"الحصة الأولى" ومن الواقعيين السحريين الذين جاءوا إلى الرواية من أبواب الصحافة، بجانب غابرييل ماركيز، السيد ماريو يوسا بارغاس، هو صحفي، سياسي، وعسكري، ثم روائي من بيرو،ر شح نفسه للرئاسة عام 1990 وخسر الانتخابات في الجولة فسافر إلى اسبانيا ونال جنسيتها، ومن هناك بدأ الكتابة في صحف اليمين الليبرالي اللاتيني منتقدا النظم والحركات السياسية، موجها نقداً لاذعاً إلى النظم السياسية في بلده( بيرو) وكافة دول أميركا اللاتينية مطلقاً عليها دول الديمقراطيات المزيفة. تعرفت على كتاباته من خلال المترجم الفذ صالح علماني، عبر رواية حفلة التيس، بعد نيله جائزة نوبل للأدب عام 2010م، وجاء في حيثيات الجائزة أن الأكاديمية السويدية منحتها له لبراعته في تصوير هياكل السلطة والمقاومة والثورة والهزيمة في داخل الفرد. وحفلة التيس رحلة رائعة وممتعة، توثق لحقبة الديكتاتور الدومنيكاني ( تروخييو) الذي اغتيل عام 1961م، رحلة ممتعة تصور كيفية استغلال موارد الدولة من قبل الحزب وأساليب تجيير الإعلام ومناهج التعليم التعليم لصالح الحلقة الضيقة حول (ترخييو)، وكيف كان يتم تحصيص ميزانية لرشوة الإعلاميين الوطنيين والأجانب وكذلك أعضاء البرلمان الصوري، حتى وصل الأمر بهذه المؤسسات تقديم كل ما يصدر عن(ترخييو)وكأنه صادر عن قوة سماوية إلهية وأن ثروات البلاد تتنزل على العباد بإرادته. وفي مركز الرواية سيدة تدعى "اورانيا" لها قضية شخصية كونها تجسد وجعها الأنثوي، فهي ابنة وزير دولة، في ذات عهد ترخييو، قال لها والدها وهي غضة ونضرة هلا تذهبين إلى حفلة الرئيس، لكنها لم تكن تدري أنه وهبها له كما توهب النذور، آملا أن يصفح عنه بعد أن استغنى عن خدماته فسطا الدكتاتور على شرفها. وبعد اغتيال "ترخييو" فتحت "أورانيا" ملف قضيتها ليكون مفتاحاً لملفات النظام الأكثر سرية، وتدشيناً بنشر كل الغسيل القذر المخبوء. وفي حوار "أورانيا" مع أبيها باغتته قائلة: (إنكم في الحقيقة كنتم تتلذذون بالتلوث في القذارة، يا لكم من كائنات تحتاج إلى من يبصق عليها) وفي حفلة التيس بدأ ماريو يوسا بارغاس، روائياً قديراً ومذهلاً في الإمساك بخيوط الرواية الدقيقة، حيث صور التغيير الدراماتيكي المفاجئ للنظام الذي أحث صدوعاً كبيرة في القيم الاجتماعية والأخلاقية على مدى عقود من الاستبداد. رواية ممتعة، تستحق القراءة، ولمن لا يجدها يمكنني أن أهديه كلمات منها، كلمات تلخصها كلها، فأصيخوا جيداً (من النافذة المطلة على الحديقة تتلألأ النجوم في سماء الدومنيكان الوديعة، وتفكر "اورانيا"، كانت أولم تكن، فما زال يطفو شيء من تلك الأزمنة هنا). ----------- الأستاذ"عبد الجليل سليمان" هو رئيس قسم المنوعات بصحيفة اليوم التالي الذي حجبته الرقابة الداخلية من النشر اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2013م