.. [email protected] الناس في كل مكان تتغني بصوت زمانها ، فالأمكنة تظل ثابتة وتتبدل الأزمنة فهي أناس مختلفون وان تشابهوا في ملامحهم ! ما يتغنى به أجدادنا بالأمس ليس بالضرورة ما يحرك وجدان شباب اليوم ، وغدا سيغرد صوت جديد في مسامع الأفق قد يستهجنه أو قد لايستسيغه على الأقل الجيل الحالي ! وهكذا حلقات الحياة تأخذ برقاب بعضها نحو الاستدارة كالمسبحة بين أصابع المراحل ، فكل جديد سيؤول الى قدم ، مثلما كان القديم جديدا في زمانه ،المهم في الأمر الا تنكر حلقة على آخرى حقها في الوجود ، فاعتراف كل واحدة بما جادت به التي قبلها وافساحها لما بعدها المجال في الكر الى الامام وفقا لزمانها هو ما يولد التواصل والتكامل المتسلسل في دورة البقاء ! مغني اليوم يصف محبوبه بأجمل ماتراه عيون اللحظة التي أمامه وربما لايلتفت الى الوراء ليراه بمنظار الأمس ، وهذا حقه ! أنا شخصيا لو كنت من شعراء ذلك الزمان ولكّني أعيش بعقلية اليوم ، لبدّلت ماكان يقوله الفنان القديم / مدني صالح ، ولا أدري ان كان حيا فنتمى له العافية وان سمت روحه الى بارئها فله الرحمة ، فهو القائل في أغنيته المشهورة تلك وبفهم زمانه. يالوالدة ما تدقنوا ، العّقّر مابلدنو ، ميتين جنيه من سرجو مابدلنو ! فلا أعتقد أن من نسميها عاقرا قد قررت أن تكون كذلك بمحض ارادتها لنكيل لها اللوم أو نجرحها، بل أظنها أكثر تشوقا لكي تكون أما وصالحة ربما أكثر ممن ولدن ابناءا اشبعوهن عقوقا وما أفادوا الوطن في ْشيء! ففي ذلك الزمان ربما كان أجمل مارآه الشاعر ليصف به صغيره هو سمسم القضارف ! لكّنه لو جاء بعاطفته تلك الجياشة وشاعريته الحنونة ، ليرى زيت سمسم القضارف اليوم وقد سال معصورا تحت أقدام الأفيال التي خرّبت الحقل ولم يعد ولودا كما رآه في زمانه الجميل ، لغنّى بملء حنجرته، نادبا عقم الوطن أو قل توقفه لفترات متباعدة عن انجاب من يحمى تلك الجنيهات ويصد عنها الذي يسرقها وهو ينحني من على سرجه ،ولن يتعفف عن ذلك كما وصف هو فارسه الأمين في الأغنية ! وأن من يمسك باللجام اليوم لن يحرسها حتى يلتقطها من يستحقها! أما عقر المسكينات الذي عابه عليهن في زمانه ، فقد أصبح مقدورا عليه في أغلب حالاته بما حبا الله العقل البشري من فنون العلم ،هذا ان كانت الواحدة منهن على مقدرة من ارتياد أماكن العلاج ، في زمن ضياع سمسم القضارف تحت أقدام الأفيال وعيش الجزيرة في هجمة مناقير الزرزور وبلح الشمالية وقد نخره السوس المتصارع على الشخاليب ووصل الى ساق النخيل فبات خاويا على ندرة السعف ، أما صمغ هشاب الغرب فلم يعد على ذات سماكته قادرا على رتق الفتوق التي باعدت بين كثير مما كان ملتحما على زمان ذلك الشاعر في دواخل النفوس التي كانت راضية مطمئنة ، وعاجزا عن الصاق مساحات الأرض المنداحة الأن تباعدا عن بعضها وهي تميد طرية وتذوب وسط الحرائق المتكالبة ، وكانت قديما تتلاحق أطرافها قوية العنفوان لتتعانق تلاقحا بالحب ، فولدت في ذلك الزمان كل منتوج جميل ويدعو الحناجر للتغني .. لا النواح ! فتعالى ايها الشاعر القديم لترى العقر وقد تكلس ورما في ذلك الرحم الذي كان ولودا ولودا يقابله الآن ايضا عقم سمسم القضارف أو حتى معاصر بذور قطن طوكر التي صدئت شيخوختها عن انتاج الزيت الذي يغذي تروس حركتنا نحو الأعلى! وجمعة سعيدة على الجميع ، وخاصة لكل أم سودانية حيثما كانت..وهي ترضع مولودا حديثا لبانة الحلم بغد جديد لينشأ في حضنها وتغرسه سنبلة في خصوبة حقل الرفاه الذي نتمناه عامرا بالسواعد الصادقة والأمينة في البناء بل والحفاظ عليه وهو مخضّر بممرات السلام لأجياله ، فننام نحن عند باطن التراب في راحة لم نعشها فوق ظهره! *** ما بنحكي شامتين.. ياوطن لسانا.. أفصح.. أو رطن ومهما يجور حكم الزمن وخلف الشتات العز ركن مابنبقى.. خضراء الدمن ونرضى المهانات والوهن *** ولامن نقول ساعدك ضعف حارقنا جد.. هذا الوصف وفي حالنا..احتار الحرف السكة .. لمتين تترصف لى خطوة... مكتولة ولوف وشايفة الأديم مسروق خطف *** يا ربي ناسنا ..نسوا الزمان يوم هدوا جبروت الهوان رصوا الزنود جنب الحسان وكم علوا هامات المكان والليلة.. تايهين دون أمان والذكرى صارت كان وكان *** كم سرنا.. سايقين القطار رجعنا ليه ..آخر المسار الصوت تضاءل في انكسار واللمة.. باتت .. ابتسار أحسن نجاوب ..باختصار ما الليل بلع شمس النهار *** وسامحونا .