بدور عبدالمنعم عبداللطيف [email protected] برنامج أفراح وأفراح الذي تبثه قناة النيل الأزرق هو في حقيقته صورة مصغرة أو نموذج حي يعكس احتفالاتنا في مناسبات الزفاف.. تلك الاحتفالات التي تكاد أن تكون متشابهة إلى حد التطابق، ذلك إذا استثنينا هوية العروسين .. وبما أن العروس هي البطلة الرئيسة في ذلك الفيلم "ليلة الزفاف"، تجد الجميع يحرصون على أن تبدو في أبهى وأجمل صورة. ولكي تتحقق تلك الصورة تتوجه العروس الشابة إلى أحد مراكز التجميل التي تعج بها العاصمة المثلثة والولايات.. تدخل العروس تلك المراكز وهي تحمل بين يديها وجهاً جميلاً يتجلى جماله في بساطته..وجهاً لا يتطلب أكثر من لمساتٍ بسيطة تبرز ما خفي من مواطن الجمال دون أن تجور على الأصل أو تبتذله.. ولكن للأسف فإن الواقع الذي نراه اليوم هو أن تلك المراكز تهدينا مسخاً مشوهاً..وجهٌ يرتدي قناعاً (Mask) أبيض ذا لونٍ جيري وطبقة شمعية لامعة.. هذا القناع الأبيض.. الجيري..الشمعي اللامع، قد تجولت فرشاة "خبيرة" التجميل فوق أديمه فأغدقت عليه بكرمٍ حاتمي زفةً من الألوان التي أول ماغشيت الخدين والشفتين فأمطرتهما بوابلٍ من اللون الأحمر الفاقع، ثم واصلت مسيرتها حيث استقر بها المقام في الجفنين لتنتظر لبعض الوقت ريثما تستقر العروس على رأيٍ نهائي، وهذه الخطوة في أغلب الأحيان تستهلك وقتاً تظل فيه العروس حائرة أمام ذلك الزخم من الألوان الصارخة..الأصفر.. الوردي..الأخضر.. البنفسجي..الأزرق..البرتقالي..الأحمر..إلخ ومن جهةٍ أخرى فقد تطلب العروس أحياناً من خبيرة التجميل - بناءً على اقتراح صويحباتها بضرورة مواكبة الموضة - بأن ترسم أو تلصق لها أعلى الحاجبين نجيمات فضية أو ذهبية يتوهج بريقها مع مصابيح الإنارة التي تنشر أضواءها في القاعة. أقول أن تلك العروس الشابة التي تحاكي "البلياتشو"، منظرها صادمٌ للعين والنفس معاً بل أذهب أبعد من ذلك لأقول أن المكياج بتلك الصورة المنفرة يجعل من التحجج بمجاراة الموضة محض سذاجة وسطحية في آنٍ واحد. لم أكن لأتطرق لهذا الموضوع لو لم تصبح تلك الظاهرة جزءاً من ثقافة المجتمع السوداني حيث أن المدعوات أيضاً يتعاطين ذات النوع من المكياج المبتذل في تلك المناسبة فالمرأة السودانية للأسف الشديد تحبس نفسها وراء قضبان التقليد الأعمى فتراها تلهث دون دراية أو وعي وراء كل تقليعة وكل جديد دون أن تتوقف أو تفكر للحظة إن كان ذلك الجديد يناسبها أم لا. وفي هذا الإطار نعيد إلى الأذهان سيرة ملك البوب الراحل "مايكل جاكسون" الذي وإن كان بياض بشرته يعود إلى مرضٍ جلديٍ (البهاق) – كما أفتى أطباؤه - إلا أنه شاء أن "يكمّل الناقصة" فسلّط "مقص" جراح التجميل على أنفه الإفريقي، ولم يتوان الجراح و"فصّل" له أنفاً جديداً، فأصبح وجهه يحمل عظمةً رفيعة يظهر أسفلها "كهفان صغيران" يسمحان بمرور الهواء الداخل والخارج... ومضى المغني في طريق التبرؤ من معالم هويته الإفريقية فأطال شعر رأسه الأكرت وفرده ليصبح أملساً ناعماً تتدلى خصلاته من فوق جبينه، وبذلك اكتسب تلك الملامح الأوربية واكتسب أيضاً معها ذلك الشكل "الأنثوي" المميز. وأخيراً أخشى أن يطول بنا زمانٌ فنرى العريس هو الآخر يطل علينا بقناعٍ من المكياج "الرجالي" ليصبح "البلياتشو" الثاني في منصة الزفاف (الكوشة).