للخير في كل زمان ومكان وجه واحد هو ابتغاء وجه الله من خلال سد حاجة الناس ،ذلك هو ما كنا نعرفه في قيمنا الدينية و أدبياتنا الاجتماعية وإن تعددت أغراضه .. لكّن أن يصبح له أكثر من وجه فهذا أمر أصبح في زمن الانقاذ ومشروعها الذى بدأ سرابا حضاريا خادعا ، وانتهى انتحاريا جر معه البلاد الى هاوية المصائب التي تكالبت عليها ..فذلك بات أمرا عاديا لا يدعو حاجب الدهشة للانعقاد ! وهاكم قصة الخير ذي الوجه الواحد ومن ثم ندلف الى النظر في مرآة الواقع الحالي التى تعكس وجوها عدة سميت زورا وبهتانا بأعمال الخير ! كنت في منتصف السبيعينات أعمل سكرتيرا لرجل الأعمال الراحل السيد جابر عبد الحميد أبو العز ..طيب الله ثراه ، وفي أحد الأيام وتحديدا في آواخر عام 1975 إستعادني لوحدي ، وطلب مني هامسا أن أذهب بصورة عاجلة لتسليم بعض المخططات الضخمة والمستندات الى مكتب وزير الصحة وقتئذ اللواء خالد حسن عباس ..لم أكن أعرف تحديدا الذي تحمله تلك الأوراق المغلّفة جيدا في طياتها ، حتى أبلغني مدير مكتب الوزير بعد أن تسلمها مني ، أن أطمئن السيد جابر بأنهم سيحيلون الأمر للجهات المعنية لعمل الدراسات الفنية لمشروعه الخيري المتمثل في مركز طبي لعلاج مرض السكر كوقف لروح المرحوم والده! حينما عدت ، قلت للسيد جابر..ألم يكن من الأنسب بدلا عن إرسالي أنا الشاب الصغير ، أن تذهب بنفسك لمقابلة الوزير بغرض إنجاز المهمة ؟ قال لي ..يا إبني هذا عمل خير .. ولا أريده أن يكون مثارا للدعاية والمراءة و الكسب الاعلامي ولا تسول مواد البناء ..أنا فقط أريد منهم إجازة الجوانب الفنية والحصول على التصديق اللازم باعتبارهم جهة الإختصاص ! منذ سنوات قليلة وبعد ثلاثين عاما من تلك الحكاية وأنا في جنوبالخرطوم ش مررت بالشارع الذي يقع فيه المبنى وقد بات مركزا ضخما و حقيقة على أرض العطاء ، والذي بدأ العمل فيه بعد سفري بشهور قليلة في العام 1976 ، ولست متأكدا من الطريقة التي تم افتتاحه بها ، وهل كان السيد جابر حاضرا..وقتها أم أن الافتتاح تم دون ضجيج كما كان يرغب حتى بعد رحيله ! سقطت مني دمعة ملؤها الفخر والذكريات الأبوية مع ذلك الرجل الفاضل وأنا أرى المرضى من على البعد وهم يخرجون أو يدخلون قاصدين العافية في ذلك المركز ، ولعلهم يشكرون من تبرع به في صمت ويدعون له ولوالده بالرحمة ولذريته بالبركة من عند الله ثوابا على عمل قام به والدهم الراحل..راغبا عن الكاميرات ومعرضا عن التظاهرات البراقة! وقفزت الى ذهني عقلية الذين يفكرون مقدما في المكاسب التي يسعون اليها من عمل مايسمونه بالخير عبر منظمات مشبوهة أصبحت واجهات للفساد في عهد الانقاذ ، تارة باسم الزكاة التي يغدق القائمون عليها بالسيارات للفقير جمال الوالي و محطات التلفزيون الدينية الوهمية التي استلم عنها التبرع كما سمعنا محمد حاتم سليمان ولم تقم للمشروع قائمة ! وكم شهدنا السبابات ترتفع تكبيرا و الحناجر تنفجر تهليلا أمام عدسات التصوير لاشهار عمل أهل الخير حمال الوجوه العديدة في زمانهم ، ورئيس البلاد يقوم بنفسه بتدشين ماكينة الصرف الآلي لأحد البنوك وهو عمل يقوم به فراش البنك وليس مديره في أية دولة ، يحترم المسئؤلون فيها الوقت ، وعقول الناس ! ولا يتحرك رئيس قسم بالبلدية من مكتبه لافتتاح جسر أو نفق تحشد له الجماهير وتنحر المناحير، ولا يبتدر شيوخ العمل الخيري فيها الضيف المتبرع بماله وحلاله لعمل الخير في بلدهم، سائلين .. وأين ( حقنا نحن ُ ياشيخ) رحم الله رجالاً تمسكوا في صدق بناصية.. وجه الخير الجميل الواحد ، الذي سيلقونه حسنات في ميزانهم عند المولى الكريم.. فأين هم من أناس جعلوا من وجوه الخير التي صمموها أرجوزات من طينة زمان نظامهم .. خداعا وصرفاً للأنظار بعيدا عن مقاصد هي أبعد منه.. وأقرب الى منافعهم الذاتية .. وأصبح ينطبق عليهم المثل الشائع .. معدلا .. ( الخير يجقلّب .. والشكر نقدا في جيوب الكيزان.. ) [email protected]