[email protected] ************************* ميرغني معتصم ************************** ( كم سؤال حيّر هم الكتابة .. وكم إجابة بقت أشبه بالمحال .. السؤال يضيق ما يلقى إجابة .. والإجابة تنتظر طرح السؤال ..) ************************* ليس هو في كل حالاته.. وقد لا يكون سودانيا صالحا، لكنه ليس فاسدا، ولا مرتشيا، .. ليس محابيا مداهنا، ولا انتهازيا. توجه ببضع كلمات، في صيغة سؤال، حررها من العواطف وأخضعها لسلطة عقله البسيط ،وجهها إلى ذاته لحظة حساب. إذ أفصح راويه البراغماتي الذي كان يحلم بالزواج من متصابية إرستقراطية : " عطا المنان مواطن مطيع، لا يرى من الدنيا إلا المسموح به.. ولد وفي فمه ملعقة من فقر، يلهث وراء قوته من الصباح إلى المساء، لا يفقه شيئا عن السياسة، .. حديث السياسة، .. ألغاز السياسة، إلا ما يريده الساسة. غاية مستشرفاته في هذه البسيطة، أن يعيش حياة كريمة، .. لا يريق ماء وجهه، ولا تجرح له مشاعر. هو رجل واقعي،.. زلق اللسان،.. يتعايش مع كل البشر،هو معهم إذا لزم الأمر،.. وعليهم إن اقتضى الموقف غير ذلك. كثيرا ما يسقط في دائرة من الإسفاف والأكاذيب، ويلتفت في كل اتجاه باحثا عن مخرج من هذا المعطن الذي يعبئ داخله كمسلمات أبدية. يستيقظ كل يوم ليتذمر من كل ما له صلة بحياته، وما ليس له صلة. وكزواحف جغرافيته المجدبة، يضاهيها بالزحف على بطنه، .. لا غرو، فالكثير من الكائنات تسعى على بطونها تبحث عن رزقها. وهنا، هو لا يمتلك الخيار،.. ولا يعرف المسار،.. ولا ساعة الاحتضار، ولا يدرك في هذا المدى الذي قد يطول أو يقصر .. إنه يدب ويمضي كسائر بعض الناس في ذلك الطريق الذي لم يختره، بيد أنه مفروض عليه. قد ينافق عطا المنان دون أن يعي أنه يمارس التدليس والغش، .. يكذب معتقدا أن من سنن الحياة التي استحالت إلى صعبة، أن ينافق،.. وقد يستبيح حقوقا ليست له لأنه في زمن لا قاموس له ولا تبيان. يقف وسط هذه المتاهة والإسقاطات المزمنة.. ويتعايش معها كي لا يختنق. عطا المنان يرى أن العالم بأسره يكذب، والصدق أصبح كالعنقاء كائن خرافي اندثر كالديناصورات، هذا إذا لم يسبب لصاحبه الهلاك، لا يعي. وقد تسقط إنسانيته كبشر كسقوط كل حقوق الإنسان في أرجاء الكوكب كما يشاهد في التلفاز. يجزم يقينا أن لن يخرج من ضلعه الأيسر ملائكة يسعون في مناكب الأرض، لقد أتى وتناسل ككل البشر.. ولن يترك خلفه مواليد هبطوا من السماء. ولهذا، فمن جاء قبله.. ومن سيأتي بعده سيمارسون تلك الأخطاء الكبيرة والشنيعة وسيرتكبون تلك الذنوب الصغيرة.. والجسيمة والبالغة الأذى.. وسوف تتواتر حروب الكوكب،.. والأزمات والمحن،.. وسوف تغضب السماء والبحار من أفعال أهل الأرض،.. ويفنى بشر ويولد آخرون. وتترى أوصاف محدثنا حول عطا المنان المواطن في معمورة الرحمن، بأنه لا يطالع الصحف إلا ليمنّي نفسه برؤية كيف تعيش الأوساط المخملية وفق الرؤى السليمة للمجتمع. وحين تقوده عيناه إلى "ستاند" الجرائد المستقلة أو المعارضة، يستشعر حالة من الإعياء والغثيان، يهرول إثرها إلى قنواتنا المحلية ليقتبس منها ومضات الصواب والحكمة، ويتعلم كيف برعت في فنون الإعلام الجديد والقديم وحتى المستقبلي، ويشنّف أذنيه بمطلع سرمدي يدندن معه : " أنا ما سرقت .. أنا جيت أعاين". أيها السادة - والحديث لم يزل للراوي- إن المدعو عطا المنان، مواطن مثالي يجيب على كل سؤال ب "حاضر"، لا يبارى في الهدوء والخنوع، .. هو المواطن الذي يقول لأي كان نعم ويؤيد فكرة، .. هو المواطن الذي يركض إلى صناديق الاقتراع ولا يحمل بطاقة انتخاب، وينجح من صوّت له أو لم يصوّت، .. هو المواطن الذي يهجر منزله متقافزاً عبر الشوارع ملوحا بعلم بلده حينما يفوز منتخبه الرياضي الذي لا يشجعه، .. هو المواطن "المندفس" فى الحافلة أو ذاك المسخ الخديج الذي يسمى "الركشة"،غير عابئ بسعر الوقود لأنه لا يعنيه. عطا المنان – سادتي - هو كل هؤلاء وأكثر. واسترسل محدثنا مذهولا من سؤال وجهه إليه عطا المنان الذي أخفق في حل طلاسمه، حين عاجله : " ماذا تعنى كلمة ديمقراطية؟"، تلك التي سأله عنها أحد أبناء الحي من "وافدي الشهادة العربية". أطرق الرجل كثيرا، وفكر وقدر، .. هل تعنى هذه الكلمة الحرية،.. الكرامة، أم الريادة؟ .. هل هي دلالة فكر ملحد كافر يدعو إلى الإحساس بالذات والأنانية، .. أم ماذا؟. ولم يزل عطا المنان يطوف شوارع الحي ويهذي حتى ساعتنا هذه : ( كم سؤال حيّر هم الكتابة .. وكم إجابة بقت أشبه بالمحال .. السؤال يضيق ما يلقى إجابة .. والإجابة تنتظر طرح السؤال ..) "أخبار اليوم"