الغرب والإنسانية المتوحشة    يستأهلون العقوبة المغلظة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    الموافقة للقمة السودانية المشاركة ف الدوري الموريتاني    الجزيرة تستغيث…(1)…الآلاف من نزلاء السجون ومعتادي الإجرام ينتهكون القرى واحدة تلو الأخرى.!    (برقو وغضبة الحليم)    ولاية الخرطوم: ويسترن يونيون تفتح فرع لصرافة ميج بأمدرمان    شهادات مزورة.. الداخلية تداهم أكاديمية تعليمية بالإسكندرية    بوتين يصدر مرسوما يتيح التصرف بالممتلكات الأمريكية في روسيا    الإمارات تتحفّظ على قرار الجامعة العربية بدعم السلام والتنمية في السودان لأنّه يتطلب الدراسة والتدقيق    الإعلان عن تطورات مهمة بين السودان وإريتريا    شاهد بالفيديو.. طفل سوداني يقف أمام سيارة للجيش ويحمس الجنود بأبيات شعرية قوية وأحدهم يقبل رأسه إعجاباً بقصيدته    مصر: إسرائيل دأبت على استفزازنا.. ونرفض سيطرتها على معبر رفح    شاهد.. الفنانة الأبنوسية فدوى فريد تغني مرثية للشهيد محمد صديق    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    خبيرة ترسيم حدود تكشف مواقع أنهار مصر الحية والمدفونة في الصحراء    من هو الأعمى؟!    السعودية: دخول مكة المكرمة يقتصر على حاملي تأشيرات الحج    أعطني مسرحاً أعطك حضارة    ما هو التالي لروسيا في أفريقيا بعد فاغنر؟    بلقيس لجمهورها: «يا ويل حالي»    كيف تكتشف الكاميرات الخفية في المنازل المستأجرة؟    الخارجية: على المجتمع الدولي الإقرار بدورنا في حماية الأمن الإقليمي والدولي والتوقف عن الاتهامات غير المؤسسة    بعد "تشكيك" في دورها.. مصر تهدد بالانسحاب من جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس    آل إيه.. آل هزمنا الأهلى والترجي!!؟؟    أتالانتا ينهي سلسلة ليفركوزن التاريخية    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    هل دفع ميسي ثمن رعونة البدايات؟    كيف ولماذا عاد الكيزان الي المشهد ..    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حسين خوجلي: وما زالت الجزيرة في محطة الانتظار المفضوح    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الثلاثاء    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    الحقيقة تُحزن    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة نقدية :رواية الفحل للحسن محمد سعيد
نشر في الراكوبة يوم 04 - 04 - 2013


العهر السياسي، واخصاء الأنظمة
قراءة في رواية (الفحل)
د/ إبراهيم أبو طالب*
رواية (الفحل) للروائي والقاصِّ السوداني الحسن محمد سعيد رواية على قدر كبير من الأهمية الفنية والموضوعية، تأتي بعد تجارب روائية وقصصية سبقتها تمتد خلال ست روايات هي: عطبره، وأزمنة الترحال والعودة 2005، وأبو جنزير 2007م، وثلوج على شمس الخرطوم2010م، وصمت الأفق 2012م، والفحل 2013م، ومجموعتان قصصيتان هما: لعله الخروج الذي لا يكون، وريحان الحلفاية 2008م، وجميعها صادرة عن مركز عبادي للدراسات والنشر.
وهذه الرواية تشدُّ القارئ من أول سطورها التي تبدأ بتقنية التشويق من خلال تصوير مشهد النهاية، واختفاء بطلها الفحل، وهو الشخصية السياسية المهمة في طائرة سودانية "تحمل مجموعة أشخاص بعضهم مسؤولين على مستوى رفيع اختفت في سماء مدينة الفاشر" (ص 15) هذه النهاية المصيرية المأساوية لبطل الرواية تقود إلى فتح السرد على أفق الماضي وذكريات الراوي/ البطل المساعد أو الشخصية الثانية الرئيسة في الرواية، والتي تأتي بضمير الأنا وتتشارك البطولة مع شخصية الفحل (محمد عثمان) وهي شخصية سودانية الاسم، والعمل، والأفق، والصفات، وتمتاز في تشخيصها بالكثير من الذكاء، وحسن المظهر، والمقدرة اللغوية، والمحاورة، والإقناع، والجاذبية، وسحر الكاريزما المدهشة، وغيرها من صفات الزعامة التي يمتاز بها هذا الفحل في كلِّ شيء، منذُ طفولته، وذكريات المدرسة، والشباب حتى في ممارساته الشقية – التي قد ينصرف إليها دلالة الفحولة في تراثنا بشقيه الشعبي، والفصيح-، ولكنها تأخذ بُعداً رمزياً ربما لا يساوي ظاهرة المهماز – بحسب اصطلاح د.محمد نجيب التلاوي في كتابه النقدي "الذات والمهماز دراسة التقاطب في صراع روايات المواجهة الحضارية"- الذي عُرف في تاريخ الرواية العربية في علاقتها بالآخر وبخاصة الآخر الغربي ابتداء من رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، مرورا بالحي اللاتيني لسهيل إدريس، فالهجرة إلى الشمال للطيب صالح وغيرها، مما يقاوم به الشرقي تلك الحضارة ويتصور فتوحاته الوحيده في مهماز الجنس، ولكن مهماز رواية الفحل تأتي بشكل مختلف لا يتوجه به إلى الغرب، ولكنه يميل إلى عرقه ولونه من خلال (إلسا) المضيفة التي يصطادها من على الطائرة التي تقله وصديقه إلى القاهرة، وصديقتها (ألمظ) الإفريقيتين واللتين تشاركان الراوي والفحل حياة الشباب ومغامرات اللذة، في شقة العجوزة في مصر، ويأتي مهماز الفحولة في مخاضات السياسة وسراديبها الملتوية، والتي يخوضها الفحل بسبب قدراته العالية، ومهاراته الذاتية مجبوراً، ومُستَخْدَماً من قبل النظام المغلوب والتائه في الآن ذاته، والذي يعرف أنه على النقيض من قناعاته، ولكنها أحابيل المصالح، وإن أظهر ذلك النظام القوة، لكنها قوة على من يقدر عليه فقط، وهو شعبه المسالم الضعيف، وبذلك ينفتح أفق السرد على التابوهات الثلاثة: الجنس، والدين، والسياسة ولكن بشكل غير مبالغ فيه، وإنما بتوازن يلعب فيه الكاتب دور العازف الماهر على المستقر من الممنوع ليثير مادة سرده، ويملؤه بالفني، والممتع، والمَشُوْق في ذات الوقت، وهكذا تمضي رواية الفحل مبينةً إفلاس النظام الحاكم في السودان الذي أوصل السودان إلى الانفصال لأنه بحسب الرواية "حوّل المشكلة من مشكلة محلية إلى دولية، لأن الخرطوم لا تعرف غير أسلوب القمع والبطش العسكري..حينما بدأت لم تكن حرباً أهلية، وإنما صراع قبلي بين الرعاة والمزارعين.. بين الرعاة العرب والمزارعين الأفارقة..كان هذا يحدث في الماضي ويُحلُّ بالأعراف والعادات القبلية..كان الصراع يحل بالاجتماع الأهلي (الجودية) بالمعروف والحسنى، وتستمر الحياة..السلطة تجاهلت كل ذلك ..لأنها منذ جاءت على ظهر دبابة لا تعرف وسيلة لحلِّ الأزمات غير القمع.. ونسيتْ أن الحال لن يظل هو الحال.. والأفظع أنها حيال الأطراف عموماً، تغابت عن وعي أبناء تلك المناطق بالظلامات الاجتماعية والاقتصادية التي وقعت على أهلها..." (ص 122).
إذن هذا جوهر القضية يشخِّصُها الكاتبُ، ويستنبط من الداخل عمق المشكلة، ويرسم أبعادها على امتداد صفحات الرواية التي تسلط الضوء على موضوع حيوي ومعيش وقريب ربما لم تتجرأ بَعْدُ كثيرٌ من الأقلام لخوضه، وتصويره فنياً في عملٍ روائي كهذا، إنه يشير بمهارة مُطَّلِعٍ عارفٍ خبيرٍ إلى أطراف القضية، وأركانها مؤكداً دور أمريكا ومصالحها الاقتصادية التي كانت وراء انفصال الجنوب عن الشمال السوداني، وكيف أن النظام حقق تلك الأغراض والمصلحة الأمريكية لأن (أمريكا لا تريد إسقاط هذا النظام، رغم العداوة الظاهرة!! هذا النظام حقق غايتها، وغاية اللوبي الصهيوني وإسرائيل بانفصال الجنوب..) (ص 126).
هذه الرواية تجسد مشكلة السودان من زاوية سردية بطلها الفحل، وصديقه الراوي مجهول الاسم ولكنه واضح التوجه والملامح ككثير من الأصوات الوطنية السلبية الهروبية المهاجرة، فالفحل يغوص في الداخل ولا يغادر البلد، بل يصمدُ، ويتصعَّد في العمل السياسي رغم أنه لم يكن متخصصاً في السياسة، ولكنه يتخرج في كلية الآداب بتخصص عربي وانجليزي، غير أن ما يمتلكه من ذكاء حاد وعلاقات خارقة وقدرات ذاتية أهلته لخوض العمل السياسي، تصاحب ذلك نبوءة الكاهنة النصرانية العجوز في فندق شيبرد بالقاهرة حين تظل تنظر إليه، وتراقبه باهتمام، ثم تتقدم إليه لتخبره بنبوءة غريبة، وهو ما يزالُ شاباً في رحلته للقاهرة للمتعة والسياحة، وهنا ملمحٌ مهم يلزم التوقف عنده في بناء الرواية بما يفتح من آفاق سردية على اتجاهين الأول: سِيَرِي سردي عربي يُذكِّرُ بتقنيات السردية السِّيَرِيّة في التراث الشعبي الذي ترتبط فيه النبوءة بحياة البطل الملحمي، وتؤثر في مسار الأحداث، وهنا في الرواية تأتي نبوءة العرافة الشمطاء النصرانية بأنه –أي: الفحل- سيكون رئيسا للسودان، وقد تحقق في قربه من النظام رغم اختلاف إيديولوجيته -كبوهيمي منفتح- مع نظام إخواني له قواعده وقوانينه، ولكنه بعد سجنه وتعذيبه واختفاءه القسري يعود ويقربه النظام، ويتدرج فيه إلى أعلى مستويات الإدارة، والقرب من مصدر القرار، وكأنه بالفعل رئيس السودان، والاتجاه الآخر في دلالة النبوءة تأتي رمزية وتتمثل في تدخل الغرب في رسم الأحداث وتوجيه الأنظمة، وذلك في إعداد الشخصيات من داخل البلد وتوظيفهم لمصالحها ليكونوا رجالها داخل تلك البلدان، وبخاصة بلدان العربان، طبعاً هذا استنتاج قراءةٍ محضة لم تقله الرواية بشكل مباشر، ولكن النبوءة توحي به.
من هنا نلاحظ مدى حبكة هذه الرواية ونسيجها الممتاز الذي لم يكن من حيث الشخصيات وعددها مملاً ولا كثيفاً، ولكنه أخذ منها ما يفيد غرض الرواية، ويلعب الحوار كتقنية رئيسة دور الحاضر الأكبر في البناء بنوعيه المباشر وغير المباشر أو الديالوج والمنولوج وهذا الأخير يحضر قليلا على سبيل تيار الوعي والتداعي الذهني في بعض مواطن الرواية (ص 140 مثلا) وهو إيراد واستخدام ذكي يحسب للكاتب حين يكون الحوار طويلاً في موضوع سياسي وفكري، ويعبِّرُ عن عرضٍ سياسي طويل الجمل، حينها ينوع الراوي في الحوار حتى لا يتحول السرد إلى محاضرة أو خطاب منطقي إقناعي وبخاصة في حوارات الراوي وصديقه الفحل التي تأخذ نصيباً وافراً في الرواية عبر فصولها ال (13)، فهي تنفتح على قضايا كثيرة من هموم السودان ومشكلاته وما يدور فيه من قضايا أبرزها طبيعة النظام، وتفتيت السودان، وإضعافه، والذي يعبر عنه بأسلوب دالٍّ في تساؤل الراوي (أتفتيت النفوس أصبحَ جزءاً من تفتيت السودان؟!) (ص 134)، ولا تكاد الرواية تغادر شيئاً من تلك القضايا السودانية الصميمة على مستوى الاقتصاد والسياسة والمجتمع وأبنائه في الداخل والخارج بحيواتهم، فكأن الرواية تصوغ قطعةً من الحياة، وشريحة كبيرة من الألم الوطني، ولكن على الورق بشكل فني وبطريقة مدهشة نابضة.
يحضر الماضي والآني في تاريخ السودان، وتتناص الرواية مع الموروث الشعبي والتاريخي الشعري منه والسردي الحكائي ابتداء من عوالم ألف ليلة والتضمينات الشعرية التي تأتي عفو الطرح كتلميحات ذكية تخدم النص، وتنفتح بأفق التناص على ثقافة الكاتب الواسعة، وتأتي في مواطنها المناسبة كما في حديثه المأخوذ عن نجيب محفوظ على لسان إحدى شخصيات رواياته– مثلاً- (ص 153) " السياسة عالم رحيب، مفاتنه موزعة على جميع المذاهب"، وهو في اختياراته هذه تتناسب مع السياق العام لروايته، فلا يكاد يأتي نصٌّ وهو في غير مكانه أو في غير موضوع حضوره المفترض.
إن اقتدار هذا الحكَّاء السوداني الساحر – كسحرة فرعون الذين استجلبوا من السودان من (ناوا) كما تقول الرواية- وكبطله الفحل الذي يأخذ الألباب بمنطقه وسحر كلامه، وبيان مقاصده ووضوح قضيته، أقول إن هذا الاقتدار يجعل القارئ يتماهى معه في قضايا مماثلة في حضور التشابه ربما بين ذلك الذي دار في السودان بخصوص الجنوب وما يدور الآن في اليمن، فحين تقرأ مقطعاً كالذي سيأتي تضع يدك على قلبك وتدعو بالسلامة لوطن عربي مماثل إلى حدٍّ كبير في جوانب التشابه، تتبع فيه السياسات الغربية –وبخاصة أمريكا- نفس المسلك لأن وجه تلك السياسات وبصمتها واحدة وغاياتها أيضاً نفس الغايات، فالراوي طرحَ مقترحاً لحلِّ مشكلة السودان – من وجهة نظره، وفي حينها قبل الانفصال- يتمثل في ترك النظام للسلطة، وإعادة الأموال التي نُهبتْ، وتشكيل حكومة قومية مؤقتة...، وغيرها، ولكن الجديد وربما المستقرأ الغيبي/الواقعي في الطرح، ولعله من وقوع الحافر السياسي على الحافر، هو قوله:"ويدخل السودان في حوار وطني جاد من خلال مؤتمر وطني شامل، يصلون من خلاله إلى وضع عقد اجتماعي يمثل الدستور الذي يقبل به الشعب في استفتاء عام..وينشؤون بموجبه نظاماً ديمقراطياً، يقوم على الحرية، والعدالة، والمساواة، والتسامح، والمواطنة، وحرية الدين والعقيدة، وحكم فيدرالي يمنح أقاليم السودان سلطة حكم حقيقية، وتحديد منهج عملي توزع فيه الثروة والسلطة" (ص 132).
إن هذه المفردات، وذلك السيناريو الذي دار في السودان ربما هو ما نعيشه، ونلاحظه، ونسمعه اليوم في اليمن، فهل النهاية واحدة؟! وهل المصير هو المصير؟! لا نأمل ذلك ولا نريده، ولأنَّ الحكمة اليمانية، ربما سيكون لها تجليها وقولها الفصل، ونعوِّلُ على أبناء اليمن في سعيهم الشريف للتوحيد والتوحُّدِ لا التمزيق والتفرق.
رواية الفحل رواية تدلُّ على خبرة كاتبها واقتداره على السرد، وطرح القضايا الإشكالية، والموضوعات السياسية بقالب قصصي لم ينس فيه الكاتبُ تقديم شخصيتين على قدر من الوفاق من ناحية، والاختلاف من ناحية أخرى لكنهما متعايشتان ومتكاملتان، يقبلُ بعضُهما بالآخر، الأولى شخصية هروبية مبتعدة لكنَّها مليئة بالحكمة، والتأمل، والمواجهة الكلامية الحادة في تقييم القضايا والهجوم على الفحل ونظامه، وتلك هي ملامح شخصية الراوي وهو القانوني الذي يعمل في المحاماة في بريطانيا مدة حياته ومنذ طلب اللجوء السياسي، ولكنه لم يقمْ بعمل واحد من شأن بلاده، ولا حتى على سبيل الاستنكار والوقفة الاحتجاجية أمام الجمعيات والمنظمات الحقوقية المحايدة، والشخصية الأخرى – شخصية الفحل- موغلة في الواقعية، والخوض في العمل السياسي، بمؤهلاته الفحولية لتقوده الأقدار ليكون جزءا مهما وترساً من تروس النظام في عجلته الكبرى، ليكون مصيره المأساوي والغامض في اختفاء الطائرة شاهدا على قذارات السياسة ولعبتها المميتة، ولسعتها التي لا ترحم ولا نجاة منها ولا فرار.
وخلاصة هذه القراءة أنَّ رواية الفحل للروائي السوداني الحسن محمد سعيد على قدر كبير من الإتقان في بنائها، وعلى جانب كبير من الإمتاع والمؤانسة في سرد موضوع إشكالي شائك سياسياً، لكنه نجح في رسم عوالمه وشخوصه وتقنياته، بما يفيد القارئ المحتاج إلى المضمون للفهم، وإلى الشكل للمتعة وإلى ما بينهما من لذة المغامرة والدهشة ومتابعة دخائل الأنفس وسبر أغوار الخصوصية الاجتماعية والمعرفية في حياة الناس.
****
*أستاذ الأدب والنقد المساعد، جامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.