بدور عبدالمنعم عبداللطيف [email protected] أطلق المارد الجبّار ضحكةً كريهة بانت معها أسنانه الصفراء القبيحة، ثم قال مخاطباً المواطن المتردد: أنا "الجوع" دعني أسوقها إليك نصيحة يا أخي أو قل حكمة .. إن خرجت في تلك المظاهرات الاحتجاجية، ستُزهق روحك برصاص شرطة النظام .. وإن لم تخرج فإنني قاتلك .. إذاً فمن الخير لك أن تخرج وتموت متكفناً بثوب من الكرامة والعزة، وصدقني لن تموت قبل أن يحين أجلك. على إثر تلك النصيحة الغالية خرج مواطن .. ومواطن .. و .. مواطن .. تدافعت الجموع في الشوارع والأزقة والطرقات .. وتعالت الحناجر بالهتافات وارتفعت الأيدي باللافتات .. حروف تموج في الكلمات .. فارتعب النظام .. وارتبك النظام .. وتقزّم النظام. وتلاشى النظام .. وهب نسيم الحرية .. وأضاءت الوجوه ابتسامة فارقتها طويلاً. وتعانقت السواعد والأيدي ترتق ثوباً مزّقه أناس غرباء، وحلّقت حمائم السلام تلملم شعث وطن شرذمه هؤلاء .. وأخرجت الأرض نباتها وازدانت الحقول بالزروع والثمار .. ودارت المصانع .. وعاد الجيش إلى حضن الوطن الكبير الذي يسع الجميع. ولكن في وسط هذا الكم من الجمال، وفي مجتمعٍ كان في زمان مضى – قبل مجيئ هؤلاء الغرباء - من أنظف وأطهر المجتمعات الإسلامية .. مجتمع يمارس إسلاماً حقيقياً لا تنفصم تعاليمه عن تلك القيم التي تربى عليها أفراده وتوارثوها جيلاً بعد جيل .. قيم الأمانة .. الكرامة .. الشرف .. النخوة .. المروءة .. التكافل ..الحفاظ على الأنفس والأعراض والحرمات وغيرها من تعاليم الإسلام. والآن أورثنا هؤلاء القوم مجتمعاً متهالكاً مريضاً تسري في جسده كافة أنواع الجرائم والموبقات التي لم نكن نتصورها في أكثر كوابيسنا قتامة . طالب جامعي يقتل زميله .. أب يلقى حتفه على يد ابنه المتطرف .. وحوش آدمية تفتك بطفلة العامين .. أم تبيع أطفالها خوفاً عليهم من موت يلوح في الأفق .. خفير يقتل أستاذ جامعي في منزله.. زوجة تتآمر مع عشيقها فتقتل زوجها رجل الأعمال الثري ..طبيب يدير عيادته لعمليات الإجهاض .. امرأة تلقي بأطفالها في المرحاض .. شقق مفروشة للطالبات المتزوجات "عرفيّاً ".. أخ يقتل شقيقه .. امرأة تتزوج من طليق ابنتها .. مخدرات تُسرًَب إلى طلاب المدارس والجامعات .. ابن يستغل توكيل منحه له والده فيبيع البيت ويرمي بأبويه في الشارع .. مدرس يُلقي بنفسه في النيل .. الإيدز يتسلل عبر بوابات المخدرات والعلاقات غير المشروعة .. بيوت تُنهب .. أعراض تُنتهك .. أطفال تُختطَف و.. و .. وأمان مفقود. هذه النماذج من الجرائم التي أفرخها الفقر وما يرافقه من ضغوط نفسية ليس من السهل اجتثاثها بعد أن توغلت في جسد المجتمع، ولم يعد بوسع أي حكومة قادمة مهما بذلت من جهد لترميم الاقتصاد، القضاء عليها بين عشية وضحاها.