ونفهم مما سبق من حلقات أن الشريف حسين كان يلتف حوله كل معارض للنظام, اتحاديون وغير اتحاديين في الداخل وفي الخارج. كان أملاً لكل المؤمنين بالديموقراطية الليبرالية باستثناء من انقضوا عليها أو ساعدوا على استمرارية مايو إيمانا بها أو تصيدا لمصالح ذاتية أو مصالحين لمايو شفهاةً وتضمر قلوبهم تفتيتها بالتغلغل في أحشاء مؤسساتها, وآخرون استسلموا وأعينهم على الدنيا يرضون فيها بغنيمة الإياب, و "تُفٍّ".بقيَ الأنصار مؤمنين صامدين وبقي البعثيون يصنعون حصان طروادة, والشيوعيون أدخلوا ماكيناتهم في جراجات تحت الأرض يجهدون في صيانتها وأعادة تأهيلها, وقد عدّه البعض من قبيل البيات الشتوي, ولا اتفق معهم لأن العمل السياسي لا يتحمل التأجيل.ولا أذكر الجمهوريين لأنهم كانوا نشطاء آنئذٍ في مرحلة سلمية الدعوة وكان شيخهم الشهيد محمود محمد طه يعلم بأن يوم تقليم أظافر العدو سيأتي بعد اعتداءات من جانب المتفيهقين لا عُدةُ لها إلا مُسَوَّداتٍ شائخة تقيّأ بها الفقه البدوي. ولا شك عندي بأنه كان يحدثني عن مِقَصّاتٍ فكرية (وسأحدث عن لقائين حاورته فيهما بداره في مدينة الثورة). ذلك الأمل في التحرر من النظام المايوي, كان يشترك فيه ناسٌ من مختلف قطاعات المجتمع, لا فرق بين خريج أو سائق لوري أو شاعر شعبي. وكلٌ يؤدي الدور الذي يناسب قدراته. عمل عسكريٌ له قادة يُعِدُّون للهجمة (أحمد سعد, فتح الرحمن البدوي ,عصام عبدالرحيم.. مثلا أو الشاب حديث السن آنذاك (التوم هجو ,,,)) وقادة سياسيون للعمل السياسي والعسكري ( على محمود حسنين, مضوي محمد أحمد, سيف الدولة محمد عبدالماجد ̧ ربيع حسنين السيّد... وعمل اعلامي توزع فيه المنشورات والكاسيتات (أولاد حضرة, محجوب بابا, عبدالمنعم الطاهر الشمباتي المجهول (إبراهيم فضل السيد) ومجموعته "ناس البرش, كان في حالة مأتم مستديم ينتظزون ويوزعون ويزورون قبر الأزهري صباح كل جمعة). وشعراء يبشرون بالنصر يحفزون الهمم ويكشفون حال الضعف والخور اللّذينِ يجتاحان البعض في أولى الاختبارات, كما في رجعة السيد الصادق وصهره حسن الترابي " الدّخلوا المصالحة ** عشان المصلحة** خَلُّوا بلاط أخينا*** لدقونهم ممسحة*** ..., بتوقيع الزين الجيرفاوي الشاعر الوطني الفيلق بذاته. والحق أن الترابيّ رجع وفي إبطه سُمٌّ سيدُّسه للنميري, أما حبكة الصادق – لو وجدت – فلا أذكر لها أثرا. أين ذهبت دماء الشباب الأسلاميين الذين سقطوا في دار الهاتف ونجا منهم أخرون (غازي صلاح الدين؟ يمكن أن يكون ممن نجوا مع آخرين). وشهداء ود نوباوي دم الأمام الهادي وعشرات الأنصار الذين دُفنوا أحياء مع بعض البرآء في الحزام الأخضر؟؟ كانت تلك أوبة جدُّ تعيسة غرست في أرضنا ما نعاني منه إلى يومنا هذا وأبعد, "والله يِكَضِّبْ الشّينة". ويصبح القاتل إماما أمام أعينهم! كيف لهم الوثوق في شخص قتل رفقته في السلاح والثورة (واقرأ "سَوْرَة, بفتح السين" بلا محاكمات ؟! رجلٌ استقدم سربا من الطائرات المصرية لتقصف الجزيرة أبا رمز الثورة المهدية, أبا التي جمّعت شتات القبائل لتصنع شعبا حرا مستقلا.(ويقصفها متغطرس أرسل لها حسني مبارك!!!). أما الطلاب ,صندوق الذخيرة الحيّة, صندوق الذخيرة الذي أُغْرٍق مكشوفاً في صهريج الماء ليُبَلِّل شحنات البارود, فقد عصي بعضهم على البلل, أو قُل "حالفهم التوفيق في النجاء". كانوا كثرة في الجامعات والمعاهد العليا وفي الثانويات, يجتمعون ويصدرون الصحائف الحائطية والمنشورات ويصلون ما بين القيادات وبقية قطاعات المجتمع. في جامعة الخرطوم وحدها كانت رابطتهم بلغت عضويتها المئات. كان فيها تنطيم الخريجين الجديد يقوده شبابٍ غضيضٍ إهابهم عظيمٍ مطلبهم في الحياة ̧في السودان وفي مصر وفي بوخارست وفي دول كثيرة ومنهم لما دعا الداعي من خرج من داخليته ليلاً ليختفي عن الناس ولا يعرفون أين هو. لا يخبّر أهله ولا صحبته أين هو. غرق؟ مات؟ اختطفوه؟ وكانت مصيبتهم في ما تعيشه بلادهم أكبر في أعينهم من جزع أمهاتهم الحيارى وجامعاتهم التي تهتم بالغياب عن الدراسة أكثر من البحث عن مصائر من "من خرج ولم يعُد". فتح الرحمن البدوي في المعسكرات وعصام عبدالرحيم وكباشي وعثمان عبدالله وسيف الدولة والكليات تفكر في الفصل بسبب التغيّب. وآخرون في الثانويات أو سِنِيِّ الجامعات الأولي توقفوا بإصرار عن الدراسة أو أهملوا المذاكرة بسبب النشاط السياسي. التوم هجو من ثانوية سنار بعثه عبدالله على ليقابل هيئة السكرتارية في احتماعها بمنزل عمر خضرة. وأدهشنا "الشافع". نطق حكمةً وتألّق نجماُ فلم نستطع تمديد أرجلنا. وأختار الدرب الصعب في الصحراء. والأمين جمال برغم مما سببت له مبادرات من وراء علم القيادة من مشاكل في ما بعد إلا أنه ضحّي بثمين وقته ووجهه للعمل الإعلامي داخل الحزب وبعثناه ليكمل دراسته ولكنه اختار الميدان , وكانت القيادة أوكلت للأستاذ على محمود حسنين نجتمع في "فِيلّلا شِهاب" بالخرطوم بحري. نشدنا الخلاص من المكر الأبوي في رجلٍ بيننا وبينه نَسَب التعليم. وهي نفس الفيلا التي شهدت مجموعات جديدة بعد إسقاط مايو: بشير محمد خير ومعاوية خضر عمر ود. خالد المبارك والمعتصم علي حاكم.... وهنا لحقنا مكْرُ العارفين. وهجر البعض البلاد لأن العهد الجديد تنكر للقادمين ومنعهم حتي فرص العمل الوظيفي. في عهد أبناء الذوات ذاك انفرقع عن الحزب رجالات. لحق . سيف الدولة ب د. سيّد أبو على واستقال أبو حريرة من الوزارة ولحق علي محمود بالسيادة ولحق بها زين العابدين الشريف ومعتصم خاكم والتوم هجو وأحمد سعد عمر, أما لحاق الحاج مضوي فكان من نوعٍ آخر, كان مُصَفّحاً لا يناله الجدّريُّ. ماذا أصابوا من هذه لعكسية؟ (مستشاريّات تشريفية؟ ذوبانات؟ أم استيقاظاُ بعد "دقْسَة"؟ وطوبى لمن ثاب وأناب, ثم صًدَّق بالقول والعمل أو أقل الجهد (الصمت على مصص) وأولئك الذين تبيّن لهم الفجرُ من الغسقِ فنهضوا, لهم مني تحيّة. والجند كُثُر, نساءً ورجالاً, ولكنْ, لا مجال للحصر, وأعتذر لمن فات علىّ ذكر أسمائهم. _________________ المطرودة ملحوقة والصابرات روابح . [email protected]