ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    تدني مستوى الحوار العام    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتحوا عيونكم وراقبوا معرض عادل كبيدة
نشر في الراكوبة يوم 23 - 03 - 2013

كانت منطقة الخرطوم شرق المختنقة بحركة السيارات وهواة التسكع وبائعات الشاي مساء أمس، على موعد مع معرض جديد للفنان التشكيلي عادل مبارك كبيدة يحمل قيما فكرية وجمالية ثرة، لأن لوحاته متحف والاستماع إليه قيمة علمية وفنية وثقافية عالية فهو يثري الفن بالنقد البناء والتعليق الجميل.
قبل أكثر من ثلاثين عاما تعرفت على عادل كبيدة وعالمه الفني في القاهرة التي عشنا فيها طلاب نتلمس بقايا وصف ابن بطوطة لها (القاهرة هي أم البلاد المتناهية في كثرة العمارة المتباهية في كثرة الحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط الضعيف والقادر، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق على سعة مكانها).
لكن ضيق مكان القاهرة على سعته استضاف كبيدة لأكثر من ثلاثين عاما اجتهد خلالها في تخليص العملية الابداعية التشكيلية من المنحى الصفوي والطبقي، لصالح قضية مركزية سماها حوار الوسائط الشعبية، وتبناها بكل عزم وقوة لرفع حالة الغربة عن النفس والتحرر من الاستلاب الثقافي الذي نعيشه في عصر العولمة منذ بدايات القرن الماضي.
وأستطيع القول إن كبيدة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي كانت لديه قناعة راسخة أن قضيته المركزية هي تكملة لدعوة كثير من المثقفين والمبدعين فيما عرف بالأصالة والمعاصرة والعودة إلى التراث.
وتأتي قضية كبيدة المركزية في تجارب متعددة، فأمدرمان هي أعجب المدن في السودان، يسعد لرؤيتها الفؤاد، رغم ما فيها من الرمال والأتربة، والوجوه العابسة المتقلبة، والشوارع الضيقة التي تميزها الفوضى الشديدة.
إزاء هذه الصورة الباهتة طرح قبل عامين كبيدة فكرة لتحويل أم درمان إلى مدينة ثرية بالجداريات، تحقق الفكرة للفنان روح المبادرة في ابتداع ألوان لم يتم مسها من قبل، لأن مضمون تجربة الجدار يتجه إلى سكان الحي لتغيير وجهة نظرهم تجاه هذا الجدار الأغبش الطيني، والجالوص، والطوب الأحمر، والدرجة القميئة في اللون مساحة كبيرة من أحيائنا السكنية.
ويهدف كبيدة من الفكرة إلى لفت نظر الناس إلى أنه بقليل من الألوان الترابية يستطيع هذا الجدار أن ينطق بالحياة من جديد، ويمس وجدان الناس. وحينئذ سينهض كل شخص على تلوين حائطه، وباب منزله، ويشكل على الجدران بعض المفاهيم التراثية والقيم الموروثة.
وبالطبع سيترتب على نجاح هذا المشروع عبر التأثير على الآخرين، أن تتحول المدينة إلى متحف (انثربولوجي) حقيقي، نستطيع أن نقرأ منه ثقافة أمة، ونكتفي عائدين إلى مذكراتنا بدلا من الطواف حول ثقافات السودان المختلفة. وهكذا نعيد لأم درمان قدرتها على صياغة الأشكال القومية التي لعبت دورا في تكوينها كمدينة تجارية في السابق، ومحط تجمع للثقافات المختلفة.
أما سر اختيار هذه المدينة عند كبيدة، فهو أن أمدرمان تستطيع أن تعيد الحوار من جديد لتلك الثقافات أو عرضها بشكل متحفي. ويزيد على سر الاختيار أن أم درمان هي فكرة في التأثير على الإنسان من خلال أزقتها التي تجمع كل أهل الحي، وبالتالي الحفاظ على البيئة بشكل عام وتزيين الفراغ الذي يعود على الإنسان نفسيا بالخير الكثير، ويعدل من مزاجه اليومي.
وقبل أن نتوه مع مسألة تعديل المزاج، يلتقط الأستاذ علي مهدي بحسه الفني الراقي ويطلب من كبيدة تلوين جدار مركز مهدي للفنون، وبالفعل أكدت جدارية كبيدة على جدار المركز أهمية الفنون المرئية البصرية في حياة الناس. ولعل إنجاز الجدارية المركز يسمح للفن والإنسان أن يثق في قدراته الابداعية، ويحقق الكثير من التعويض للحس الفني الناقص في حياتنا، وللتأكيد الجدارية متاحة للمشاهدة مجانا وعلى مدار الساعة.
إذا بدا لك أن كبيدة يبحث عن أسلوب أعمق، ومنهج آخر غير الذي انتهجه السابقون في مجال الرسم للموضوعات الشعبية، فظنك صحيح ذلك أن كبيدة لا يكف عن استلهام التراث، بحسبانه ابن هذا العصر التكنولوجي، فلا يمكن عنده مثلا أن يكون الكف رمز الحسد. وحتى القناعات بالحسد والخوف من العين تغيرت، فكان لابد من الالتصاق بالمجتمع عن طريق وسائل أخرى تفتقت لفتح الحوار مع الوسائط الشعبية المختلفة عسى أن تتجاوز مفهوم اللوحة والإطار.
وقاد حوار الوسائط الشعبية كبيدة الحاصل على ماجستير التصوير الأفريقي التقليدي من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان في العام 1985م، إلى تجربة الرسم على القرع، خاصة بعد أن تأكد من أن كل الأشكال المتعلقة بالقرع مرسومة بثلاثة أشكال، وتكنيكات مختلفة في السودان، وفي إفريقيا بشكل عام. وهي الكشط الغائر، والبارز، والحرق بالنار، وكان لابد لي من إعادة الحوار بإضافة لون لهذا القرع ليتحول إلى حالة (رسم) وليس إلى تصميم، وحتى يحدث ذلك كانت هناك تجارب معملية، واستلهام للحناء في جسد المرأة، فاستطاعت الحناء أن تحقق مساحة، أو درجة لونية تبدأ من الأحمر الغامق حتى البرتقالي المصفر، واكتشفت بعض الإضافات للأصباغ الشعبية، والأصباغ النباتية. هذه الحناء في تأثيرها على القرع تستطيع أن تمنحك لونا أخضرا نتيجة، لأنها زرقاء اللون، ومع امتزاج هذا اللون مع لون القرع يمنحك الأمر متعة في التكنيك، وحوارا مستمرا مع السطح حتى يحقق ما تراه في مخيلتك بعكس الألوان العادية.
ولحظة الانهماك في رسم القرع تلتبس كبيدة حالة طقوسية يمارس خلالها قلقه المشروع في الرحيل إلى الغد. وللناقد المصري المعروف محمد الفيل وصف أكثر دقة عن لحظة انهماك كبيدة في الرسم على القرع حين قال (تجده يترك عالم اللعبة المسطحة ليعود كأحد الصنّاع القدامى الجالسين في أحد الأسواق ليرسم على القرع، والخشب، وهو يستدعي لذلك كل أدوات البيئة وأصباغها، وتجارب من سبقوه من الرواد)؟
على أن القول يبدأ بالإشارة إلى أن مركز مهدي للفنون رئة جديدة تتنفس في وسط الخرطوم، وهي مؤهلة تماما زمانا ومكانا، لتحقيق سعي مؤسس المركز الأستاذ علي مهدي لإعادة الألق لسموات حياتنا الثقافية، نسأل الله أن يتمكن (بابا علي) بدربته وحيويته من تحقيق مسعاه، لأنه حين يحدثك عن المركز تخاله يردد مع الفيتوري:
في حضرة من أهوى
عبثت بي الأشواق
حدقت بلا وجه
ورقصت بلا ساق
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.