخر.. الحاج آدم لم يكن أول مسئول سوداني يشير باحتلال الجنوب مرة أخرى.. وزير الدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين ألمح إلى ذلك في حديثه الشهير (امسح واكسح). لن تكون أي حرب مع الجنوب مجرد نزهة سهلة.. الجنوب يحتاج إلى مثل هذه المواجهة حتى يوحد جبهته الداخلية.. أهل الجنوب فوجئوا أن دولة الاستقلال لم تثمر قمحاً ووعداً وتمني.. وأن الغابة التي كان يسكنها الجيش الشعبي ولج إليها أقوام متمردون تسندهم قبائل ناغمة وغاضبة من تردي الأحوال في الدولة الجديدة. إن مجرد التلويح بعمل عسكري ضد دولة الجنوب يؤذي الدبلوماسية السودانية التي تتفاوض مع جنوب السودان في ملفات شائكة وصعبة.. أما الشروع في ذاك الخيار فيعني أننا نمضي على خطى صدام حسين الحافر بالحافر. التيار