طارق عبدالرحيم قولي [email protected] الحمامة التي جاءت كيما تحلق فوق أرض الوطن فقدت بعض ريشها و هربت بعد أن ضلت الطريق نحو السلام فأصبحنا نستاك بالحرب صباحاً و نتناول الكراهية قرصاً مثيراً للأعصاب قبل النوم .. و أولئك الأطباء الفاشلون الذين عندما و ضعوا الوطن على طاولة العمليات لتضميد جراحه أول ما فعلوه فصلوه إلى جزئين .. و وصلوا بينهما أنبوب للنفط ليحيا .. فكان الصراع حوله لبقاء الأقوى .. عجباً منهم جميعاً شمالاً و جنوباً .. يضعون السلاح فتضع الحرب أوزارها و يجلسون للسلام و الإتفاق .. يتفقون .. يوقعون .. تتشابك أيادي ثلاثتهم ( عمر البشير ..جون قرن .. على عثمان ) يومها أحسسنا أن الحرب ستصبح من الأساطير لا مكان لها في الواقع .. بعدها خرج أهل السودان في الخرطوم .. جوبا .. مدني .. واو .. كوستي .. ملكال .. يغنون ( سلام .. سلام ) و يرقصون بتمازجهم و تنوعهم .. و يرسلون أحلامهم إلى البعيد صوب الأمن و الإستقرار و البناء و الإعمار .. و سنابل القمح و اهازيج الصغار الذين سيتشبعون بالفرح و المحبة و التعايش السلمي السليم و المعافى .. ويعود جون قرن إلى السودان الوطن الواحد في ذلك الوقت ويستقبلة كل الحالمين بوطن جميل موحد و تمر أيام قلائل .. تسقط طائرته .. يموت .. وربما مات معه مشروع نضال إسمه ( السودان الجديد) و تعود الأيام لسابق عهدها و يتفجر الشريان الذي نسيناه و كان يختزن في داخله دعوات الجاهلية الأولى و الكراهية و تتحول الخرطوم لساحة من الدمار و الدماء.. على ما يبدو أن الجميع لم يعتادوا على حياة السلام .. الواقع الجميل كما الأحلام الجميلة تمضي سريعاً و السلام .. وبموجب إتفاقية السلام يذهب الجنوب جنوباً كدولة قائمة بذاتها و يظل الشمال كما هو عليه مُثقلاً بجراح الحرب و بعض المُلتصقين بجلده يمتصون دمه .. والبعض الآخر الذين ينتفعون من بذر بذور الكراهية و العنصرية ، مازالت أصواتهم تنعق .. و على الطرف الآخر هنالك في الجنوب وتلك العقول على رأس الحركة التي لم ترقى إلى فهم دولة ماتزال ثؤثر البقاء في طور حركة متمردة .. أوليس الأولى أن تشتغل في تطوير دولتها الوليدة و هم يمتلكون كافة الموارد لذلك ؟ .. أي عقلية تلك التي يفكرون بها ؟ .. وتسقط هجليج وتسقط معها بوادر الإتفاق حول الحريات الأربعة ( حتى الحريات لم يطلقوها و إنما حُوصرت و حُصرت في أربعة ) و حتى هذه الأربعة سقطت .. و سقط آلاف القتلى في هجليج ما بين دخولها من قبل الحركة الشعبية و إستردادها من قبل حكومة الشمال .. نعم الاف القتلى الذين سوف يتحولون بعد أعوام طويلة إلى لعنة أسمها (بترول) قد يتقاتل عليه الأجيال القادمة .. و الخرطوم تفور و تغلي أصابها الجنون القديم .. جنون الدم والكراهية .. و تجار الفجيعة و السلاح أكثر فرحاً لإندلاع الحرب .. و الشوارع ملئ بالهتافات .. الصادقون .. المنافقون .. الذين يتاجرون بأسم الله و الدين و الدماء .. و الذين يمتلكون أوقات إضافية من الفراغ أيضاً أتوا ليفرغوا هذه الساعات .. ويختلط الصالح بالطالح .. و يفضل البعض الصمت . في أحايين كثيرة نُصاب بدوران الأسئلة و غثيان اللا إجابة .. أسئلة على شاكلة .. ( عندما سقطت طائرة جون قرن ومات .. هل سقطت معها آخر أحلام الوحدة و إنكسرت ؟ ) .. ( و هل إنفجار أنابيب النفط في هجليج فجر الشريان القديم للحرب فإندلعت تتدفق دماً بدلاً من النفط ؟) .. ( هل أنت عربي ؟) ..( هل أنت ذنجي ؟) .. ( و هل أنت و أنا بشر ؟ ) و هل .. و هل؟ .. و هل ؟ .. و الأهِلة جعلناها مواقيت للحرب و السفر صوب الحزن .. الحرب أولها كلام .. هكذا قيل قديماً .. و قيل حديثاً : ( الحركة ) .. ( الحشرة ) .. ( جنى عرب ) .. ( جلابي ) و الحرب تدور رحاها و يروح ضحية لها ألالاف من البشر ..و في السماء تدور النسور و على الأرض الجثث .. و بالناس الحزن و الوجع ..