بسم الله الرحمن الرحيم الفجرالجديد أم الضوء الشارد م. إسماعيل فرج الله [email protected] واحدة من أعظم الأشياء التي استطاع إنجازها الدكتور جون قرنق طوال مشواره النضالي وحدة المقاومين الجنوبيين خلف برنامجه الداعي للسودان الجديد الذي يقوم على الهوية الأفريقية والدولة العلمانية الموحدة ،ولا ينقص من ذلك انشقاق بعض قادته الميدانيين وتوقيعهم اتفاقية الخرطوم للسلام في العام 1996م مع النظام حيث الانشقاق كان وفق منهج فكري دعا فيه المنشقين الى التخلي عن فكرة السودان الجديد والعمل لدولة الجنوب المستقلة ،لكن بعد مراوغة نظام الخرطوم لهم وانهيار الاتفاقية إستوعبهم الدكتور جون قرنق في الحركة الشعبية لتحرير السودان وبمناصب رفيعة في قيادتها وبعض التنازل منه والتوافق على العمل لتحقيق السودان الجديد معا وإلا الرجوع لخيار الانفصال جميعاً لتكون في النهاية النتيجة التي أزهلت الكثيرين بتصويت الغالبية الساحقة من الجنوبيين للانفصال وبشبه إجماع منهم على فرحتهم باستقلال وطنهم عن بقية السودان. هذه الوحدة المنهجية وعلى فكرة واضحة مكنت الحركة الشعبية من نيل تفويض شعب الجنوب لها لإدارة خياراته رغم اختلافاته العرقية والدينية والسياسية ليختار (سلفا) رئيساً لدولته الجديدة الشئ الذي عجزت عنه حركات دارفور حيث كل من يتقدم لمفاوضة النظام ينشق عن حركته الأم ولا يستطيع الرجوع اليها اذا خالف النظام ثانياً بل يستمر منشقاً عنها ويقاتلها في بعض الأحيان في ظل الصراع على الآرض الضيقة التي يسيطرون عليها مما أنهك قواهم ،حتى فاق مجموع الحركات الدارفورية الحاملة للسلاح العشرين مجموعة رغماً عن وحدتها الإثنية ومطالبها التنموية والخدمية وتلخص برامجها السياسي في إعادة التوازن للدولة السودانية بما يحقق تطلعات شعوبه في دولة العدل والمساواة وفك سيطرة المركز لصالح الأقاليم والتمييز الايجابي للمهمشة منها ،وهي بذلك أقرب الى الحركات الاحتجاجية لنيل الحقوق المدنية منها إلى الحركات التحررية الاستقلالية .لكن الحركة الشعبية للتحرير السودان قطاع الشمال أخطأت خطأ فادحاً بسعيها لمحاولة استنساخ تجربة الدكتور جون قرنق في العمل الثوري بتبني العلمانية منهجاً والحديث باسم الشعب،فبعد إنفصال الجنوب أصبح الشعب الاسلامي العربي هو غالب أهل السودان فالدعوة للتحرير منه دعوة ضلالية تصادمية الا إن كان تحريره من نفسه وفي الحال هذه تكون حركة سياسية فكرية وهذا ما كان ينبقي أن تسير عليه الحركة الشعبية قطاع الشمال خصوصاً وأن رئيسها (مالك عقار) كان حاكم إقليم النيل الأزرق وبإنتخابات معترف بها دولياً ،فكانت الفرصة مواتية لعمل نموذج واقعي يجسد فكره واستنساخه لبقية الأقاليم . الا أن الشئ الموجب الذي يحسب لقطاع الشمال سعيه لوحدة المقاومين للنظام فكان من المؤسسين للجبهة الثورية بل رئيسه ملك عقار هو رئيس الجبهة الثورية ،وكذلك اجتماع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الداخل (قوى الإجماع الوطني ) مع الحركات االمسلحة والجبهة الثورية في كمبالا مؤخراً يحسب لقطاع الشمال حيث عجزت قوى الداخل من التقدم تجاه الحركات الدارفورية التي تمنعت من الحوار معها قبل هذا الاجتماع ، لكن الشعب السوداني يريد وحدة قواه السياسية وتوافقها على الحد الأدنى وقد استطاع فرض هذه الارادة على قوى الاجماع الوطني حيث رأينا كيف يتعانق الدكتور الترابي والأستاذ نقد في حميمية الزمالة وسماحة السودانيين ويجتمع حولهما كل الوسطيين من أقصي اليمين الى أقصى الشمال حتى بات المؤتمر الشعبي يصرح بأن الحزب الشيوعي أقرب اليه من أي حزب آخر ، ثم وقعت قوى الاجماع الوطني وثيقة البديل الديموقراطي والكل يستبشر بالدستور الانتقالي الذي توافقت عليه الأحزاب السودانية المعارضة ، وكان المأمول أن تذهب قوى الداخل الى هذا الاجتماع وهي تحمل سفرها (البديل الديمقراطي والدستور الانتقالي) تحاور به حاملي السلاح وتقنعهم بجدوى العمل السلمي الذي تدعمه ثورات أكتوبر وأبريل وثورات الربيع العربي والتوقيع معهم على ما إجتمعت عليه في الخرطوم . لكن للأسف هذا الاجتماع ووثيقته الموقع عليها أرجعنا الى الوراء سنين عددا ،فقد تشتت بعده الأحزاب وأنتج صراع الأفكار ثانية (علماني وإسلامي) وصراع الهوية (عربي وأفريقي) ففي الوقت الذي توافق فيه الثوار في الربيع على الحرية والعدالة أراد الفجر الجديد أن يلزم الجميع بالعلمانية وفي زمن العولمة والانفتاح وتعدد الجنسيات حيث إستطاع مهاجر أمريكي أن يحكم أعظم دولة في العالم، يرجع بنا ميثاق كمبالا سبعة آلاف سنة في التاريخ ليحدد المواطنة ومن أحق بالأرض ، وفي الوقت الذي يشفق فيه السودانيين على وطنهم من التشظي والانقسام يقر ميثاق الفجر الجديد تقسيم الأقاليم على أساس عرقي ، وفي الوقت الذي يرفض فيه الشعب السوداني الدكتاتورية يمطون الفترة الانتقالية ويكرسون السلطة في يد الرئيس الانتقالي الذي غير معروفاً طريقة اختياره بعد إسقاط النظام ،وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم موجات من التحرر والانعتاق من الهيمنة والتبعية للنظام العالمي يخنقنا الميثاق بكل القوانين والمواثيق الدولية ويصادر حقنا في الاختيار بالموافقة على مايناسبنا منها ورفض الباقي . سادتي الشعب السوداني غني بكوادره الفكرية والسياسية وعليم بتجاربه الثورية السلمية لن يعجز عن إيجاد مخرج من مأزقه الحالي يتوافق فيه الجميع على الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة على أساس المواطنة وحتماً سيلحق بالضوء الشارد. م. إسماعيل فرج الله عطبره 10/1/2013م