قبل اسبوع قرأت ان القاضي سامي عبد الله شبو ، قد قام بتكسير هوية أحد رجال الشرطة في المحكمة و قال له : ( كلكم نوبه عبيد حرامية ) . و عندما اشتكى المحامي الى مدير الشرطة ، اكتفى مدير الشرطة بأخد الهوية و لم يسجل بلاغاً ضد القاضي . آل شبو من كرام السودانيين لهم التحية و الاحترام . هذا التصرف لا يشبههم و نحن نعرفهم . و لكن ابنهم تصرف بعقلية الانقاذ و هذا الزمن الاجرب . من النوبه كان خيار السودانيين . كانوا ابطالنا تجياناً على رأسنا . منهم البطل على عبد اللطيف الذي لا يحتاج لتعريف . يطلق اسمه على المدارس و المنشآت . و هو يحمل دماء النوبه و دماء الدينكا . منهم البطل عبد الفضيل الماظ و هو من النوبه المورو . و القائمة تطول . لقد انتحبت عندما قرأت الخبر و أحسست بالعجز و الغبن و القهر . فمن خيرة البشر الذين عرفت كان تؤام الروح بله رحمة الله عليه . و والده من النوبه ميري و أمه من الدينكا ابيليانق شمال اعالي النيل . كان زينة رجال العباسية . بذنا جميعاً خلقاً و ادباً و شجاعةً و كرماً . و تذكرت كذلك زواجه . و لقد كنت وزير العريس في يناير 1975 . و العروس هي بنت اخت مولانا القاضي عبد المجيد امام عبد الله . و هو بطل اكتوبر . و من الممكن جداً ان اكتوبر لم تكن ستنجح اذا لم يخرج رئيس المحكمة العليا مولانا عبد المجيد امام عبد الله بقامة الدينكا ، و مظهره المهيب و قاد جبهة الهيئات ، فما نجحت اكتوبر . عندما تصدى ظابط البوليس قرشي فارس الموكب ، قال له مولانا عبد المجيد رحمة الله عليه : ( انا آمرك بأن تذهب من هنا ) . كان الفارس / قرشي فارس ، يريد ان يسمع ذلك الامر فصرف العسكر . و انا بين الدمع و الألم تذكرت المايسترو – الدكتور ابراهيم مصطفى . و هو أخ زوجة تؤام الروح بله . و تذكرت دكتوراً آخر لا يشبع من مص دماء المرضى ، و يحول كلية الطب الى ( كنتين) . و يمتلك مستشفيين . ثم يصبح وزيراً للصحة في الزمن الأجرب . أنه البروفيسور مامون حميده . و أقول شتان ما بين الطبيبين . أحد يلقف و آخر يهب حياته لبلده . و نسمع من يقول (لن نعطي الجنوبيين حقنة ) . و آخر يطالب بأخراج الجنوبيين . أنه الزمن الأجرب . هذا الموضوع كتبته في التسعينات و اعدت نشره قبل سنين . و أعيده الآن ، فقد يفهم البعض لماذا نبكي . اقتباس قبل اسبوعين سمعت بخبر مرض الصحفى الاستاذ وجدى الكردى . ولقد صدمت لان وجدى اصيب بذبحه وهو لا يزال شاباً . كما يعجبنى جداً اسلوب وجدى فى الصحافه فهو خلاق لاا ينتظر الخبر بل يذهب اليه ويبحث عن المواضيع . بعد عده محاولات أتانى صوت وجدى فى التلفون وطمئننى وعرفت ان العمليه كانت ناجحه وحمدت الله على هذا . وبعد ان اكملت المكالمه بدأت افكر فى الرجل العظيم الدكتور ابراهيم مصطفى . الذى انشاء أول قسم لجراحه القلب فى السودان وفى مستشفى الشعب . ورفض ان يكون له مستشفى خاص وكان هذا فى امكانه . كما رفض ان يعمل مع الدكتور العالمى مجدى يعقوب المصرى . وفضل ان يعطى وقته وجهده لبلده . ومات فى شقه صغيره لم يمتلكها بل كانت ملك جامعه الخرطوم ولو اراد لكان من كبار المليونيرات . وتذكرت موضوع نشرته فى جريده الخرطوم فى نهايه التسعينات . المايسترو _ الدكتور ابراهيم مصطفى عندما عانى الملك خالد من قلبه طلب من الانجليز ارسال احسن اخصائى قلب عندهم . واستجاب الانجليز لطلب الملك وارسلوا المايسترو كما كانوا يلقبونه د . ابراهيم مصطفى من امدرمان بانت جنب الخور . وعندما اراد الملك خالد ان يكافى المايسترو رفض ان يطلب اى شئ لنفسه . وتحت الحاح الملك خالد طلب عياده لجراحه القلب فى السودان , لتكون اول عياده فى مستشفى الشعب وفى كل السودان . وأتت المعدات من كوبنهاجن شركه راديو ميتر . فى سنه 1974 رجعت للسودان بعد غيبه طويله لزواج أخى ( بله ) زينه رجال العباسيه . وتأخر الزواج لان أخ العروس كان فى مؤتمر فى الجزائر . وبالرغم من ان خال العروس هوقاضى الاستئناف والرجل الشجاع عبد المجيد امام عبد الله , وخالها كذلك طه امام واحمد اسكوب , من عتاوله العباسيه . الا ان الجميع كانوا يصرون على حضور د. ابراهيم مصطفى . اول مره اشاهد المايسترو كان فى مطبعه ايمان عندما ذهبت لطباعه الكروت بصفتى وزير العريس . وكان هو كذلك لسبب مماثل , بصفته أخ العروس . وقلت له مازحاً ( ياخى اخرتونا ) فرد خجلاً وهو ينظر الى الارض ( ما كان فى لزوم للتأخير الناس ديل بس ركبوا راسهم ساكت ) . وأثناء الحفل الذى احياه شرحبيل كان المنزل مفتوحاً للجميع واختلط اهل المورده بالعباسيه وبانت وبقيه امدرمان , والمايسترو يسألنى بكل رقه ( محتاج مساعده . عاوز حاجه ؟؟ ) وكان يترك اصدقائه لكى يساعد بكل تواضع وابتسامته العذبه لا تفارق فمه . د. مجدى يعقوب المصرى جراح القلب العالمى ( لندن ) . حضر الى الخرًطوم لمقابله المايسترو . عندما فشل فى الاتصال تلفونياً من الهلتون لكى يحدد موعدا مع المايسترو ذهب الى المستشفى . وعندما سأل البواب عن المايسترو كان الرد ( ما ياهو داك ) وكان المايسترو كعادته متنقلاً داخل المستشفى بكل بساطه وبدون ( هيلمانه ) . رفض المايسترو عروض دكتور مجدى , وان يترك السودان . وكان يقول عادهً ( بالرغم من المشاكل والمعاناه يجب ان يضحى الانسان لوطنه ) . عندما تركت السائق خارج دارهم فى بانت , لاننى احرجت عده مرات بادخال السائق فى صوالين الآخرين رأيته يدخل السائق الى الصالون ويقول لائماً ( بانت دى شجره ما فيها ولا ضل كيف تخلى الراجل فى الشمس |.؟ ) وذهب ليحضر مشروباً مثلجاً للسائق . لقد كان بسيطاً متواضعاً سمحاً . لم اسمعه يتحدث عن الآخرين الا بالجميل ولم اره غاضباً او خارجاً عن طوره . فى سنه 1988 عرفت انه يبحث عنى فاسرعت الى عياده فى شارع الجمهوريه بالقرب من فندق الشرق , عرفت منه انه فى فتره غيابه تعطلت كل المعدات , لان بعض الاذكياء حاولوا صيانتها بدون سابق معرفه . وكنت وقتها قد صرت وكيلاً للشركه المصنعه . وحتى هذا التصرف السئ لم يخرجه عن طوره . بل كان يقول ( نعمل شنو ما هى البلد كده انحنا لازم نقعد فى البلد دى لانها بلدنا , ولو ما انحنا قعدنا فى البلد دى حتتطور كيف ؟ ) المطلوب وقتها كان تغيير او اصلاح اللوحات الالكترونيه . ولاهميه الموضوع ولكى يتجنب التأخير عرض ان يدفع التكاليف من جيبه الخاص . مدير المبيعات لشركه راديو ميتر ادهشنى عندما قال ان الشركه ستتكفل بكل المصاريف بدون مقابل . ولقد كنت اعرفه كرجل اعمال شرس لا يترك مليماً واحداً وحتى عندما كان يزورنى فى السويد كان يحاسبنى على كل مليم . السبب فى كرمه المفاجئ هو قوله لقد تعاملت مع كل العالم لم ارى ولن ارى رجلاً كدكتور ابراهيم مصطفى . ففى كل مره نعقد صفقه يطالب البشر بعمولات او رشوه او دعوه للدنمارك . ولكن الدكتور ابراهيم مصطفى كان يرفض اى شئ , او خدمه بل يصر ان يدفع تذاكر سفره بنفسه . وهو احد الدكاتره القليليل اللذين حاولوا ان يستوعبوا معداتنا من الناحيه الفنيه . وهو جراح قلب لا مثيل له . وتصادف ان كان للشركه فنياً فى طريقه الى ليبيا . فأرسلوه الى السودان بقطع الغيار وتكلفت الشركه بكل المصاريف . وكانوا يقولون دكتور مصطفى شئ خاص جداً سنتعامل معه بطريقه خاصه جداً . عندما سمعت ان المايسترو قد مات مع زوجته لان البتوجاز قد انفجر فى زوجته وحاول هو انقاذها ومات الاثنان , تألمت كثيراً وتذكرته بأدبه الجم وابتسامته العذبه والخساره الجسيمه التى تكبدها السودان . لو اراد المايسترو لكان ساكناً بقصر محاطاً بالخدم والحشم فى بلاد الغربه . ولم يكن يحتاج لان يقترب من المطبخ ناهيك الى التعرض لانفجار البتوجاز . من عطف الدنيا عليا ان قابلت كثيراً من الرجال والنساء من هم خيراً منى ولكن امثال المايسترو يشعروننى بتفاهتى كبشر . شوقى بدرى .... الدكتور ابراهيم مصطفى هو خال ندى ابنه تؤام الروح احمد عبد الله ( بله ) رحمه الله عليه الذى لا ازال ابكيه يومياً , وهو كذلك أخ الاخت نور ارمله بله . رحمه الله على هؤلاء العظماء وليأخذ الله بيد الباقيين .