زاوية حادة أماروس جعفر عباس أماروس على ذمة شقيقي محجوب هو قوس قزح في اللغة النوبية القديمة، ومحجوب هذا نفسه قوس قزح لأنه من صنف سبع صنايع والبخت ضايع، فهو رجل موسوعي المعرفة بحكم أنه قارئ نهم، وفارس كلمة شعرا ونثرا، باللغتين العربية والإنجليزية، ويتحدث اللغة النوبية أفضل من تربال لم يسافر قط جنوبدنقلا، وكان يوما ما نائبا لمدير المسرح القومي، وطرده السيد «الصالح العام» من الخدمة في عهد نميري هو ويوسف خليل وآخرون، فقال لهم وزير الإعلام بونا ملوال عندما أتوه محتجين: روحوا اشتكوا نميري في وزارة الخدمة العامة، فقال له يوسف: نميري ده شكيناه على الله، وكان آخر منصب شغله محجوب في السودان هو نائب رئيس شعبة اللغة الإنجليزية في الجامعة الأهلية،.. ثم خرج في العام 1988 الى السعودية ولم يعد حتى الآن، ولم يعد يعرفه أو يسمع به إلا من يلتقون به مصادفة في الرياض. في دنقلا الثانوية كان محجوب دفعة عبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح وكان مثلهما عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين وانتقل منها الى كوستي الثانوية، ولو بقي في دنقلا لربما كان اليوم وزيرا للطاقة أو مديرا لبنك فيه الزبدة، وبعد التحاقه بجامعة الخرطوم بأشهر قليلة حدثت في حياته نقلة عجيبة: صار عضوا في رابطة الطلبة الشيوعيين، ونال البكالريوس وهو في سجن كوبر، ولكن عضويته في الحزب الشيوعي كانت مسيارية، يترك الحزب لسنتين ثم يعود إليه لشهرين، ثم ترك الحزب نهائيا منذ نحو عشرين سنة، وكرس معظم سنوات إقامته في السعودية لقضايا النوبة والنوبيين وصولا الى الدعوة لتشكيل حزب نوبي، وهكذا تحول من مناضل أممي إلى مناضل إقليمي، واهتم خلال تلك المرحلة بدراسة الثقافة والفنون النوبية دراسة منهجية، وأحسب أن الهوجات المسلحة في مختلف أنحاء السودان حملته وغيره من أهل شمال السودان النوبي على التفكير في إيجاد وعاء تنظيمي يلم شمل سكان «المنطقة» ويعنى بقضاياهم. ورغم اعتزازي الشديد جدا بانتمائي النوبي واهتمامي المخلص بقضايا منطقة النوبة، إلا أنني لم أفكر للحظة في الانتماء الى تنظيم سياسي لا يمثل كافة ألوان الطيف السوداني بما في ذلك الجنوب الذي انفصل (ولا أزال غير معترف باتفاقية نيفاشا وما ترتب عليها)، وقبل أيام فاجأني محجوب ب»أماروس» وهو تنظيم قوس قزحي يؤسس لسودان موحد، يعترف بالتعدد الإثني والديني والثقافي .. ولكن ما أدهشني في ما سمعته منه هو أن اللغة العربية هي الخيط الرفيع والمتين الذي يربط تلك الأطياف ببعضها البعض، وبالتالي فهي أداة مهمة لتعزيز الوحدة الوطنية، فقلت في سري: محجوب «ويرامو» وهي كلمة نوبية تقابلها في العامية العربية «ما براهو» أي أن به «مس» أي صار «مسوب/وتِّي/ متول» وكلها مفردات نوبية تعني «مجنون».. لم أشك في قواه العقلية لأنني استنكر ما قاله بل لأن ما قاله يمثل انعطافة ب(180) درجة من المواقف التي كان يدعو لها. كثيرون يقولون لي ولغيري «أنتم عنصريون» لأننا نتحدث عن الثقافة والخصوصية النوبية، ونطرب للتحدث باللغة النوبية مع بعضنا البعض، ولا يضايقني في هذا «الاتهام» إلا أن من يرددونه لا يعرفون معنى مصطلح العنصرية وما ينطوي عليه من استعلاء على الأعراق والثقافات الأخرى، وحقيقة الأمر هي أنني وغيري من المعتزين بالانتماء النوبي من غلاة المدافعين عن اللغة العربية، إدراكا لدورها كلغة العموم «لِنقوا فرانكا» في تقريب الهوة بين مختلف الأعراق والقبائل في السودان الذي نريد له ان يبقى ماعونا يتسع للجميع.. وللمرة الدشليون يا جماعة: النوبيون ليسوا قبيلة بل تخطوا القبلية قبل آلاف السنين، وهم شعب «نيشن» عاشوا في حوض النيل وحكموه لآلاف السنين.. وبالتالي فهم شديدو الانتماء لكامل التراب السوداني، ولكن شيئا فشيئا ومع الإذكاء المتعمد للنعرات القبلية والإقليمية بدأت تظهر تنظيمات تدعو النوبيين لفرز عيشتهم وتنادي بإقليم نوبي يتمتع بالحكم الذاتي بل وربما إقامة دولة نوبية مستقلة من حلفا الى القدار.. وأقول لهؤلاء «ريز ذا بار» أي ارفعوا سقف المطالب، فكافور الإخشيدي كان «من أندنا»، لنقلب الطاولة على ذلك المصري البليد الذي أعلن مؤخرا أنه لا يعترف بالسودان كدولة مستقلة ويطالب بضمه لمصر..ملوك النوبة حكموا مصر وفلسطين لأكثر من قرن وتهارقا النوبي هو الملك الوحيد الذي ورد ذكره في التوراة كحاكم لمصر.. يعني نطالب بضم أجزاء من مصر الى السودان وخصوصا ميدان التحرير! الراي العام