حروف ونقاط ولايات بمقاسات قبلية النور أحمد النور بدأت الدعوة للحكم الإقليمي في البلاد في السبعينيات بسبب استحواذ المركز علي الصلاحيات، والشعور بالتهميش الاقتصادي والسياسي... كان الحكم الإقليمي يومها يعني تحقيق أشواق المجتمعات في الأطراف ويعني تحقيق بعض من المشاركة والمساهمة في السلطة التي احتكرها المركز، وفعلياً بدأ الحكم الإقليمي منذ الثمانينيات، استجابة لأشواق المجتمع السوداني أنذاك، قبل تبني نظام «الانقاذ» الحكم الاتحادي في 1991م امتدادا لتلك التجربة. وكانت فلسفة قادة الحكم وغايتها في الحكم الاتحادي أو الفدرالي بناء ادارة عامة علي نمط يسمح بوجود هياكل تنظيمية ووظيفية مرنة وذات سلطات واضحة تتيح في مجملها علاقة بينية متناسقة وتخلق مناخا تنظيميا وبيئة إدارية واجتماعية تشبع حاجات الفرد والمجتمع والدولة. لكن تجربة الحكم الفيدرالي اضطربت وصارت عبئا على المواطنين،ولم تعد الولايات تساهم في ترقية الخدمات والتنمية،ولم يشعر المواطن أنه يشارك في صنع القرار في وحدته المحلية،بل تعزز الشعور بأن ولايته حمل ثقيل عليه وأن حكامه يقتاتون من عرقه ودمه. كما طغت دعوات تتبنى اعادة تقسيم الولايات الحالية على نحو جديد بحيث يضمن لبعض القوميات تمثيلا يمنحها الحق في ادارة شؤونها، بعد انشاء ولايتين جديدتين في دارفور يبدو أن الاعتبار القبلي كان حاضرا في الخطوة مما فتح الباب لمطالب عدة لانشاء ولايات أخرى،وصارت «موضة سياسية»، فاللجنة المكلفة التي قسمت الاقاليم الى ولايات أوصت ب 16 ولاية، ولكن الساسة في السلطة الحاكمة قرروا أن تكون 26 ثم اختفت ولاية غرب كردفان،وشهدت علاقة المركز والولايات حالات شد وجذب اخذت تتصاعد ويمكن أن تتطور الى شطحات تصعب معالجتها. الخميس الماضي أعلن النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه عودة ولاية غرب كردفان التي ذابت في ولايتي جنوب وشمال كردفان عقب اتفاق نيفاشا للسلام في العام 2005م،وهو مطلب لمواطني المنطقة ظل مرتفعاً ولن يضيع حق وراءه مطالب. غير أن انشاء الولاية فتح مطلباً من قبيلة الحمر وهم الشريحة الأكبر من سكان غرب كردفان،وتوجد في المنطقة ست محليات،فاجتماع حمر في النهود ومطالبتهم بولاية منفصلة يبدو ضغطاً على الخرطوم حتى تكون النهود عاصمة للولاية العائدة ورفضاً للفولة التي كانت الولاية السابقة. اعادة تقسيم الولايات بطريقة تبدو على مقاس قبائل كما حدث في دارفور،سيفتح باباً واسعاً يصعب قفله،ومحاولة كبت المطالب سيؤدي الى تفلتات ومتاعب سياسية لا أعتقد أن الخرطوم مستعدة لها. المبادئ الاساسية التي يرمي اليها الحكم اللامركزي تقصير الظل الاداري للشعب وتوزيع الموارد بعدالة وتحقيق اكبر قدر من التنمية المتوازنة ،لكن هناك ركنا مهما من هذه العملية لا يزال غائبا وهو الديمقراطية والشورى ،ودور المواطن في المراقبة والمحاسبة ،فالأجهزة القائمة «ديكورية» والحاكم شكليا منتخب من القاعدة ولكنه يخشى حزبه ولا يعير اهتماما لمواطنيه ومؤسساتهم لأنه يسترضي الخرطوم حتى يضمن استمراره في منصبه،خاصة بعدما شهد بعض الولاة مصير من حاولوا التعامل بندية وقدر من الاستقلالية عن المركز. المعضلة الأبرز هي تحويل الحكم المحلي الى مواقع للتوظيف السياسي والموازنات والقبلية ،وهموم المواطن في آخر الأولويات،وزاد الأمر تعقيدا اضعاف الضباط الاداريين وتغييب دورهم في الادارة،فتحولت الولايات الى مؤسسات سياسية وهياكل خاوية بلا فاعلية تبتلع كل الموارد،وبدلا عن تحقيق وفورات مالية لتحسين المرافق الخدمية بات المواطن يصرف على حكامه عبر حملات الجباية و»المكوس» وفرض الأتاوات . ما يطبق حاليا مسخ مشوه للحكم الفدرالي،والمطلوب مراجعة شاملة للتجربة،ووقف انشاء أية ولاية جديدة الى حين اكتمال المراجعة،والتفكير الجاد لتقليص الأجهزة وخفض المحليات،لا يعقل أن تكون في الولايات نحو مائتي محلية، لا تملك قوت يومها. الصحافة