5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    مليشيا الدعم السريع تجتاح قرية البابنوسة شرق مدني وتقتل وتصيب 8 أشخاص    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمهورية الهوط دوق السعيدة
نشر في الراكوبة يوم 29 - 09 - 2013

كنت أسير دون هدف ودون وعي في المدينة الغريبة التي يتخذ كل شئ فيها شكل الهوط دوغ، التماثيل في الساحات العامة، أعمدة الهاتف، حتى الأشجار تم تحوير شكلها فبدت مثل قطع مقانق ضخمة. الناس الذين يعبرون بجانبي تحولت أشكالهم جميعا لتشبه الهوط دوق، الأرجل أندمجت في رجل واحدة والناس لا تمشي بل تقفز قفزات رتيبة فيما يتمايل الرأس الهوط دوقي في الأعلى.
عبرت في شارع البحر حيث العشاق الهوطدوقيين يرقدون على العشب مثل قطع المقانق، تصدر عنهم بين الفينة والأخرى تأوهات خافتة، لم يكن صعبا معرفة أنها كانت بسبب الحر الشديد وليس الحب.
كنت لا أزال أحتفظ بالجسد البشري العادي ولم أجد بعد رغبة في إستبداله بالأجساد الجديدة التي تتبع الموضة كما إعتقدت في البداية. فأهل المدن مولعون بتقليد الموضة.
فجاة توقفت بجانبي عربة هبط منها إثنان من الرجال الهوط دوقيين. كانا يرتديان ملابس الشرطة. قفز أحدهما نحوي وهو يشهر سلاحا. كان مشهدا غريبا. قطعة مقانق تشهر السلاح! توقفت ورفعت يدي الى الأعلى.لا يجب الاستهتار حين ترى احدهم يشهر السلاح حتى وإن كان قطعة مقانق. نظر الشخصان الهوط دوقيان نحوي نظرة أرتعد لها جسدي، في الماضي كنت أشعر بالدهشة أو الجوع حين أرى مثل هؤلاء الاشخاص. لكننى الآن شعرت بالخوف. فقد كانت نظراتهما المرتعبة نحوي كأنني قادم من كوكب آخر.
قال لي أحدهما أنت موقوف. تبقت لي بعض رباطة الجأش بما يكفي لأسأله عن التهمة. فقال: الشروع في الفوضى والأفعال الفاضحة والسير بجسد غريب في الشارع العام!.
قلت له أنني لم أسرق أو أقتل أو أقوم بأي عمل ضد القانون، لكنه أشار لجسدي وقال: إنك تستخدم جسدا غير مصرّح به من الدولة.
لم يترك لي الشرطيان وقتا لأواصل أسئلتي، دفعاني داخل العربة التي إنطلقت في الحال.
كان القاضي الهوطدوقي ضخم الجثة. وجهه ناضج بفضل الحروتسيل خطوط من العرق في وجهه كأنه أخرج لتوه من الفرن.
نظر في الأوراق أمامه وقال بصوت مرهق بسبب القيظ والشحم الذي بدأ في الذوبان من جسده الى الأرض.: أنت متهم بالعمالة لدولة أجنبية، وبإرتداء جسد فاضح ووبقيادة جسدك تحت تأثير الكحول، صمت القاضي قليلا ثم واصل قراءة التهم : الشروع في .. قلت بصوت مرتعب: الزنا! قال: لا، الحزن! لقد ضبطت وأنت تسير في الشارع العام بوجه حزين، في حين أن كل مواطن في جمهورية الهوت دوق السعيدة، يجب أن يكون سعيدا حسب القرار الجمهوري ! حين تم تفتيشي عثروا على حبات من تمر الصحراء في جيبي، فأضافوا ذلك الى قائمة التهم: تناول وجبة غذائية غير معروفة بالمخالفة للقرار الجمهوري الذي يعتبر الهوط دوق هو الغذاء الرئيسي والوحيد في جمهورية الهوط دوق السعيدة. كما أن مخبرا لمحنى سرا وأنا أقذف حجرا بإتجاه كلب كان يلهث بسبب الحر وهو يندفع نحوي، قال القاضي ألا تعرف أن الكلاب هنا كائنات مقدسة لا يجوز رميها بالحجارة؟ يمكنك قذفها فقط بقطع الهوط دوغ! قلت مدافعا عن نفسي: كان الكلب على وشك أن يعضني!
قال القاضي: عضة الكلب تجلب السعادة، ألم تقرأ المنشور الرئاسي رقم 1488؟
قلت للقاضي: يا سيدي انا لا أفهم شيئا مما تقول لقد كنت أسير في الشارع حين..
قاطعني القاضي: أين كنت تعيش هل أنت مواطن في جمهورية الهوط دوق السعيدة؟ هل لديك رقم وطني ؟ ما إسم قبيلتك ورقم ترخيصك؟
قلت له أنني لا أملك رقما وطنيا فطلب مهلة ليضيف التهمة الجديدة إلى قائمة التهم. قلت له أنني لا أنتمي لقبيلة لكنني أنتمي للوطن! ضحك القاضي وقال أي وطن تقصد؟
لم أعرف ماذا أقول لكنني أشرت للنهر الذي حسبت أنه يجري في إتجاه الشمال.
ما رقم ترخيصك؟
كانت تلك المرة الأولى لي التي أبتسم فيها منذ الصباح، قلت: إنني لست سيارة يا سيدي القاضي، لكي أحتاج الى ترخيص للسير في الشارع، ثم أضفت وكأنني أريد أن أؤكد ذلك لنفسي التي بدأ يداخلها الشك: إنني بشر، أنني بشر!
لم يرد علي، يبدو إنه معتاد على المخابيل الذين يمثلون أمام محكمته، إكتفى فقط بإضافة التهمة الجديدة الى قائمة التهم. ثم قال لي: إنك تستخدم جسدا إنتهت صلاحية إستخدامه بالقرار الجمهوري رقم 999 ومخالفة هذا القرار عقوبته هي الموت! أما التهم الأخرى فإنني سأحكم عليك فيها بالسجن والغرامة، وسوف أمهلك شهرا لتوفيق أوضاع جسدك، إما تنفيذ قرار التحوّل الى الجسد الجديد، أو ستعتبر متمردا على قوانين الدولة وسينفذ فيك حكم الموت.
رفعت الجلسة!
في السجن وبعد أن أكملوا إجراءات تسجيلي وأدخلوني الى الزنزانة أحضر أحدهم طعام الغداء. الذي يتكون من قطع الهوط دوق. وكوب من الماء، كوب الماء نفسه يشبه هؤلاء البشر، يشبه قطع الهوط دوغ. في الصباح تناولت طعام الإفطار قطعة هوط دوغ وكوب ماء. أحضر احدهم الصحيفة الرسمية فرأيت فيها صور الهوط دوغ الأكبر، وهو يستقبل سفير إحدى الدول الأجنبية. دهشت فقد كان السفير يشبهني لكنه لا يشبه البشر!
قضيت أياما رتيبة في السجن. ساعدني بعض زملاء السجن في عمل تمرينات تساعد في عملية تحول الجسد. لكني لم إستطع تحقيق أية تقدم. شعرت بالرعب إذ لم يتبق لي سوى أيام قليلة قبل أن أمثل مرة أخرى أمام المحكمة. بسبب أنني لم اكن افهم ما يدور حولي منذ لحظة توقيفي. لم أشعر بالخوف في البداية، كان الأمر كله يبدو لي مثل حلم غريب سرعان ما سأستيقظ منه ولن أحتاج الى تغيير جسدي لأستمر في الحياة بجسد جديد. حين وجدت أن موعد تنفيذ الحكم قد إقترب دون أن أتمكن من تغيير جسدي أو أستطيع إستعادة حياتي العادية السابقة بدأ الخوف يتملكني، خوف غريب لم أعرف له مصدرا في البداية. خوف شعرت به في شكل إهتزازات غريبة في رأسي وبقية جسدي، بدأ معها شعري يتساقط حتى أصبحت رأسي خلال أيام أشبه بحبة قرع، وفي الليلة الأخيرة شعرت برجليّ تهتزان حتى لم أعد أقوى على الوقوف عليهما.
في اليوم الأخير لي في السجن، حين إستيقظت من النوم صباحا وجدت ملابسي وقد تمزقت بجانبي، تغير منظر جسدي، إندمجت رجليّ في رجل واحدة ضخمة. نظرت في المرآة التي أحضرها السجّان و بدات أقفز حولي سعيدا، مثل قطعة هوط دوق، تقفز من فرط حرارة المقلاة، وأنا أصرخ: لقد نجوت! ، لقد نجوت، لقد نجوت!
أحضر لي السجّان ملابس جديدة تليق بجسدي الجديد. الآن يمكنني أن أسير في الشوارع دون مشاكل، وأشعر بالسعادة عدة ساعات كل يوم، لأنني أصبحت مواطنا صالحا في جمهورية الهوط دوق السعيدة.
أحمد الملك
[email protected]
http://ahmadalmalik.blogspot.nl/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.