[email protected] لأن ما نشهده في ميادين كرة القدم صار دربكة خالية من فنون اللعبة وجمالياتها لم يعد الانتماء لفرق الكرة السودانية كافياً لأغلب المصابين بهوس العشق الكروي، لذلك أضافوا لاهتماماتهم المحلية انتماءات عالمية عبر المتابعة اليومية الدقيقة لما يجري في الساحة الأوروبية من تنافس بديع تكفيهم فيه مشاهدة المستطيل الأخضر وإن كان خالياً من الحراك0 وحتى عهد قريب لم يكن لدينا أدني اهتمام بأخبار الكرة الخارجية إلا حين تنطلق منافسات كأس العالم التي تتحفنا بالكثير من الفنيات والمتعة والإثارة بل أن ما يبذله الصحفيون الرياضيون الذين يقومون بتغطية هذا الجانب لم يكن يجد إقبالاً يذكر حيث أننا كنا ننصرف بكلياتنا لما يدور في فلكنا المحدود، سواء كان ذلك في الفن الكروي ذاته أو في صراعات القائمين بأمره – وهي الأوفر حظاً - إلا حين ننازل الفرق أو المنتخبات الأجنبية0 ولأن المشاركات التنافسية على مستوى قارتنا أو في إطار انتماءنا العربي أجبرتنا على توسيع رقعة الوعي بالآخر فقد صار أصغر مشجع لدينا على دراية تامة بأسماء الفرق الأجنبية وأبطالها ومدربيها ومستوياتها، وتلك حسنة لكن لا يجب أن تلهينا عن محليتنا0 قبل أيام كنت استمع لجماعة يتجادلون بحماسة فائقة وتعصب أعمى ظهر لي من خلاله من يميل إلى برشلونة ومن يدين بالولاء لريال مدريد ومن يعتقد أن ملوك الكرة هم مانشيسر يونايتد أو سيتي أو ليفربول أو بايرن يونخ أو سيلشي مع إلمام تام بمستويات وإنجازات الفرق الإيطالية والبرازيلية والأرجنتينية والعربية العديدة حتى صرت بينهم كجاهل مغيب تماماً عن الثقافة الجديدة0 ويبدو أن هذا الوعي الذي توفر في زمن الفضائيات الميسرة والنقل المباشر أبدل حيادنا وجلوسنا على مقاعد المتفرجين ليصبح تسليماً كاملاً بقدرات ومهارات الآخرين حتى صار لكل مشجع فريق محلي وفريق عالمي يحرص على مشاهدة مبارياته بغرض المتعة والإشباع فيهلل لانتصاره ويحزن لهزيمته0 وبينما نحن على هذا الحال جاء من يعتبر عند تلك الجماعة مرجعاً في ثقافة الرياضة العالمية يفوق بمعرفته الواسعة حصيلة عبده قابل المحلية وإحصاءاته الدقيقة0 فهل يتحدث في وجوده أحد عن هذا المضمار؟ تحدث ذلك الشخص فأذهلني بفيض المعلومات التفصيلية التي دلقها بسلاسة يحسد عليها فخلت أن برشلونة تجري مرانها اليومي باستاد الهلال وأن ريال مدريد يسكن تخوم العرضة0 وباعتباري من الذين شهدوا العصر الذهبي للكرة السودانية في الستينات والسبعينات بعناصرنا الوطنية، قبل أن تعوق مسيرتها قرارات الرياضة الجماهيرية لبعض الوقت، لم يحدث أن تخلينا عن محليتنا لتشجيع الفرق العالمية إلا في حدود الإعجاب العام والتمني بأن يأتي اليوم الذي تتطور فيه قدراتنا لمجاراة المستويات العالمية0 أما الآن فيبدو أن التدني الأدائي والانصراف عن البذل الفعلي يجعلان الأجيال الحالية وربما المستقبلية من هواة المشاهدة للمنافسات العالمية أكثر من المحلية لدرجة أنني لا استبعد انصراف الجمهور ذات يوم عن مبارياتنا المحلية والاكتفاء بمشاهد العالمية عبر التلفاز0 ولكن لكي لا نتحول إلى مجتمع استهلاكي للرياضة يعتمد على عطاء الآخرين، مثلما يحدث في انكفائنا على المسلسلات الأجنبية، لابد أن نتوقف قليلاً لنتأمل حالنا والعمل على الارتقاء بخاماتنا الوطنية وصولاً لمشارف المستويات العالمية وليس عبر استجلاب العناصر الخارجية التي صرنا نعتمد عليها في تحقيق انتصاراتنا لتشدق قائلين بأن فرقنا تنافس على مستوى القارة0 صحيح أن الفرق التي ننافسها تعتمد أيضاً على مهارات بعض الأجانب غير أن ذلك لا يجب أن يجعل أبناءنا يؤدون دور الكمبارس أمام الأجانب0