[email protected] الدكتور فيصل القاسم ، ذلك الاعلامي السوري الأصل والبريطاني بالتجنس والذي عرفناه مذيعا من خلف المايكرفون ، ينطلق صوته من اذاعة القسم العربي بلندن محللا هادئا لم يكن يعرفه الكثيرون ، الى أن عاد في هجرته العكسية مع انطلاقة ( عفريت ) قناة الجزيرة من قمم حبس الاعلام العربي في مهمة تصوير استقبالات ووداع وحفلات عشاء الزعماء ومتابعتهم بالكاميرات في حلهم وترحالهم ، الى مرحلة الاعلام الخبري الشامل والناقد والمحلل حتى لعينة دم بعض أولئك الزعماء ومعرفة ، مستوى السكر في مثانة أنظمتهم ! قبل الربيع العربي وحينما كانت يد النظام السوري باطشة طويلة خارج حدود سوريا و تستطيع أن تلتلقط أى صقر في فضاء الاعلام وتشويه حيا اذا ما ذكر اسم قيادة سوريا دون أن يتبعها بتعظيم لفظ الجلالة والعياذ بالله ! سواء في عهد الأسد الكبير أو الشبل العنيد ، ولكن الان اختلف الأمر ومنذ أن سقط ذلك النظام تحت سكاكين عنجهيته وغرق في حفرة الدماء التي حفرها بأظافره ، وجد فيصل القاسم الجرأة لاستضافة الذين لديهم حسابات لا تسقط بالتقادم مع النظام ، في مقابل نفر من المنتفعين منه والذين يمسكون بحوائطه المتشققة و يدافعون عن ذلك الحصن المتزلزل بهلع وسماجة خوفا من سقوطه ويهوون معه ، وهم يعلمون مصيرهم بعده ! في حلقة الأمس من برنامج الاتجاه المعاكس أستضاف فيصل القاسم ، واحد ممن وصفهم بأنه سياسي سوري علوي..معارض وسجين سابق ، في مواجهة آخر قال أنه أكاديمي سني باحث في مقارنة الثقافات والحضارات ورئيس أحد أحزاب الداخل السوري الأرجوزية اياها المؤيدة للنظام ! الحلقة منذ بدايتها كانت عبارة عن تشاكس في سخف اداب النقاش وتفتقر الى ابسط قواعد الحوارات التي يمكن أن يشاهدها من يحترم نفسه ، ووالله لولا أنني كنت أهدف الى ما كتبته حولها اليوم لما صبرت على ، سيل الألفاظ المشينة للقناة قبل غيرها وهي تبث ( ردحا ) بطريقة (شوبش وخشي في عبي ياختي ) التي تتبادلها عوالم الحارات القديمة في الأفلام والمسلسلات العربية ! كل ما يمكن أن يخطر على البال من العبارات السوقية بسطها الضيفان ومنذ الدقيقة الأولي وحتى نهاية الحلقة ، التي تحولت الى حلبة مصارعة تلاكم فيها الرجلان بكلمات هي أعنف من لكمات الوجوه ! وانحدرا الى مستوى التنباذ الشخصي خروجا عن موضوع الأزمة السورية وفيصل القاسم يجلس بينهما كحكم افتقد حكمة ادارة النقاش الذي أشعله هو من أول لحظة بطريقته التحريشية البعيدة عن أخلاقيات الاعلامي التي تقتضي منه ، ادارة الحوار في هدوء دون ايقاظ المرارات الشخصية بين ضيوفه ، لا استغلالا لمعرفته ببواطن الحزازات الطائفية البينية التي كانت نائمة تحت الرماد قبل الثورة السورية وبوصفه سوريا يعرف كل ما يمكن أن يزيد من اتقاد ذلك اللهيب! ولكنه ظل في دأبه ينكش بين ضيفيه حتى فقد زمام دفة الحلقة فأضطر الى ايقافها أكثر من مرة ليعود الضيفان من جديد لا للهدوء وانما لتبادل التقاذف باحذية السباب بعد التقاط الأنفاس ! لا أدري ان كانت الجزيرة ستعيد تلك الحلقة في الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر اليوم بتوقيت مكةالمكرمة ، فتكون قد سقطت في اختبار مهنيتها الاعلامية التي لن تتعافي منها ولوجزئيا في ظل تراجع أسهمها أخيرا رغم امكاناتها المهولة التي تظل سؤالا محيرا حول مصادر ضخها في شرايننها المنتشرة في كل أطراف العالم! الا بايقاف برنامج فيصل القاسم أو اعادة تصحيح مسارات اتجاهاته التي أصبحت عكس المشاهد تماما !